خليل المقداد - خاص ترك برس
لم يكن أشد المتشائمين بالثورة السورية يتوقع ما آلت إليه الأوضاع في سورية، إذ كان من الطبيعي والمنطقي أن تنجح الإحتجاجات الشعبية العارمة حتى وإن طال أمدها لشهور، في إسقاط نظام الحكم الدموي، أو فرض إصلاحات حقيقية تقود لتغيير جذري في سياسات النظام القمعية على أقل تقدير، خاصة وأن رقعة الإحتجاجات كانت في إزدياد، فقد وصل إصرار السوريين على التغيير مداه الأقصى، وما عاد بالإمكان إعادة الشعب إلى ما قبل العام 2011 كيف لا وحق التظاهر والإحتجاج وحتى النقد، كان من أكبر المحرمات، ثم وإذ بنا أمام ثورة تفجرت في وجه أعتى وأقذر نظام حكم عرفه العصر الحديث.
كان من الطبيعي جداً أن يلتحق الكثير من أصجاب المصالح والأجندات بالثورة، من ضمن هؤلاء، كان الكرد الإنفصاليون الذين لم يفوتوا فرصة رفع أعلامهم الإنفصالية، وعند الحديث عن الرايات وبما أن الشيئ بالشيء يذكر، فقد حدث هذا في الجنوب أيضا، عندما رفع الدروز أعلامهم الخاصة وإن على إستحياء وفي مناسبات متفرقة ودون المجاهرة بطلب الإنفصال، لكنه في الحالة الدرزية تحول إلى مطالبة إسرائيل بتوفير الحماية للدروز في سورية، حيث تجلى ذلك في أحداث بلدة حضر الدرزية في ريف القنيطرة وما وصلها من تعزيزات ومؤازرات حتى من قبل الكيان الصهيوني، مع العلم أنها تساهم بشكل فاعل في الحصار المفروض على ريف دمشق الغربي.
بالعودة إلى الكرد ومشروعهم الإنفصالي، فقد كانت مطالب الإنفصال وتأسيس كيان "روج آڤا" علنية لا تقبل التأويل، حتى مع عدم توفر العامل الديموغرافي، إذ لا وجود كردي خالص في المناطق التي يطالب بها هؤلاء، فهم يتوزعون على عشرات المدن والقرى والبلدات السورية المترامية الأطراف وفي أكثر من محافظة، مع ملاحظة أن مئات الألوف منهم أكراد لاجئون من تركيا ولا يحملون الجنسية السورية، لكنهم يتشاركون العيش مع الغالبية العربية إضافة لأقليات من التركمان والأشوريين والأرمن.
مع دخول الكرد على خط الثورة، قام الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني التركي "بي كي كي" والمسمى "حزب الإتحاد الديمقراطي" " بي يي دي" الذي يرأسه صالح مسلم محمد، قام في العام 2011 بتشكيل ما بات يعرف باسم وحدات حماية الشعب "واي بي دي" وهي ميليشيا مسلحة، مهمتها المعلنة حماية الشعب الكردي، لكنها تحالفت مع نظام الأسد وصادرت قرار الكرد بالقوة، وهمشت كافة الأحزاب السياسية الكردية، لتبدأ رحلة عدائها للشعب السوري وثورته، فكانت قوات رديفة لنظام الأسد في أكثر من مكان على رأسها مدينة حلب، فتمددت بدعم خارجي لتشمل الحسكة والقامشلي وعين العرب ومنبج وراس العين، ليصل تمددها إلى سنجار في العراق.
"الكرد" أو "الأكراد" وبشكل مبسط، هم شعوب أو قبائل تعيش في غرب آسيا، شمال الشرق الأوسط، بمحاذاة جبال زاغروس وجبال طوروس، وهي المنطقة التي يسميها الأكراد كردستان الكبرى، وهي عبارة عن أجزاء من شمال شرق العراق، وشمال غرب إيران، وشمال شرق سوريا، وجنوب شرق تركيا، أما الكرد كعرق فيعتبرون جزءًا من العرقيات الإيرانية. يتواجد الأكراد أيضاً وإن بأعدادا قليلة في جنوب غرب أرمينيا وبعض مناطق أذربيجان ولبنان.
لطالما سعى الكرد لتحقيق حلمهم بإقامة دولة تضم شعث شتاتهم في المنطقة، لكن ما منع ذلك هو أن هذا الوطن كان يقع ضمن خارطة أربع دول إقليمية، هي إيران والعراق وتركيا وسوريا، مع تفاوت نسبهم وكثافتهم السكانية في هذه الدول، حيث يعتبر عددهم الأقل في سورية وقد لا يتجاوز النصف مليون نسمة رغم موجات الهجرة من تركيا، نتيجة حروبهم مع الدولة التركية أو الثورات عليها.
حزب العمال الكردستاني وجد ضالته في الثورة السورية، فركب موجتها، وكان معارضا لنظام الأسد في العلن وحليفاً له في السر، ينسق معه ويحصل على السلاح والعتاد، ليتطور الأمر باحتضان إيران له، حيث تولى المالكي مهمة تنسيق الدعم المقدم له، ترافق هذا مع الدعم المباشر من الولايات المتحدة والتحالف الدولي، ثم روسيا التي قدمت لهم الغطاء الجوي والمدفعي في حربهم على الفصائل السورية وذلك على خلفية التوتر مع تركيا على إثر إسقاطها لطائرة حربية روسية.
لاحقا دخلت دولة الإمارات على الخط، وأيضا مناكفة لتركيا، فقدمت الدعم المالي ومولت صفقات وحدات الحماية والفصائل المحلية المنضوية تحت راية قسد، كقوات أحمد الجربا شريك الأكراد الإستراتيجي، خاصة في مسائل كتقاسم إيرادات المعابر، وعلى رأسها معبر "اليعربية" الحدودي مع العراق، كيف لا وهو الذي عبر عن هذه الشراكة بالقول: "نحن شركاء في معمودية الدم والملح" وذلك خلال كلمته بمناسبة إطلاق تيار الغد بحضور عرابه محمد دحلان ومندوبين عن الكرد والروس والإيرانيين والإماراتيين في مصر.
لقد عاشت وحدات الحماية الكردية فترة ذهبية تجلت بحصولهم على الدعم المالي والعسكري، إضافة للغطاء السياسي، من معظم أطراف الصراع في المنطقة، كالتحالف الدولي وروسيا وإيران ونظام الأسد والإمارات، حدث هذا رغم صراع الأجندات الدولية والإقليمية، فالكرد كانوا أداة طيعة تخدم مصالح الجميع في سبيل الوصول الى الهدف المنشود وهو قيام كانتون كردي.
أطماع حزب "بي يي دي" الإنفصالية كانت واضحة لا تخطئها عين، من خلال الشعارات المرفوعة والسياسات المتبعة على الأرض، ولنا في أحداث حلب وحي "الشيخ مقصود" مثال على مدى التنسيق الذي كانت تقوم به هذه الوحدات مع نظام الأسد، الذي فتحت ممرات أمنة لقواته وسمحت له بالتسلل للعديد من المناطق، وكانت تدخل في معارك مستمرة مع فصائل الحر على مناطق التماس، هذا عدا عن عمليات الإعتقال والترهيب وفرض التجنيد الإجباري على الشباب العرب في مناطق سيطرتها وحتى على الأطفال الكرد القصر من الذكور والإناث. لقد كانت هذه الميليشيا وبحق طعنة سامة في ظهر الشعب السوري وثورته.
طرد الغزاة وتحرير الأرض أولوية مقدمة على ما سواها، فلا كرامة ولا عيش بلا وطن حر، لكنها معادلة كانت وعلى ما يبدو خارج حسابات فصائل الحر، التي كان همها الحفاظ على وجودها، بأي ثمن حتى وإن إقتضى الأمر أن تتحول لميليشيات مرتزقة تنفذ أجندات الأطراف الإقليمية والدولية طالما أنها توفر لها الحماية والدعم المادي، أو تغض الطرف عن تجاوزاتها وفسادها وتسمح لها بإدارة للمعابر، ناهيكم عن عمليات الإختطاف والإبتزاز وسجن كل من يعترض بكلمة، بل وسحلهم بالسيارات كما فعل لواء المعتصم مع فتى قيل أنه قد سرق ما يعادل 15 دولاراً أمريكياً، هذا عدا عن التهريب بشتى أنواعه، من بشر وحجر ونفط وغذاء وسلاح وكنوز وآثار تاريخية..
محير هو أمر فصائل الحر في محافظة حلب، فهي ومنذ البداية لم تتصدى بشكل فاعل لهذه الميليشيا وكانت تكتفي بإصدار بيانات التهديد وتشكيل غرف العمليات، رداً على تعديات وجرائم وحدات الحماية، وهو ما شجعها على التمادي في غيها، بعد أن أدركت هشاشة قوة فصائل المعارضة وعدم جديتها في القتال، لتبدأ لاحقا وبعد أن إشتد عودها، بعملية إجتياح الريف الحلبي وطرد الفصائل منه بدعم جودي ومدفعي روسي، ليصل نفوذهم اليوم وبدعم غربي إلى البوكمال على الحدود العراقية.
رغم عودة العلاقات التركية – الروسية إلى حميميتها وسابق عهدها إلا أن هذا لم يؤثر إيجابا على عملية التصدي لإرهاب وحدات الحماية، إذ وعلى ما يبدو فإن كافة الأطراف الدولية والإقليمية، كانت قد توصلت لنوع ما من التفاهمات، وهو ما جعل من مسألة التصدي لهذه الميليشيا خطا أحمراَ حقيقيا، وليس كباقي الخطوط التي هدرت باسمها دماء الشعب العربي السوري المسلم.
يبدو مستقبل وحدات الحماية الكردية غامضا، خاصة بعد نكسة كركوك في العراق، وإنتهاء معظم العمليات العسكرية الرئيسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وكذلك بعد إعلان تركيا عن نيتها إنهاء سيطرة الأكراد على مدينة عفرين السورية، لهذا فهم اليوم يواجهون مستقبلاً غامضا، خاصة إذا ما قررت الدول العظمى أو بعضها التخلي عنهم بعد أن حققت هدفها باستخدامهم أداة في حربها على ما يسمى الإرهاب.
إنتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد تنظيم الدولة، سيفتح الباب على صراعات جديدة لها علاقة بتقاسم المصالح وفرض تسوية سياسية، تحتاج لتوافق روسي أمريكي عليها، فأي دور سيلعبه الأكراد بعد تصريحات وحدات الحماية، أنها لا تسعى للإنفصال عن الدولة السورية، بل إقامة نظام حكم فدرالي لامركزي، فهل تعلمت من درس كركوك؟ أم أنها مناورة مرحلية تنتظر تغير المعطيات التي كبحت جماح طموحاتهم الإنفصالية؟ مقبل الأيام كفيل بالإجابة على هذا السؤال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس