فراس السقال - خاص ترك برس
كلّ منّا يعتزّ ببلده وثقافته وجميع خصائص وطنه وقومه، ويُعتبر هذا في أعرافنا من الوفاء لتقاليدنا، والحفاظ على مورثاتنا. ولكن في حال تحوّل هذا التقليد إلى سلاح فتّاك يقتل ذويه فعندئذ الحفاظ على ذلك الشيء يُعدّ ضرباً من الجنون أو الحماقة أو الظلم.
تصاعدتْ الصيحات في المناطق السورية المحررة، بل تحولتْ إلى دراسات جادّة للعمل على استبدال العملة السورية بعملة أجنبيّة أخرى، لاسيما بعد ذلك التدهور الكبير الذي مُنيتْ به ليرة النظام السوري مُؤخراً، ولأسباب عدّة سردتها في مقالة سابقة. وفي هذه المقالة أدوّن بعض العوامل التي جعلت الخبراء والاقتصاديين والمسؤولين والتجار في الشمال السوري المحرر البحث عن بديل جيد وعملة مستقرة ذات رصيد.
تدهور ليرة النظام السوري
إلى متى يتحمّل شعبنا السوري تلك الأوضاع الاقتصادية المزرية؟ فالمواطن اليوم إذا أراد شراء طبخة فعليه أن يجرّ ورائه شوال نقود (هذا إن وُجدتْ)، فالدولار اليوم بحيطان900 ليرة تقريباً، فبالإضافة إلى القصف والتشرد والفقر والظلم زاد في هموم شعبنا تردّي أحوال تلك الليرة، التي لم يَعد لها أيّ قيمة تُذكر، وكما ورد في بعض أسواق دمشق أنّ رزمة الفجل ذات الخمس فجلات بـ500 ليرة سورية، فقال الزبون: يعني الآن الفجلة الواحدة بمئة ليرة؟ فردّ عليه البائع: لا، بل المئة ليرة تساوي فجلة.
فهل على شعبنا أن يبقى مكتوف اليدين، ودون أدنى تفكير بحلّ جديد؟! وهل موروثنا الوطني (إن ثبتتْ وطنيّته) يدعونا لتجميد عقولنا، وتزييف واقعنا، وتدمير مستقبلنا؟! أم علينا أن نخرج من ذلك القمقم الذي وضعنا أنفسنا فيه؟!
الشعب يُقتل بالعملة التي يتداولها
لقد انقلبتْ ليرتنا التي راح يقدّسها البعض من أبناء سوريّة إلى سلاح فتّاك، يدمّر بلادنا ويقتل أبنائنا، فكلّ ليرة يقوم شعبنا برفع قيمتها بتداولها تتحول إلى رصاصة قاتلة تخترق صدر أبنائه، أو برميل يدمّر حيّاً بأكمله، أو تُستبدل بالعملة الأجنبية ثم يُهرّبها أعوان النظام وأقاربه خارجاً في حساباتهم، وما ذلك التمادي في الإجرام إلا من خلالنا نحن، فعندما يتصلّب فكرنا برضى منّا ونسمح بما يفرضه علينا جزّارنا، عندها نتحوّل إلى شركاء في قتل أنفسنا وتدمير بلادنا وتاريخنا، فآن لشعبنا أن يقف قائلاً : لا لتمويل القاتل ولا لدعم سلاحه ولا لترويج عُملَته الفاشلة.
الليرة تُطيل حياة المجرم
إنّ الاقتصاد من العوامل المهمّة اللاعبة في سياسة البلاد، فالاقتصاد الجيّد يدلّ على نجاح نظام الحاكم فيها، وكذلك تدهوره دليل على فشل إدارته. وبالتالي فأنّ دعم الليرة السورية هو تعمّدٌ سافِر في إطالة عمر المجرم السفّاح في سورية، ومن الضروري اليوم الوفاء لأرواح شهداء سورية ومُعتقليها ومُشرديها ومُهجريها الذين نكّلَ بهم الأسد وزبانيته، في الوقوف في وجه كلّ من يريد دعم عملة هذا السفّاح، التي أُعطيت مئات الجرعات من الإنعاش من قِبل عدو الشعب السوري الروسي والإيراني وغيرهما، لعلمهم بأنّ انهيار العملة أمارة كبرى من أمارات سقوط الأسد.
الأسد يستفز الشعب السوري
بعد مليون شهيد ومثله من المعتقلين، وتهجير نصف الشعب، وتدمير بلد كامل، مازال المجرم ماضٍ في إجرامه، وفوق ذلك يقوم بعض السوريين المظلومين مجبرين بالتعامل بنقود هذا النظام، التي غدتْ دفتراً لعائلة الأسد، فلا تخلو ورقة نقديّة إلّا ويمسخها بصورته وصورة ووالده عليها، وهذا ما يُعدّ استفزازاً واضحاً بحقّ الشعب السوري المكلوم، فوالد الشهيد وكذلك اليتيم والأرملة والمشرّد كلّ منهم يتصبّح ويتمسّى على صور القاتل في عُملاتهم؟!
وأعتقد جازماً أنّ العملة الحاليّة المتداولة اليوم في سورية (عُملة النظام) ليس لها أيّ علاقة بوطننا الحبيب سورية، ولا بثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا، فالعُملة التي يَدّعي النظام وطنيتها أضحتْ ألبوماً لآل الأسد وخاصة بأذنابه، أمّا العُملة السوريّة الحقيقيّة المعصومة من رسوم المجرمين فقد انقرضتْ على يد بشار ووالده.
العملة الرائجة والمقبولة في الشمال السوري
إنّ تركيا اليوم بعد عمليّات "غصن الزيتون، ودرع الفرات، ونبع السلام" تبذل جهدها مشكورة في إعادة بناء وترميم البنى التحتيّة في المنطقة، وتدعم القائمين فيها بالإعانات والمعاشات، وهناك أكثر من ستين ألف موظف سوري في الشمال يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية، لاسيما أنّ العملة التركية مستقرة بالنسبة للمتهالكة عملة النظام السوري، فكثير من سكان تلك المنطقة يرغبون بالتعامل بالليرة التركية نظراً لتداولها الجيد لديهم، وكذلك تقوم الحكومة المؤقتة بالعمل على هذا الأمر بشكل رسمي، فقد درستْ كيفيّة تبديل عملة النظام السوري "بالدولار الأمريكي والليرة التركية" وإيقاف التعامل بعملة النظام بشكل تدريجي ووضعت خطة لذلك.
وأقول لشعبنا العظيم: علينا اليوم ألا نسمح لأحد اللعب بعواطفنا ومحبتنا لوطننا، فحربنا مازالت قائمة، والسفاح لم يُوفّر أداة إلا واستعملها في إنهائنا وتدميرنا، وواجبنا التحرر من كافة الشعارات الزائفة التي يعزفها النظام المجرم، كتخويننا إن تركنا بدلنا عُملته البائسة، بينما نراه يرمي باقتصاد البلاد إلى حتوف ومهالك جمّة، ويبيع وطننا وبلادنا لجميع قوى الاحتلال ودول الاستعمار، فخلاصنا اليوم في إسقاطه ورموزه، عبر إضعاف اقتصاده الذي يقتلنا به، وأرى ألّا نتردد لحظة في أيّ طريقة تؤدي إلى هدفنا، ومن تلك الطرق التعامل بأيّ عُملة تزيد في قوتنا، وتدعم اقتصادنا، وتلبّي حاجاتنا، وتذلّ عدونا، فالحرب ليست بأسلحة البارود والصواريخ فحسب، بل بكلّ سلاح مُتاح، ومعركتنا اليوم في تحريرنا من قيد اقتصاد الأسد وإضعافه، فانهيار اقتصاده علامة من علامات التخلي عنه دولياً ومحلّياً، فعلينا ألا نفوّت فرصة الإيقاع بالمجرم وضربه في مقتله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس