د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها نقلاً عن مصادر أمريكية رسمية أنّ إدارة ترمب تسعى إلى إنشاء قوّة عربية لتحل محل القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي السورية، ولكي تساعد على تحقيق الاستقرار في منطقة شمال شرق سوريا.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أربع دول عربية تحديداً هي السعودية والإمارات ومصر وقطر، كما كشفت عن أنّ جون بولتن، مستشار الأمن القومي للرئيس ترمب تواصل مع مدير الاستخبارات المصرية عبّاس كامل ليرى ما إذا كانت القاهرة مستعدة للمساهمة في هذا الجهد.
يأتي هذا الطرح بعد فترة وجيزة جداً من ثلاثة تطوّرات تتعلق بموقف الإدارة الأمريكية من الملف السوري، أوّلها إعلان الرئيس الأمريكي ترمب نيّته سحب القوات الأمريكية من سوريا، ومن ثمّ إبداؤه الاستعداد للإبقاء عليها لفترة من الوقت شريطة أن تدفع السعودية التكاليف المالية المرتبطة بهذا الأمر، ومن ثمّ تنفيذ ضربة عسكرية محدودة جداً لبعض المواقع الخالية لنظام الأسد.
في هذا السياق، تبدو المعلومة التي نقلتها وول ستريت جورنال صحيحة، فهي تتناسب مع السياق العام لموقف ترمب الذي يعمل حالياً على حلب الدول الخليجية مالياً. أمّا بالنسبة إلى مصر، فلا بدّ أنّ ترمب فكّر بطريقة "نحن ندفع لمصر مساعدات مالية سنوية، وعليهم أن يردّوا لنا الأموال بطريقة أو بأخرى"!
عملياً الفكرة ليست جديدة، فجزء منها يبدو قريباً من اقتراح سابق قيل إنّ الجانب التركي ناقشه مع كل من السعودية وقطر في نهاية العام ٢٠١٥، وكان يقضي بأن يتم طرد تنظيم داعش من الشمال السوري والرقة بالاستعانة بقوات عربية حليفة إلى جانب قوات الجيش السوري الحر، وأن يتم إنشاء منطقة آمنة في الأماكن المحررة بالإضافة إلى بناء بيوت جاهزة يتم تمويلها من قبل التحالف ودول أخرى.
لم يتم تطبيق هذه الفكرة لأنّ الجانب السعودي تهرّب من الشق العسكري كما من الشق الإنساني المتعلق ببناء مساكن للاجئين السوريين، وفضّل عوضاً على ذلك الالتصاق بالأجندة الأمريكية، وسرعان ما أصبح الموقف السعودي لاحقاً قريبا من الموقفين الإماراتي والمصري، وقيل إنّ الرياض وأبو ظبي ستموّلان بعض عمليات الإعمار في المناطق التي دخلتها الميليشيات الكرديّة برعاية أمريكية، وبعدها كانت زيارة السبهان للرقّة.
وبالعودة إلى تسريب وول ستريت جورنال، يبدو المقترح الأمريكي ضرباً من الخيال إذا لم يكن المقصود منه حصراً جمع مزيد من الأموال من هذه الدول، الدول الثلاث الأولى أي السعودية والإمارات ومصر تقاطع قطر وتفرض عليها حصاراً، ومن غير المنطقي افتراض أنّ هذه الدول سترسل قواتها جنباً إلى جنب، فيما لا تزال الأزمة الخليجية قائمة.
أضف إلى ذلك أنّ السعودية والإمارات تبدوان غارقتين في اليمن، وإذا ما تجاوزنا مسألة عدم توافر قدرات بشرية بالإضافة إلى الكفاءة العسكرية، فمن غير المنطقي أن تقوما بإرسال قوات عسكرية إلى سوريا في الوقت الذي تعجزان فيه عن حسم المعركة في اليمن. أمّا بالنسبة إلى مصر، فهي ربما الوحيدة القادرة من الناحية العددية على إرسال قوّات، لكن سبق لها أن رفضت إرسال قواتها لمساعدة حلفائها السعوديين والإماراتيين في اليمن، ولا يوجد مبرر في هذه الحالة لإرسال قواتها إلى سوريا والامتناع عن إرسال قواتها إلى اليمن.
فضلاً عمّا ذكرناه، فإنّ هذه الدول الثلاث هي بمثابة داعم إقليمي لـ نظام الأسد، وهذا يطرح سؤالاً عن نوع المهمّة التي يريد الجانب الأمريكي أن يوكلها إليها. وإذا ما افترضنا أنّها ستقوم بإرسال قوات، فهذا يعني أنّ مهمّتها ستتضمن تعزيز سيطرة الأسد، لأنّ هذه الدول لن تغامر بإرسال قوات تحت مهمّات أخرى من شأنها أن تضعها في صدام مع إيران أو روسيا.
وإذا ما افترضنا أنّ مهمّة هذه القوات العربية ستتمثل في حماية المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية التابعة للولايات المتّحدة، فهذا يعني أنّها ستكون على صدام مباشر مع تركيا، الأمر الذي سيدفع الأخيرة أكثر فأكثر باتجاه إيران وروسيا، وعندها لن يكون باستطاعة المحور الآخر تحقيق أهدافه حتى وإن استعان بالولايات المتّحدة.
في هذا المشهد، من الصعب تصوّر إرسال باكستان لقواتها خاصّة أنّها حذرة جداً من التحالفات السامّة في المنطقة، وهي تبتعد مؤخراً شيئاً فشيئاً عن الولايات المتّحدة وعلاقاتها جيّدة جداً مع تركيا، وبدأت تتحسّن مؤخراً مع إيران كذلك، الأمر الذي يجعل تحوّل صيغة القوات المفترضة من عربية إلى إسلامية صعباً كذلك.
لا أعتقد أنّ ترمب سيفوته مثل هذه التحديات التي شرحناها أعلاه، لذلك يشير تقرير الوول ستريت جورنال إلى رجل يدعى إريك برنس. إريك هذا هو مؤسس مرتزقة بلاك ووتر سيئة السمعة والصيت والتي سبق لها أن شاركت في العراق، وساعدت كذلك الإمارات على إقامة معسكرات خاصة للتدريب واستجلاب مرتزقة من دول مختلفة حول العالم للقتال معها في اليمن وأماكن أخرى.
يقول إريك إنّ مسؤولين عرباً تواصلوا معه بشكل غير رسمي بشأن إنشاء قوات في سوريا، وأنّه كان ينتظر ماذا سيفعل تراكب بهذا الشأن على حد قوله. أمّا وقد طرح هذا المقترح الآن بشكل رسمي، فالأرجح أنّ الإمارات بالتحديد منفتحة على استقدام مرتزقة بلاك ووتر لتشكيل هذه القوّة، وهذا يعني أنّ الدول السعودية والإمارات ستدفع الأموال للاستعاضة عن عدم قدرتها على نشر قواتها. أمّا بالنسبة إلى قطر، فاعتقادي بأنّ مساهمتها جارية في الملف الإنساني بشكل مباشر ومن خلال تركيا، فربما يصبح هناك طريق ثالث من خلال الولايات المتّحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس