ترك برس
أشار مقال في صحيفة العربي الجديد للكاتب شريف عثمان إلى إن الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية ستؤدي في المستقبل القريب إلى استعادة قوة الليرة بما يتناسب مع قوة الاقتصاد في البلاد.
ورأى الكاتب أن الضغوط تزاحمت خلال الفترة الأخيرة ومنذ بداية العام الماضي على الليرة التركية، رغم الإنجازات الاقتصادية الكبيرة التي يعرفها البعيد قبل القريب، حتى أن سعرها مقابل الدولار انخفض لأدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية في العقد الأول من الألفية خلال العام الماضي، ثم ليستمر انخفاضه، وصولاً إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العملة في آخر شهرين.
وأوضح أنه رغم وجود بعض الصعوبات التي تعرض لها ميزان المدفوعات التركي خلال عام الجائحة، حيث فقد مليارات الدولارات من دخل السياحة التي توقفت تماماً أغلب فترات العام الماضي، ولم تتمكن حتى الآن من استعادة رونقها، بفعل أوامر الإغلاق الكبير والقيود التي فرضت على السفر للحد من انتشار فيروس كوفيد-19، إلا أنه كان واضحاً في أغلب فترات تلك المحنة وجود أيادٍ قذرة تعمل على إضعاف العملة التركية، كوسيلة للضغط السياسي على الدولة الناشئة التي بدت لوهلة كقوة إقليمية دولية في منطقة تعد من الأقل استقراراً حول العالم.
وقبل عامٍ تقريباً، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" العالمية في تقرير لها أن هيئة الرقابة على المصارف التركية حظرت على البنوك المحلية التعامل مع ثلاثة بنوك دولية، هي الأميركي "سيتي غروب" والسويسري "يو بي إس غروب" والفرنسي "بي إن بي باريبا"، في ضوء الاتهامات الموجهة لهذه البنوك بالمشاركة في إضعاف متعمد لقيمة العملة التركية، ليفرض البنك المركزي التركي مجموعة جديدة صارمة من التعليمات، نجح من خلالها في إيقاف انهيار الليرة، قبل أن تتجدد الضغوط عليها في العام 2021.
ويرى الكاتب أن القيمة الحالية لليرة، وتحركات سعرها خلال أكثر من عامٍ ونصف لا تتناسب مع ما نراه من تطورات إيجابية وأفكار رائعة للدفاع عن العملة التركية، دون الاضطرار للانحراف عن نظام سوق سعر الصرف الحر الذي ارتضاه البنك المركزي التركي لنفسه، ودعمته القيادة السياسية. وخلال رحلة طيران من واشنطن إلى القاهرة على الخطوط التركية، لاحظت لوحة رائعة من التعاون بين كافة الجهات التركية المعنية في مهمة انتحارية تستهدف إنقاذ العملة والشعب والاقتصاد وربما النظام.
وتابع المقال: كان واضحاً من أول لحظة إدراك الحكومة التركية لخطورة أزمة الليرة على البلاد، واقتناعها بأن العبء لا يمكن أن يتحمله البنك المركزي التركي وحده، حيث يتعين على العديد من الوزارات لعب دور للمساهمة في إصلاح العجز في ميزان المدفوعات بالبلاد، وبالتالي تقليل الضغوط التي تتعرض لها العملة.
كانت البداية عند تصفحي مواقع السفر لحجز التذكرة، آخذا في اعتباري اختيار أفضل توليفة من سعر التذكرة وعدد ساعات الطيران والترانزيت، كما موعد الإقلاع ثم الوصول إلى الجهة النهائية، ذهاباً وإياباً، لتتفوق الرحلة المعروضة على الخطوط التركية، بصورة لا تدع مجالاً للتردد.
بعد ذلك، كانت الخدمة رائعة من طاقم الطائرة، وحسن المعاملة، كما الوجبات الشهية المتكررة طوال فترة الرحلة، التي لم ينس المسؤولون عن تنظيمها تجهيز وجبات للصائمين يمكنهم الحصول عليها في علب مغلقة، لتناولها عند الإفطار بعد الوصول إلى بلادهم، ولو لم يفعلوا، لما لامهم أحدٌ.
