ترك برس
في ضوء إخفاق قمة طهران يوم الجمعة الماضي التي جمعت الدول الضامنة لمسار أستانة، في التوصل إلى اتفاق حول مستقبل مدينة إدلب، طرح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومقره في الدوحة، ثلاثة سيناريوهات ممكنة تنتظر المدينة:
الأول: فصل تركي بين المتشددين والمعتدلين
ووفق هذا السيناريو ستنجح تركيا في إنضاج جهودها الرامية إلى الفصل بين المعتدلين والمتشدّدين من الفصائل الموجودة في إدلب، وحل مشكلة المتشددين الذين يضمون عناصر من هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين والجيش الإسلامي التركستاني. وكانت روسيا أمهلت تركيا شهرا لحل هذه المشكلة، حاولت خلالها إقناع هيئة تحرير الشام بحل نفسها، ودمج عناصرها من السوريين مع فصائل المعارضة السورية المعتدلة وترحيل الأجانب. لكن هذه الجهود لم تثمر في ضوء رفض الهيئة هذه المطالب؛ وهو ما حدا بتركيا إلى تصنيفها فصيلا إرهابيا، في مؤشر إلى استعداد أنقرة لمواجهتها عسكريا إذا ظلت مصرة على موقفها.
ورأى المركز أن هذا السيناريو، وإن كان ضعيفا في ضوء إصرار روسيا المعلن على عدم منح تركيا مزيدا من الوقت للاستمرار في جهود عزل المتشددين وتفكيك تنظيماتهم، لتجنيب إدلب مواجهة دموية تدفع بمئات آلاف اللاجئين نحو الحدود التركية، فإن موسكو تبدو مع ذلك حريصة على ألا تفجر عملية أستانا، خصوصا بعد أن هدد الرئيس أردوغان، في قمة طهران، بأن هجوما شاملا على إدلب سوف يؤدي حتما إلى انهيار هذا المسار، فروسيا تحتاج إلى دعم تركيا في أي عملية سياسية محتملة؛ نظرا إلى ما تتمتع به أنقرة من تأثير في فصائل المعارضة السورية، ومن نفوذ كبير على المجتمعات المحلية، خصوصا في شمال سورية.
ثانيا: هجوم محدود
وهو السيناريو الأكثر ترجيحا، ومفادة أن تشن روسيا وحلفاؤها هجوما محدودا في إدلب، لتحقيق مجموعة من الأهداف؛ أبرزها دفع تركيا وائتلاف فصائل المعارضة التي أشرفت على توحيدها تحت اسم "الجبهة الوطنية للتحرير" إلى الدخول في مواجهةٍ مسلحةٍ للقضاء على الجماعات المتشدّدة. وقد تحاول روسيا أيضًا، من خلال عملية عسكرية محدودة، إبعاد فصائل المعارضة أكثر في اتجاه الشمال؛ بحيث تتمكن من تأمين قاعدة حميميم الجوية التي تتعرض، بين الفينة والأخرى، لهجمات بطائرات مسيرة، مصدرها مواقع المعارضة السورية في مناطق تقع في جنوب غرب إدلب.
أما النظام، فقد يسعى أيضا، من خلال عملية عسكرية محدودة ضد أجزاء من محافظة إدلب، للسيطرة على القسم المتبقي من الطريق الدولي بين حلب وإدلب. ويعزز هذا الاحتمال حقيقة أن المعارك التي خاضها النظام ضد فصائل المعارضة على مدى العامين الأخيرين كانت تدور على مسار الطريق الدولي الممتد من الحدود الأردنية جنوبًا إلى حلب شمالًا بطول 450 كيلومترًا تقريبًا. وقد تمكن النظام، من خلال السيطرة على درعا أخيرا، من تأمين الجزء الواصل نحو الحدود الأردنية، بعد أن أمن الجزء المتصل بالغوطة الشرقية، ثم الجزء المارّ بريف حمص الشمالي، ولم يتبقّ له للسيطرة على كامل الطريق سوى الجزء الواصل بين إدلب وحلب، والذي يمر في مناطق خان شيخون، ومعرّة النعمان وسراقب، وهي المناطق التي يتركّز قصف النظام عليها حاليًا.
ثالثا: هجوم شامل
وهذا السيناريو هو الأكثر استبعادا، وفقا للمركز، ومفاده أن تشن روسيا وحلفاؤها هجوما شاملا، يهدف إلى إعادة كامل محافظة إدلب إلى سيطرة النظام، وفرض تسويةٍ على الفصائل الموجودة فيها بقوة النيران، والقضاء على من لا يقبل منها. وقد بدأ النظام بالحشد وإلقاء مناشير يدعو فيها السكان إلى العودة إلى حضن النظام، والمقاتلين إلى إلقاء السلاح بحجة أن الحرب انتهت، وأنه لا خيار أمامهم.
ولكن المركز يستدرك أن هذا الهجوم يبدو ضعيف الاحتمال، في هذه المرحلة على الأقل؛ فالنظام لا يملك قدرات بشرية كافية لشن هجوم شامل على منطقةٍ تقترب مساحتها من مساحة لبنان (نحو 10 آلاف كم مربع)، وفيها، بحسب تقديرات عديدة، ما يراوح بين 60 و70 ألف مقاتل من عناصر المعارضة المجهزين بأسلحة ثقيلة، وممن تمرسوا بالقتال سنوات عديدة، وهم فوق ذلك يعدون من أشرس المقاتلين، وأشدّهم عداء للنظام، وليس أمامهم خيار إلا الموت، بعد أن غدت إدلب ملاذهم الأخير.
وإلى جانب صعوبة المعركة عسكريا، فإن شن معركة شاملة بوجود نحو ثلاثة ملايين مدني تعني حمام دم وموجات نزوح بمستوياتٍ غير مسبوقة في الحرب السورية من جهة أخرى. سيولد هذا الأمر ضغوطا كبيرة على روسيا، ويصيب بمقتل استراتيجيتها الجديدة التي تقوم على إعادة اللاجئين، واستقطاب جهود دولية للقيام بإعادة الإعمار.
وعلاوة على ذلك فإن وجود 12 نقطة مراقبة عسكرية تركية، أنشئت بالاتفاق مع روسيا بموجب اتفاق خفض التصعيد، ودفع تركيا مزيدا من قواتها اتجاه إدلب، يهددان بحصول مواجهاتٍ بين القوات التركية والقوات المهاجمة، وقد يؤدي هذا الأمر إلى إعادة العلاقات التركية - الروسية إلى المربع الأول الذي تلا إسقاط تركيا طائرة روسية على حدودها مع سورية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
وخلص المركز إلى أن شن معركة كبرى في إدلب سيؤدي إلى القضاء على عملية أستانا، وإخراج تركيا ربما نهائيًا من ساحة الصراع السوري، وإنهاء نفوذها فيه. لكن هذا سيجعل الحل السياسي الذي تقوده روسيا غير ممكن أيضا من دون تركيا. كما أن الإفراط في ممارسة الضغوط على تركيا قد يدفع بها مجددا إلى أحضان الولايات المتحدة، على الرغم من أن الرئيس بوتين يراهن على أن هذا غير ممكن بسبب عمق الخلافات بين أنقرة وواشنطن. لكن هذا الأمر قد يتغير، إذا قررت واشنطن استغلال الضغط الروسي على تركيا، لاستعادتها إلى صفها، وإنهاء أي إمكانية لاستمرار التقارب بينها وبين روسيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!