عادل دشيله - ساسة بوست
من حق تركيا المسلمة أن تستعيد دورها الحضاري، والديني، والريادي في قيادة العالم الإسلامي، لأنّ بها رجالاً مخلصين، وكذلك مؤهلة عسكريًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وفوق هذا وذاك، كانت مركزًا لقيادة العالم الإسلامي لقرون عديدة ولم تفرط في مقدسات المسلمين.
كانت تركيا وما زالت وستكون من دعاة السلام، والمحبة، والتعايش، ونبذ العنف، وتاريخها معروف للقاصي والداني. تجلت عظمة تركيا ودورها المحوري والمحب للسلام في كثير من القضايا الإقليمية والدولية، وما موقفها الأخير من الأزمة التي نشبت بين بعض الدول العربية وقطر إلا خير دليل على ذلك.
لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي، ولم تؤجج الصراع نكاية ببعض الدول الإقليمية التي شاركت بطريقة أو بأخرى في الانقلاب العسكري المشؤوم ضد حكومة تركيا العام الماضي.
لقد أظهرت هذه الأزمة للقاصي والداني أن تركيا عظيمة بقائدها وشعبها الكريم، الحر، التواق للم جمع المسلمين. دعاء الطيب أردوغان منذ اللحظة الأولى الأشقاء في الخليج إلى الحوار. تحرك حفيد عبد الحميد الثاني وسليمان القانوني، الطيب أردوغان، رئيس تركيا المسلمة وبصدق وإخلاص من أجل لم الشمل، وتوحيد الكلمة، حفاظًا على مصالح شعوب الخليج العربي وشعوب المنطقة ككل، لأنّه يعرف ما الذي يدور بداخل غرف صناع القرار في الغرب، وكيف يخطط أولئك الصليبيون لضرب المسلمين بعضهم ببعض ونهب ثروات العرب وبطريقة محزنة، ومهينة، ومبكية في الوقت نفسه، ولذلك وجّه أردوغان نداءً خاصًا للملكة العربية السعودية، لـلم شمل الأخوة، قائلاً: «معروفة السعودية لدينا بأنها بلاد الحرمين، وما يليق ببلاد الحرمين هو لم شمل الأخوة، والسعودية هي أكبر دول الخليج، ونحن كمسلمين من حقنا أن نطالبها بلم الشمل وإنهاء الأزمة، وهذا ما يليق بدولة بحجم السعودية»، لو لم يكن لرئيس تركيا سِوى هذا التصريح لكفى. إنّه موقف أخوي، وديني، وإنساني نبيل يصدر من رئيس ثاني أكبر دولة في حلف النيتو. سيُسجل هذا التصريح النبيل في سجلات تاريخ العظماء.
لكن، في المقابل، تركيا لا تقبل بأنصاف الحلول، ولا تحب أن تكون سياستها ضبابية، كما ينهج الأمريكان في التعاطي مع حلفائهم، وقد رأينا التناقضات المحيرة التي صدرت من البيت الأبيض، فالرئيس ترمب يقول إن قطرًا تدعم الإرهاب ولها تاريخ طويل، بينما، وزير خارجيته تريلسون يدعو إلى الحوار مع دولة قطر ويثني عليها. لكن، تركيا لا تحب أن تنهج سياسة النفاق الأمريكي، لأنّها دولة مسلمة، ولذلك، كانت صادقة في توضيح موقفها للجميع.
لخص الطيب أردوغان ذلك الموقف في سطرين حيث قال: «لم أشهد دعم قطر للإرهاب حتى يومنا هذا، وتركيا لن تترك إخوانها القطريين وحدهم. أما بالنسبة لأولئك المنزعجين من وقوف تركيا إلى جانب إخوانها في قطر، فأقول لهم: عذرًا ولكننا سنواصل تقديم كافة أنواع الدعم لدولة قطر». وهنا يتضح موقف تركيا القوي، والصادق والواضح مع حلفائها في وقت المحن.
لم تخذل تركيا قطرًا، حين استجارت بها من ظلم الأشقاء، وقد عبر بذلك وزير الدفاع التركي، فكري إشق حين قال «إنّ بلاده كانت وستبقى إلى جانب المظلومين في أنحاء العالم كلّه، مؤكدًا أنّ تركيا لن تخيّب آمال الدول التي تنتظر المدد والعون منها»، هذه المواقف الصريحة جعلت الدول التي فرضت حصارًا جائرًا على قطر يعيدون النظر في الخيارات المجحفة وغير المبررة التي اتخذوها ضد شعب قطر الشقيق وحكومته.
فُرضَ ذلك الحصار لكي يثني قطر عن مواقفها السياسية تجاه بعض القضايا الإقليمية، وأيضًا بسبب أنّ قطرًا مصرة على أن تكون حرة في اختيار سياستها الخارجية، وبما لا يتعارض مع التزاماتها الثابتة والمبدئية تجاه الأمن القومي لدول مجلس الخليج. لم تتآمر قطر ضد أحد كما يروج لذلك بعض وسائل الإعلام غير المسؤول، والذي يفتقر لأبسط مقومات المهنية.
ومن خلال ما سبق يتضح وبما يدع مجالاً للشك، أن تركيا أصبحت اليوم قوية ومؤهلة لقيادة العالم الإسلامي أكثر من أي وقت مضى، رغم المؤامرات التي ما زالت تحاك ضدها من قِبل الصليبيين ومحاولة تفكيكها، لكنها قادرة بإذن الله في إفشال المخطط الغربي النتن.
ختامًا، نؤكد أنّه آن الأوان لدول العالم العربي والإسلامي أن يلتفوا حول تركيا؛ فهي جديرة بقيادة العالم الإسلامي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا الإسلامي، وذلك لعدة أسباب.
أولاً،تعرف تركيا جيدًا أن هناك طبخات قد أعدت مسبقًا في الغرف المغلقة لقادة القارة العجوز وحليفهم الأكبر، راعي الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد، الذي أطلقوه في العام 2006 على لسان الوزيرة الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، لتقسيم دول الإقليم، ولذلك، لا أحد يستطيع أن يقف في وجه ذلك المخطط اللئيم سِوى تركيا بقيادة أردوغان القوي الأمين، بشرط أن يتعاون معها العرب، لا أن يخذلوها كما خذل الشريف حسين الخلفاء العثمانيين في الحرب العالمية الأولى..
ثانيًا، تركيا لها رصيد نضالي زاخر في سبيل الدفاع عن المسلمين ومقدساتهم.
ثالثًا، تركيا لديها اكتفاء ذاتي، وأصبحت دولة مصنعة، ومصدرة وصادراتها تنتشر في القارات الثلاثة، على عكس بعض الدول العربية، والتي ما زالت تستورد حتى الملابس والقطن «الشال» الخليجي من سويسرا.
رابعًا، تركيا هي الدولة العسكرية الثانية في حلف النيتو، وجيشها خاض عدة حروب، ليس المجال لذكرها الآن، مما يعني أن ذلك الجيش له القدرة على حماية بلاد المسلمين من الأطماع الأجنبية. وهناك عدة أسباب أخرى، تحتاج مقالاً آخر لذكرها.
حفظ الله دول العالم الإسلامي من كيد الماكرين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس