ترك برس
قالت دراسة أمريكية إن الاستثمارات التركية في ممرات الغاز الطبيعي الجديدة في منطقة البحر الأسود، ستجعل من تركيا مركز الثقل المتحكم في إمدادت الغاز إلى أوروبا إلى جانب روسيا، وقد يكون على حساب روسيا التي كانت تاريخيا المورد الرئيسي للغاز الطبيعي لكل من تركيا وأوروبا.
وأشارت الدراسة التي صدرت عن شبكة الأمن القومي التابعة لجامعة تكساس، إلى أنه ما يزال من غير الواضح ما إذا كان تنويع إمدادات الغاز إلى منطقة البحر الأسود سيكون نصرا حاسما لتركيا أم مكسباً لأمن الطاقة الأوروبي، لأن ذلك سيعتمد على المستوى الذي تبقى فيه تركيا مستقلة عن النفوذ الروسي، ومدى اتباع تركيا لقواعد السوق.
الجيولوجيا مقابل الجغرافيا
وتذكر الدراسة أن جيولوجيا تركيا لا تدعم احتياجاتها من الغاز، حيث تنتج البلاد 0.8 في المئة فقط من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه، كما تفتقر إلى التكوينات الطبيعية المناسبة مثل الكهوف الملحية التي يمكن أن توفر سعة تخزين كبيرة، ومن ثم تجنيب تركيا أزمة انقطاع الإمدادات أو ارتفاع الأسعار.
ولكن الدراسة تستدرك بالقول أن ما تفتقده تركيا في الجيولوجيا تعوضه في الموقع الذي إذا استخدم على نحو جيد، فإنه سيجعل تركيا قادرة على تقليل اعتماد البلاد على أي مورد وحيد للغاز الطبيعي، وتحويل تركيا إلى مركز للغاز الطبيعي لأوروبا، وجعلها القوة الاقتصادية والجيوسياسية الأكثر أهمية في كل من أوروبا وآسيا.
تركيا وقواعد اللعبة
ويلفت مُعدّا الدراسة إلى أن قادة تركيا يدركون أهمية موقع بلادهم التي تقع عند مفترق الطرق بين آسيا الغنية بالغاز الطبيعي وغرب أوروبا الفقير بالغاز. وتملك تركيا بالفعل خطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تنقل الوقود من روسيا وإيران وأذربيجان، وقد دخلت في مشاريع جديدة للغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب، وأبرزها خط الأنابيب السيل التركي وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر الأناضول (تاناب).
وتضيف الدراسة أن تركيا تحركت مبكرا للتعرف على إمكانيات إمكانات الغاز الطبيعي المسال، فأقامت محطتين لإسالة الغاز الطبيعي، إحداها محطة (مرمرة-أراغلي) التي أقيمت عام 1994، والثانية محطة (علي آغا) عام.
وللاستفادة من سوق الغاز الطبيعي المسال الآخذ في التوسع والعولمة، استثمرت تركيا أيضًا في وحدات التسييل وووحدات إعادة التحويل إلى غاز. كما أن الاستثمارات التركية في هذه الوحدات يوفر قدرة استيراد إضافية، ويوفر سعة تخزين إضافية، لم تكن تركيا لتحققها بدون هذه الاستثمارات.
ووفقا للدراسة فإن جلب مصادر جديدة للغاز الطبيعي من أذربيجان أو جورجيا أو تركمانستان أو إسرائيل أو قبرص أو الولايات المتحدة أو النرويج أو قطر يقلل من اعتماد تركيا على أي مورد وحيد، وخاصة روسيا التي تهيمن تاريخياً على صادرات الغاز إلى تركيا.
ولكن الدراسة تستدرك أن تركيا لا تسعى إلى تنويع الإمدادات، لأن البنية التحتية الجديدة للبلاد أعلى من الطلب الحالي والمتوقع لتركيا، على الرغم من تضاعف الطلب المحلي على الغاز من 27 مليار متر مكعب في عام 2005 إلى 53.5 مليار متر مكعب في عام 2017. وتحاول خفض الاعتماد على الغاز وتركز على توليد الفحم والرياح، وكلاهما متاح محليًا.
تحقيق التوازن مع روسيا والاتحاد الأوروبي
ورأت الدراسة أن تركيا إذا أصبحت مركزًا لتوريد الغاز الطبيعي إلى مجموعة متنوعة من الموردين في جنوب شرق وجنوب أوروبا، فإنها لن تكتفي بتحقيق منافع اقتصادية تشمل رسوم العبور والحصول على الغاز بسعر رخيص للاستهلاك المحلي، بل ستتمكن من استغلال وضعها كمركز للطاقة لزيادة ثقلها الجيوسياسي في المنطقة، مقابل روسيا والاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن روسيا هي شريك التفاوض الأكثر ضعفاً عندما يتعلق الأمر بمرور الغاز الطبيعي عبر تركيا، وذلك بعد أن أجبرت روسيا على الحفاظ على حصتها في السوق الأوروبية وتنويع طرقها في توصيل الغاز الطبيعي بعد فشل المرر الأوكراني.
وأردفت أن فشل مشروع ساوث ستريم والصعوبات الحالية التي يواجهها نورد ستريم 2، جعل مشروع السيل التركي بالغ الأهمية في الاستراتيجية الروسية. وحتى في ذروة التوتر بين البلدين حول سوريا، رفضت روسيا إلغاء الاستثمار كرد فعل على إسقاط تركيا لطائرة روسية في عام 2015. كما عرضت روسيا أسعارًا أقل على الاستهلاك المحلي لتركيا.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوربي ذكرت الدراسة أن تحول تركيا لمركز للغاز الطبيعي يمكن أن يساعد أيضًا في إصلاح العلاقة المعقدة مع الاتحاد الأوروبي، ووسيلة لربط أنقرة بأوروبا في حال لم تنضم تركيا إلى الاتحاد. وبالنظر إلى أن الغاز الذي يمر عبر تركيا من المرجح أن ينقل إلى اليونان، فإن ذلك قد يساعد في حل القضية القبرصية.
وخلصت الدراسة إلى أن تركيا تقوم بكل الأشياء الصحيحة لتصبح لاعبا مهما يمكن أن يؤثرفي كل من الموردين الآسيويين للغاز الطبيعي والعملاء الأوروبيين، ويشمل هذا التاثير في الوقت الحالي روسيا أكبر وأقوى موردي الغاز الطبيعي في أوروبا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!