ترك برس
تناول تقرير لموقع الحرة الإخباري التوجهات الحالية نحو توقيع اتفاقية تجارة حرة بين دول الخليج وتركيا، وكيف أن هذه الاتفاقية قد تكون نقطة تحول هامة في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من وجود خلافات سابقة بينهما، إلا أن هذه الاتفاقية قد تسهم في تجاوز العقبات وتعزيز التعاون بين الخليج وتركيا في مختلف المجالات الاقتصادية.
وقال الموقع إن العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون تحولا جديدا؛ فبعد أعوام من إصلاح العلاقات السياسية التي كانت متوترة، عادت دول الخليج وأنقرة إلى طاولة المفاوضات بغية توقيع اتفاقية تجارة حرة كان يجري الحديث بشأنها منذ فترة طويلة.
وانطلقت في نهاية يوليو الماضي أولى جولات المفاوضات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن توقيع اتفاقية تجارة حرة.
ومن المتوقع أن تستكمل الجولة الثانية قبل نهاية 2024، وفق وكالة "الأناضول" التركية، التي تقول إن تنفيذ الاتفاقية الجاري التفاوض بشأنها يتيح إنشاء "واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم".
وبحسب الوكالة، فإن "أنقرة تهدف إلى زيادة صادراتها من السلع في العديد من القطاعات على رأسها الزراعة والتكنولوجيا والمنتجات الصناعية. بينما تهدف دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاستثمار في قطاعات الأغذية والخدمات اللوجستية والنقل والأدوية وإدارة المستشفيات والبنية التحتية والتكنولوجيا".
"طي صفحة الخلافات"
واستعادت دول مجلس التعاون علاقاتها بشكل كبير مع تركيا خلال العام الماضي، في أعقاب كارثة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص جنوبي البلاد، وإعادة انتخاب رجب طيب إردوغان لولاية جديدة، بعد أعوام من التوترات جراء دعم كل جانب طرف نقيض في نزاعات إقليمية، بالإضافة إلى أسباب ثنائية أخرى بين هذه البلدان.
ويعتبر المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن الاتجاه نحو توقيع اتفاقية تجارة حرة يؤكد على التطور الكبير في العلاقات بين تركيا ودول الخليج، ويترجم جهودا بذلت بين الجانبين لطي صفحة الخلافات السياسية وتعزيز التعاون بمختلف المجالات.
ويقول آل عاتي لموقع "الحرة" إن الاتفاقية تفتح مرحلة جديدة من التعاون بين الجانبين وتسهم في خلق علاقات سياسية متينة قائمة على التكامل واستدامة التنسيق ودفعها لآفاق أرحب من الثقة.
ويتفق مع هذا الرأي المحلل السياسي ومدير معهد إسطنبول للفكر، بكير أتاجان، قائلا إن علاقة تركيا بدول مجلس التعاون الخليجي لطالما كانت جيدة بالرغم من فتورها من حين إلى آخر بسبب عوامل داخلية وخارجية عديدة.
ولهذا ليس من الأمر المستغرب أن تسعى تركيا إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج، وفق حديث أتاجان لموقع "الحرة"، مشيرا إلى أن "العلاقة التجارية بين تركيا والدول الخليجية ستتوج بالمزيد من الزخم في مختلف القطاعات الأخرى".
وخلال العام الماضي، أجرى الرئيس التركي جولة خليجية شملت السعودية وقطر والإمارات، حيث توصل خلالها إلى اتفاقات استثمارية ضخمة وسط أزمة اقتصادية طاحنة كانت تعاني منها أنقرة خلال ذلك الوقت، أدت إلى انخفاض الليرة إلى مستويات قياسية أمام الدولار الأميركي.
ووقع إردوغان خلال زيارته إلى الإمارات مذكرات واتفاقيات استراتيجية لتعزيز تعاونهما الاقتصادي والاستثماري، بقيمة بلغت 50.7 مليار دولار، وفق وكالة أنباء الإمارات الرسمية "وام".
وسبق ذلك في مارس 2023 إيداع السعودية نحو 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي التركي.
كما قامت الرياض في وقت لاحق من ذات العام، بتوقيع الخطة التنفيذية للتعاون الدفاعي بين البلدين، وعقدي استحواذ بين وزارة الدفاع بالمملكة وشركة "بايكار" التركية للصناعات الدفاعية، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
"زخم اقتصادي وسياسي وعسكري"
ويعتبر "المجلس الأطلسي"، وهو مجموعة بحثية غير حزبية مقرها واشنطن العاصمة، في تقرير نشر قبل عام تقريبا أن "السبب الرئيسي وراء اهتمام تركيا المتجدد بتعزيز العلاقات مع دول الخليج هو جذب تدفقات رأس المال والحفاظ على إرث إردوغان كزعيم حقق النمو الاقتصادي على مدى العقدين الماضيين".
ويضيف التقرير الذي جاء في أعقاب جولة إردوغان الخليجية: "تسعى دول الخليج أيضا إلى تعزيز وجودها في تركيا، حيث تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على 7.1 بالمئة من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2020، ومن المرجح أن يتضاعف على مدى السنوات القليلة المقبلة من خلال الاستثمارات التي تعطي الأولوية لقطاعات الطاقة والدفاع والتمويل والتجزئة والنقل".
ويشير "المجلس الأطلسي"، إلى أن "من المحتمل أن يسهم التصنيع الدفاعي المشترك بين تركيا ودول الخليج، بما في ذلك صناعة طائرات بيكار دون طيار من طراز بيرقيدار أكينجي وتي بي 2، في تطوير هذه العلاقة إلى ما هو أبعد من المجال الاقتصادي".
ويؤكد المحللون خلال حديثهم ذلك، إذ يقول أتاجان: "يمكن القول إن تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية سيعزز بالتبعية العلاقات السياسية والعسكرية أيضا بشكل كبير".
ويقول آل عاتي، من جهته، إن "الاقتصاد يمثل درعا للعلاقات السياسية وجاذبا لها وصانعا لمستقبل من التعاون لتحقيق مصالح دول وشعوب منطقة الخليج وتركيا وينقل اقتصاداتهم إلى مرحلة من التأثير الدولي والنفوذ السياسي في ظل ظروف حساسة وخادعة يشهدها العالم وتخشاها منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر منطقة حيوية وذات تأثير جيوسياسي عالمي".
وخلال أكثر من عقد، نما التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وتركيا بمعدلات ملحوظة، إذ بلغ خلال عام 2023 نحو 31.5 مليار دولار، وفق وكالة "الأناضول"، من مستوى 2.1 مليار دولار في عام 2002، بحسب تقارير إعلامية سابقة.
بدوره، يرى رجل الأعمال التركي والعضو بحزب "العدالة والتنمية"، يوسف كاتب أوغلو، أن "التعاون التجاري مع دول الخليج يحمل أهمية قصوى، حيث يتمثل الهدف في إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم".
ويقول لموقع "الحرة" إن "حجم التجارة بين تركيا ودول الخليج بلغ 31.5 مليار دولار بنهاية عام 2023، وتهدف تركيا إلى زيادة هذا الرقم بنسبة 50 بالمئة على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة".
ويضيف أوغلو: "بدأت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون منذ عام 2005 وتوقفت في 2010، لكنها عادت الآن لتكون شاملة ومحددة بشكل واسع، مما سيوفر فرصا كبيرة للتنمية والتنوع الاقتصادي، الذي سيساهم في دعم الاقتصاد التركي والتغلب على تحديات مثل سعر صرف الليرة والتضخم المرتفع".
ومنذ مايو 2023، فقدت الليرة التركية نحو 68 بالمئة من قيمتها لتصل إلى نحو 33.6 ليرة للدولار الواحد مقابل 19.9 ليرة قبل عام، فيما وصل التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت 80 بالمئة قبل أن يتراجع طفيفا هذا العام ويسجل 61.78 بالمئة خلال يوليو الماضي، وفق البنك المركزي التركي.
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي الإماراتي، نايل الجوابرة، لموقع "الحرة" إن "اتفاقية التجارة الحرة هامة جدا لكلا الطرفين، حيث سيشهد التبادل التجاري وكذلك الاستثمارات تطورا ملحوظا بعدما كان هناك جمود في الفترات الماضية، خاصة قبل عام 2020".
من سيستفيد أكثر؟
وتمتلك دول الخليج استثمارات كبيرة في تركيا تُقدر بنحو 15.8 مليار دولار حتى عام 2022، وفق "المجلس الأطلسي"، فيما تسعى أنقرة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الخليجية في مشاريع البنية التحتية العملاقة، حسبما نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن أحمد بوراك داغلي أوغلو، وهو رئيس مكتب الاستثمار الحكومي، في تصريحات تعود لشهر يناير الماضي.
ولدى دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيتان فقط للتجارة الحرة مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى، الأولى مع سنغافورة دخلت حيز التنفيذ في عام 2013، والثانية مع دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية (إفتا) ودخلت حيز التنفيذ عام 2014.
وتشير تقارير إعلامية عدة إلى اتفاقية تجارة حرة مرتقبة بين مجلس التعاون الخليجي والصين بعد أن انطلقت مفاوضات في هذا الشأن منذ عام 2004.
وعادة ما تستغرق مفاوضات الوصول إلى صيغة توافقية بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الدول سنوات عدة. لكن مع ذلك، يرى المحللون الأتراك أن هناك فرصة لتوقيع الاتفاقية بين أنقرة ودول مجلس التعاون خلال المستقبل القريب.
ويقول أتاجان خلال حديثه إنه من المتوقع الوصول إلى صيغة توافقية بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا فيما يتعلق بالاتفاقية خلال وقت قريبة، لأن المناقشات بدأت منذ سنوات وليست وليدة اللحظة.
ويضيف: "نعم لا تزال هناك مفاوضات بين الأطراف وستستمر بعض الوقت، لكن إبرام الاتفاق قد يتم في القريب، خصوصا أن المرحلة الأولى من الاتفاقية قد لا تشمل جميع القطاعات التجارية والصناعية، وسيتم تخصيصها وفقا لما يرى الطرفين، على أن يتم توسيع الاتفاقية في المستقبل".
من جانبه، يقول رجل الأعمال التركي إن "الأهداف المرجوة من هذه المفاوضات هو إلغاء الجمارك وتشجيع التدفقات التجارية بين الجانبين وزيادة الاستثمارات المباشرة، خاصة في مجالات الطاقة والبيئة والمياه والصناعة والثروة المعدنية والغذاء والدواء".
ويجمع خبراء ومحللون على أن "اتفاقيات التجارة الحرة عادة ما تحقق الربح لجميع الأطراف، خصوصا أن المفاوضات تتضمن الوصول إلى صيغة توافقية من أجل ذلك الأمر".
وفي هذا الإطار، يقول الجوابرة إن توقيع مثل هذه الاتفاقيات سيكون مكسبا كبيرا لمختلف الأطراف على المستويين التجاري والاستثماري.
من جانبه، يرى أتاجان أنه "لا يجب وضع الاتفاقية في ميزان الربح والخسارة، حيث إن الربح والاستفادة ستكون لمختلف الأطراف والجميع رابح بشكل منصف".
ويؤكد هذا الشيء، تقرير "المجلس الأطلسي"، الذي يقول إن "التدفق الهائل من الاستثمارات الجديدة إلى تركيا يظهر أن دول الخليج وأنقرة ينظرون إلى بعضهم البعض باعتبارهم شركاء يحققون فوائد متبادلة".
ويرى أوغلو أن بلاده "تهدف من خلال هذه الاتفاقية إلى تحقيق معادلة الكل رابح، حيث ستستفيد دول مجلس التعاون الخليجي أيضا من هذه الاتفاقية".
ويضيف: "هذه الاتفاقية ستعطي ميزات تفضيلية ليس فقط للمنتجات التركية؛ بل أيضا للمواد الأولية والمنتجات من دول مجلس التعاون الخليجي، مثل البتروكيماويات والألمنيوم والخدمات اللوجستية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!