ترك برس
رأى الكاتب الصحفي التركي يحيى بستان، أن تصريحات وزير الخارجية هاكان فيدان في الآونة الأخيرة تشير إلى أن أنقرة تستعدّ لاتخاذ خطوات جديدة في بعض الملفات الدبلوماسية الحاسمة.
وأشار بستان إلى وجود تحركات دبلوماسية نشطة تعمل عليها تركيا في الوقت الراهن، مستعرضا في مقال له بصحيفة يني شفق ثلاث نقاط رئيسية حول هذه التحركات.
وبحسب الكاتب، أثارت مقالة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، في مجلة "فورين أفيرز" جدلًا واسعًا، حيث تضمن تحليله للوضع في الشرق الأوسط عبارة "لم أرَ الشرق الأوسط بهذا التعقيد من قبل".
لكن المقالة تضمنت أيضاً تفصيلاً مهماً تم تجاهله، حيث قال بيرنز: "انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة بشكل قاطع بغزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022".
وبالتالي يُعلن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية رسميًا عن انهيار النظام أحادي القطبية. ويؤكد على انتهاء حقبة ما، لكنه لا يُحدد طبيعة الحقبة الجديدة التي بدأت. إنها حقبة جديدة لم تُسمّ بعد، تتميز بخصائص مثل تعدد الأقطاب، والتجزؤ، والانتقالية، والتحالفات القائمة على المصالح. ما زالت المؤسسات والقواعد والإطار العام لهذه الحقبة الجديدة غير واضحة. لذلك تُعد هذه الحقبة هيكلًا فوضويًا يحمل في طياته إمكانيات كبيرة لخلق الصراعات والتوتر. وفق بستان.
وقال بستان إن الحرب في أوكرانيا والأزمة الإقليمية الناجمة عن إسرائيل كانت أول اختبارين كبيرين للحقبة الجديدة. ويكشف نهج الدولة التركية مع هاتين الأزمتين عن مؤشرات مهمة حول الاستراتيجية التي ستتبعها أنقرة في المستقبل. فعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، قاومت أنقرة الضغوطات للانضمام إلى "المعسكر الغربي" ووضعت خطتها الخاصة. وحافظت على حوارها مع كل من أوكرانيا وروسيا، وجنت ثمار هذا النهج الهادئ طويل المدى. وجاءت هذه الخطوة كرسالة واضحة مفادها "لن ألتزم بأي معسكر بشكل أعمى".
وأضاف: كان نهج الدبلوماسية التركية تجاه الأزمة في غزة نموذجاً فريدًا ومُحددًا، فمنذ اليوم الأول قامت أنقرة بتحليل المشكلة وتحديد خارطة طريق لحلها. وقد لعبت المطالب التي طرحتها، مثل وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإيجاد حلّ الدولتين للوصول إلى السلام، ونظام الضمانات، ومبادرات مجموعة الاتصال، دورًا رئيسيًا في توجيه مسار العملية.
وتابع الكاتب: في مقال سابق لي بعنوان "ملاحظات من زيارة بلينكن (يناير 2024)" ، ذكرت أن وصول العالم العربي -وحتى الولايات المتحدة- إلى نقطة تأييد حلّ الدولتين في ظلّ الظروف الراهنة وفرضه كشرط أساسي، يُعدّ مؤشرًا هامًا. ويُعزّز ذلك طلب حركة حماس من بعض الدول، بما في ذلك تركيا، أن تكون ضامنة للسلام.
كما أنّ رغبة الأمريكيين في أن تلعب مجموعة الاتصال التي تأسست بمبادرة من تركيا دورًا "فاعلًا" في غزة يُعدّ مؤشرًا آخر على تغيّر مسار الأمور. وعلى الرغم من الهجمات الوحشية التي شنّها نتنياهو، تُشير هذه التطورات إلى أن مسار الأحداث يسير في الاتجاه الذي أشارت إليه أنقرة منذ البداية. وهذا يثبت قدرة الدولة التركية على تحليل الأحداث ووضع السياسات الفعّالة.
الآن حان الوقت للحديث عن النقاط الثلاث الرئيسية:
أولاً: العمل الجديد على ممر الحبوب. لم يكشف وزير الخارجية "هاكان فيدان" عن تفاصيل في مقابلته مع "مراد أكغون" بقناة "أهابر". لكنه تحدث عن آلية مختلفة. لقد سألت مصادري عن هذه الآلية الجديدة، وإليكم ملخص ما قالوه: فتحت أوكرانيا طريقًا جديدًا لحلّ مشكلة الحبوب. حيث يتم نقل الحبوب عبر سواحل رومانيا وبلغاريا إلى المضائق التركية. لكن هذا الحلّ لا يُعالج المشكلة بشكل كامل (فكمية الحبوب التي يتم نقلها عبر هذا الطريق تُمثل ثلث الكمية التي يتم نقلها عبر ممر الحبوب). بالإضافة إلى ذلك لا يمكن التأمين على هذه السفن، مما يزيد من التكاليف بشكل كبير. وستكون الآلية الجديدة خطوة لمعالجة مخاوف الأمم المتحدة وشركات التأمين. ولا تزال الأعمال جارية على المستوى التقني.
نموذج الاتحاد الأوروبي للدول التركية
الموضوع الثاني يتعلق بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. تُثير تصريحات وزير الخارجية "هاكان فيدان" اهتمامًا كبيرًا، حيث قال: "لسنا في وضع يسمح لنا بانتظار قبول عضويتنا في الاتحاد الأوروبي أو رفضها. علينا البحث عن بدائل أخرى ورحلات تاريخية أخرى". لا نفهم بالضبط ما الذي قصده فيدان بهذه التصريحات، لكن يمكننا استخلاص بعض النتائج: كما ذكرت آنفاً تعمل تركيا على تنويع خيارات تحالفها بما يتناسب مع النظام العالمي الجديد الذي لم يتم تسميته بعد. ويُعد نموذج العلاقات الذي تم تطويره مع العالم التركي ذا أهمية كبيرة في هذا السياق. وسيكتسب أهمية أكبر في المستقبل.
كشف مصدرٌ موثوقٌ لي مؤخرًا عن الهدف الغير معلن لـ"منظمة الدول التركية" التي تأسست عام 2021، ألا وهو الوصول إلى "اتحاد الدول التركية". يُمثل هذا الاتحاد نموذجًا مشابهًا للاتحاد الأوروبي بالنسبة للدول التركية، فقد انطلق الاتحاد الأوروبي بهدف تشكيل اتحاد يعتمد على الأمن المشترك والسياسة الخارجية والاقتصاد المشترك. لكنّه تحوّل مع مرور الوقت إلى مشروعٍ للرفاهية يعتمد بشكلٍ أساسي على الاقتصاد، ويفتقر إلى رؤية مشتركة في مجالي السياسة الخارجية والأمن.
في المقابل، تسعى "منظمة الدول التركية" إلى التطور من خلال آلياتها الثقافية الحالية لتشكيل اتحادٍ أقوى يشمل مجالاتٍ سياسية واقتصادية وأمنية. ويأتي تأسيس "الصندوق التركي" في إطار هذا السعي، كما أنّ أهدافًا أخرى من بينها إزالة التأشيرات والاتحاد الجمركي. ويُشار إلى أنّ موضوع توحيد الأبجدية يُطرح بقوة، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمام هذا الهدف. ويبدو أن انتصار كاراباخ وحرب أوكرانيا قد ساعدت في تسريع العملية.
قضية "البريكس" على أجندة تركيا
من بين القضايا التي يمكن أن تأخذ زمام الأمور في الأجندة التركية بعد تصريحات وزير الخارجية "هاكان فيدان" هي قضية مجموعة "البريكس"، فقد كتبت سابقًا في مقال ("رحلة تركيا إلى بريكس" في سبتمبر 2023) عن توقعات مسؤولي "بريكس" بانضمام تركيا إلى المنظمة عام 2022. ولكن لم يصدر أي تعليق رسمي من أنقرة حول هذا الموضوع حتى الآن. انتقلت رئاسة مجموعة البريكس إلى روسيا في 1 يناير/كانون الثاني. وأعتقد أن الجانب الروسي قد يُثير هذا الموضوع خلال زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى تركيا.
بالطبع لا بد أن نؤكد على أن تنويع خيارات التحالف التركية لا يعني ربط نفسها بمعسكر معين أو الانتقال من قطب إلى آخر أو تغيير أولوياتها الاستراتيجية. فكما ذكرت في البداية في النظام الجديد الذي لم يتم تسميته بعد، تكون التحالفات انتقالية ومتعددة الأوجه. وعلى سبيل المثال وافقت الولايات المتحدة على شراء الهند، وهي عضو في البريكس، نظام الدفاع الجوي S-400. كما تستعد الولايات المتحدة لإبرام اتفاقية نووية مع المملكة العربية السعودية، وهي عضو آخر في البريكس، تشمل تخصيب اليورانيوم.
ركزت ثالث نقاط "فيدان" على العلاقات مع اليونان. حيث قال وزير الخارجية: "يمكن مناقشة قضايا التسلح، بما في ذلك وضع جزر بحر إيجة، وتحديد المجال الجوي من منظور جديد. لا زلنا نواصل البحث."
هذا تصريح لافت للنظر. لقد تواصلتُ مع مصادري للحصول على مزيد من التفاصيل، ولم أحصل على أي معلومات حتى الآن. ولكني سأستمر في البحث.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!