وطوال فترة الرحلة، وبغرض العمل على استعادة السائحين الذين غابوا بفعل أزمة الجائحة، يتم عرض الأماكن السياحية الجميلة في المدن التركية المختلفة على الشاشات الموجودة أمامنا، بصورة تجبر أغلب المشاهدين على وضع تركيا ضمن قائمة البلاد التي ينوون زيارتها في المستقبل، إن لم يكن على رأس تلك القائمة.
وعند الوصول إلى مطار إسطنبول، يدهشك عدد الطائرات الهابطة للترانزيت، وآلاف المسافرين الذين يتفقدون في سلاسة وجهتهم التالية، والكيفية التي تدير بها السلطات التركية الطوابير الطويلة المتحركة باتجاه الرحلات المتوجهة إلى القاهرة وجدة والرياض والدمام ودبي وأبوظبي والخرطوم وتل أبيب وغيرها، مع تفتيش في منتهى الدقة وبمنتهى الأدب ودون أي إزعاج للمسافرين، الذين فتحت لهم أكثر من عشرة أبواب في نفس اللحظة التي بدأت فيها طوابير المسافرين في التوافد على تلك الأبواب.
وعند توجهك إلى بوابات السفر، تمر لا محالة عبر واحدةٍ من أضخم الأسواق الحرة في العالم وأكثرها تنوعاً، لتجد أشهر الماركات الأميركية والأوروبية من الملابس والعطور والساعات والجواهر والأطعمة، بأسعارها المُبالغ فيها، وبجوارها البديل التركي الذي لا يقل كفاءة في أغلب الأحيان، بينما يوفر للسائح ما يتجاوز نصف ما كان سيتحمله لو اشترى المنتج الأميركي أو الأوروبي. ولم يكن عجيباً أن تلحظ مئات المسافرين من الجنسيات المختلفة، وقد اصطفوا ببضائعهم للدفع مقابل ما يشترونه، وكأنهم يتسابقون لمساعدة الليرة التركية على التصدي لجهود إغراقها على أيدي مضاربي العملات.
أدركت الحكومة التركية أن الوقوف بجوار البنك المركزي في دفاعه عن العملة هو واجب الوقت، فلم تتركه يفرض القيود على شراء العملات الأجنبية ويكسب الوقت من خلال اقتراض ما يتعين سداده من قروض سابقة، كما يفعل بعض البنوك المركزية التي تعرضت وما زالت لنفس الظروف.
سارعت وزارة السياحة إلى تسخير جهودها لزيادة حملات الدعاية الهادفة لاستقطاب السائحين، وبذلت شركة الطيران والقائمون عليها جهوداً رائعة لتخفيض تكلفة التذكرة، وتقديم خدمة رائعة لدفع المسافرين لتكرار رحلتهم على الخطوط التركية، وتكاتفت جهود المُصَنعين لوضع البديل التركي بجوار المنتج المستورد أمام أعين المسافرين في محاولة لتخفيف حدة أزمة عجز ميزان المدفوعات وتقليص الضغوط على العملة.
لم تتمكن الحكومة التركية حتى هذه اللحظة من حل أزمة عملتها، وما زال سعر العملة قريباً من أدنى مستوياته على الإطلاق، إلا أن عثورها على مفتاح حل الأزمة، المتمثل في كبح جماح طلبات شراء العملات الأجنبية، وتخفيض عجز الميزان التجاري، والتنسيق بين الجهات المختلفة بالصورة التي تزيد من الطلب على الخدمات والمنتجات التركية، مع الضرب بيد من حديد على كل من يتآمر على العملة التركية، سيؤدي في المستقبل القريب جداً إلى إعطاء صفعة كبيرة لكل من تآمر عليها، واستعادة الليرة قوتها التي تتناسب مع قوة اقتصادها، حاضراً ومستقبلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!