د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس
متى تم اكتشاف الغاز الإسرائيلي؟
اكتُشف الغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة سواحل إسرائيل في عام 1999. كما تم اكتشاف احتياطيات أكبر - أبرزها حقل "تامار" في عام 2009 - بتقديرات تبلغ 9 تريليون قدم مكعب إلى جانب حقل "ليفياثان" الذي تشير آخر التقديرات إلى أنه يضم احتياطيات تبلغ 17 تريليون قدم مكعب.
وتقع حقول الغاز المكتشفة حديثاً في المياه العميقة. فحقل "تامار" - الذي يبعد أكثر من 50 ميلاً عن حيفا - يقع في المياه العميقة على بعد 6 آلاف قدم مكعب. وحقل "داليت" الأصغر حجماً الواقع على نفس خط العرض فكائن على بعد 4 آلاف قدم مكعب في المياه العميقة.
ما هي الخيارات والبدائل الاستراتيجية لتصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا؟
تعد أذربيجان من أبرز البلدان الموردة الرئيسية للنفط الخام إلى إسرائيل. وتصل الإمدادات الأذرية عن طريق خط أنابيب باكو- تبيليسي - جيهان إلى تركيا، ومن هناك يتم توريدها بواسطة الناقلات. وتأتي إمدادات أخرى عبر موانئ البحر الأسود.
وبعد اكتشاف حقول الغاز الإسرائيلية فإن خبراء الطاقة الإسرائيليين درسوا كافة الخيارات لتصدير فائض الغاز وابتداءً من العام 2017. وكانت خياراتهم كالآتي :
- حقل "تامار" البحري للغاز الطبيعي الذي سيدخل مرحلة الإنتاج في عام 2013 سوف يفي بالطلب المحلي الحالي على الغاز، كما أن حقل "ليفياثان" بالقرب من الشواطئ يمكنه أن يجعل إسرائيل دولة مصدرة للطاقة بصورة كبيرة بعد بدء الإنتاج في عام 2017.
وتتمثل الاحتمالات في تصديره بعد تحويله إلى غاز طبيعي مسال. وتعد مصر في مقدمة الخيارات الإسرائيلية لتصدير غازها إليها وذلك لحاجة مصر إلى هذا الغاز ...
- إنشاء خط أنابيب إلى قبرص يتصل بخط أنابيب ممتد إلى الشمال عبر الجزيرة ثم يمر أسفل البحر إلى تركيا، حيث يمكن أن ينضم إلى شبكة خطوط الأنابيب التي تخدم السوق الأوروبية.
في ظل غياب القيود السياسية، يتمتع هذا الخيار بالمنطق التجاري الأفضل، حيث إنه الأرخص والأسرع إنشاءً، كما أنه يربط إسرائيل بالسوق الأقرب والأضخم. لكن هذا المسار يمنح بلدين - هما قبرص وتركيا - السيطرة على صادرات الغاز الإسرائيلية. وهاتان الدولتان ليست لهما علاقات جيدة مع بعضهما البعض، كما أن علاقات تركيا مع إسرائيل غير مشجعة في الوقت الحاضر.
ولكن في عالم السياسة تتغير مواقف الدول طبقا لمصالحها وأمنها القومي، ولذلك ستحاول إسرائيل تفعيل خيار تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا واليونان مستخدمة شتى أدوات الضغط الدبلوماسية الإسرائيلية ابتداء من توظيف الدور الأمريكي، وملف غاز غزة مارين، ورفع الحصار عن غزة، وتحجيم اللوبي الأرمني واليوناني ضد تركيا... إلخ.
وإن قرار إسرائيل بوضع أي مرفق لتصدير الغاز الطبيعي في منطقة خاضعة لسيطرتها هو أمر متوقع ومفهوم له ما يبرره. لكنه يشير إلى أن الغاز الطبيعي المسال - وليس إنشاء خط أنابيب للغاز - هو الخيار المفضل لخبراء الطاقة الإسرائيليين ولذلك اقترحوا الآتي:
- إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال على الخط الساحلي لإسرائيل على البحر المتوسط، أو إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال على ساحل إسرائيل على البحر الأحمر بالقرب من إيلات. وسوف تكون هذه المحطة أكثر قرباً من أسواق الغاز الطبيعي في الهند وآسيا.
ولكن تبقى تركيا هي خيار إسرائيل الاستراتيجي لتصدير غازها لأوروبا لموقعها الجيو استراتيجي، وخاصة بعد نجاح تركيا بالتوقيع مع روسيا لمد خط السيل التركي والمتضمن نقل الغاز الروسي لأوروبا عبر تفضيل تركيا على أوكرانيا.
استراتيجية الطاقة تجعل من المتنافسين والخصوم شركاء
تفرض استراتيجية مصادر الطاقة قواعد أسياسية بجعل مد خط "إيست ميد" للغاز الطبيعي ممكنا، والذي يربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية عبر تركيا واليونان وصولاً إلى أوروبا
وكالآتي:
أولا: الصعوبات الطبوغرافية. يمكن حل هذه المشكلة عبر توقيع اتفاقية مشتركة بين تركيا واليونان لأن مد خط إيست ميد سيستوجب للوصول إلى تركيا عبور المياه القبرصية، الأمر الذي يتطلب اتفاقاً بين البلدين. وبضغط مباشر من الدبلوماسية الأمريكية والاسرائيلية.
ثانيا: بُعد الطاقة عامل محفز لتطبيع العلاقات التركية مع اليونان وإسرائيل.
ثالثا: تدعم واشنطن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا، وعبر مروره بالمياه القبرصية انتهاء بأوروبا.
رابعا: غاز البحر الأبيض المتوسط. يسهم بتنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيدًا عن روسيا أو على الأقل تقليل الاعتماد عليه.
تصدير الغاز الإسرائيلي لأوربا والبيئة الأمنية المضطربة لحوض البحر الأبيض المتوسط
تنطلق الاستراتيجية الإسرائيلية لتوظيف مصادر الطاقة لتطبيع علاقتها مع تركيا، لتحقيق المزايا الاتية:
- فوائد التطبيع مع طرف إقليمي مؤثر وحاضر في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز كتركيا يخدم إسرائيل اقتصاديا وسياسيا في بيئة مضطربة أمنيا ومعادية لوجود إسرائيل في هذه المنطقة.
- ترى إسرائيل أن المفتاح الأساسي والحقيقي لفهم التدهور في علاقتها مع تركيا تحكمه قضيتان:
الأولى: قضية غاز مارين غزة وحصار إسرائيل لقطاع غزة.
الثانية: التوتر في العلاقات التركية اليونانية وإشكالية النزاع غير المحسوم على قبرص.
- تدرك إسرائيل أن هناك ملفات مشتركة مع تركيا ممكن أن تساهم في تطبيع العلاقات بينهما أبرزها:
* ملف حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب.
* ضرورة التعاون والتنسيق لمواجهة التحديات والتهديدات المتزايدة التي يطرحها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
- أدركت أنقرة الفائدة من تحسين العلاقات مع طرف إقليمي مستقر مثل إسرائيل يتشارك معها استياءها تجاه المحور الموالي للنظام السوري من جهة ، وممكن أن يسهم هذا التحسين في تحجيم نشوء كيان كردي على حدود تركيا من جهة أخرى.
القضية الفلسطينية وحصار غزة والدعم التركي لقطاع غزة
لن يقتصر خط إيست ميد على نقل الغاز الإسرائيلي فقط بل نقل غاز مارين غزة، وبالتالي فمن المحتمل أن مصالح الطاقة المشتركة تدفع بجهود التطبيع أيضاً. فإسرائيل تريد جني الفوائد الاقتصادية والسياسية من تصدير الغاز الطبيعي من الحقول البحرية إلى تركيا.
مد انبوب غاز إيست ميد عبر تركيا سوف يسهم بتوفير إمدادات الغاز الرخيصة لها (تركيا) في حالة الموافقة عليه، لأن نجاح صفقة من هذا القبيل ممكن أن يوفر لأنقرة إمدادات رخيصة من الغاز إضافة لإمدادتها الحالية من الغاز الروسي، وفرصة لإعادة تصدير بعض من هذا الغاز إلى أوروبا، ووسيلة لتنويع وارداتها (تركيا) من الطاقة بعيداً عن روسيا التي توفر حالياً نحو 55 في المئة من الغاز لتركيا، أو على الأقل تعزز امدادات الغاز لتركيا بعد توقيعها مع روسيا لإنشاء مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي لأوروبا.
تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين إسرائيل وتركيا عام 1996 وتسهيل مد خط الغاز إيست ميد لنقل الغاز الإسرائيلي لأوربا عبر تركيا
على الرغم من الخلافات السياسية التركية الإسرائيلية بشأن قطاع غزة وحصارها إلا أن الواقع الاقتصادي يشير إلى أن البلدين لديهما علاقات تجارية تحكمها اتفاقية التجارة الحرة والتي دخلت حيز النفاذ عام 2000. ولا زالت العلاقات التجارية المدنية مستمرة بينهما، وتطوير هذه العلاقات وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما ممكن أن يعزز فرص التطبيع السياسي، وتفعيل الرغبة التركية لدراسة إمكانية الموافقة على نقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر إيست ميد إذا توافرات ظروف وبيئة سياسية مناسبة.
ولعل من أولويات تركيا هي مسالة القضية الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة، وإزالة العقبات الإسرائيلية التي تحول دون استثمار غاز مارين غزة، وموافقة إسرائيل على طلب تركيا لتنفيذ مشاريع الإسكان وإعادة إعمار البنية التحتية في قطاع غزة، كما طلبت أنقرة إرساء سفينة لتوليد الطاقة في البحر قرب الشاطئ للمساعدة في حل نقص الكهرباء الحاد في قطاع غزة.
بالمقابل تصر إسرائيل على أن يتم إيصال جميع المساعدات الخارجية لغزة ضمن ترتيبات أمنية مشددة، وإن كان ذلك ممكناً في إطار هدنة طويلة الأمد مع "حماس"، عن طريق الوساطة الأمريكية وبمشاركة السلطة الفلسطينية.
وأﺣــــﺪ أﻫــــﺪاف ﺗﺮﻛﻴــــﺎ ﻣــــﻦ الاقتراب بالتطبيع مع إسرائيل ﻫــــﻮ ﻣﻨــــﻊ اﻟــــﺪﻋﻢ اﻹﺳــــﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴــــﺔ الكردية. وﻘــــﺪ ﺟﻌﻠــــﺖ "اﺳـــﺘﺮاﺗﻴﺠﻴة اﻷﻃـــﺮاف" اﻟﺘـــﻲ ﺗﻌﺘﻤـــﺪﻫﺎ إﺳـــﺮاﺋﻴﻞ ﻟﺘﺸـــﺠﻴﻊ الحرﻛـــﺎت اﻻﺳـــﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻟﻸﻗﻠﻴـــﺎت ﻏﻴـــﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ خاصة القومية الكردية اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣـﻦ اﻷﺗـﺮاك ﻳﻨﻈـﺮون ﺑﺸـﻚ ﻗـﻮي إﱃ أن إﺳـﺮاﺋﻴﻞ ﻫـﻲ اﻟـﺪاﻋﻢ اﻟﺮﺋﻴﺴـﻲ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴـﺔ اﻟﻜﺮدﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺔ وإﻳﺮان.
التوتر في العلاقات التركية المصرية يعد من العقبات الأخرى الهائلة التي تحول دون تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية. فقد حاولت أنقرة أن تقدم شكوى لمجلس الأمن الدولي ضد حكومة السيسي من أجل فرض عقوبات عليها بعدما أطاحت بحكومة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في عام 2013. وفي المقابل، استخدمت مصر بطاقة قبرص، إذ بنت علاقات حميمة مع القبارصة اليونانيين وأجرت مناورات عسكرية مشتركة معهم ومع اليونان وإسرائيل في عام 2015.
إن العلاقات المصرية الإسرائيلية هي الآن في أفضل حالاتها منذ عقود (وإن كانت بمعظمها سرية(، وقد أوضح الرئيس المصري السيسي لإسرائيل أنه يجب ألا تقوم جهود تطبيع علاقاتها مع أنقرة على حساب مصالح القاهرة.
وختاما، تدعم واشنطن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوربا وعبر تركيا وعن طريقها، تحقيقاً لمصلحتها وكعامل محفز محتمل للتطبيع على حد سواء. وخلال زيارته إلى إسرائيل، سلّط وزير الطاقة الأمريكي إرنست مونيز الضوء على الطريقة التي يمكن من خلالها لهذا الاتفاق المساعدة في تنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيداً عن روسيا، بيد أن هذا الخيار لا يخلو من التحديات الخاصة به.
وأضاف إرنست أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبذل جهودا استثنائية لنجاح هذا المشروع، وعبر الضغط على الأطراف الثلاث المعنية بهذا المشروع والمتمثلة بإسرائيل وتركيا واليونان. ومنها حل الآتي :
- مشكلة حقل "أفروديت" عبر الاستغلال المشترك (وحقل افروديت يقع في المياه التي تطالب بها الجمهورية التركية لشمال قبرص).
- حل مشكلة الحقل الإسرائيلي "ماري - ب"والذي يمتد إلى الأراضي البحرية لغزة.
- الضغط على الأردن لتأمين الإمدادات الغاز الخاصة بها من حقل "تامار" الإسرائيلي. لأن محصلة هذه الجهود الأمريكية سوف تسهم في تدعيم الاقتصاد الإسرائيلي عبر توفير فرص تطوير وتصدير الفائض من الغاز الإسرائيلي للخارج.
فهل تجعل مصادر الطاقة من تركيا واليونان وإسرائيل المتنافسين والأعداء حاليا مستقبلا حلفاء وشركاء !!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس