د. ياسر سعد الدين - الجزيرة
التحالف بين حزب الله والنظام السوري معلن ووثيق، حيث دعمت سوريا حزب الله سياسيًا وإعلاميًا لأكثر من عقدين. ورغم أن سوريا أدانت الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، إلا أنها تجاهلت التعليق على اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شُكر، مما أثار استغرابًا، إذ تعاملت مع الحدث ببرود واضح. مرّت حادثة الاغتيال – التي هزت حزب الله بحدة وعمق – مرور الكرام، حتى من غير تنديدٍ لفظي ولو شكليًا، ولا حتى رسالة عزاء. هذا ما يمكن رصده في موقع وكالة الأنباء السورية (سانا) التي أوردت الخبر.
وبالرغم من أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران كان حدثًا بالغ الأهمية، وربما يشكل انعطافًا كبيرًا في مجريات الأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة المفتوحة على احتمالات لا تُستثنى منها الحرب واسعة النطاق، فإن النظام السوري تعامل معها أيضًا ببرود ملحوظ.
فقد أصدرت الخارجية السورية بيان إدانة ركز على الحديث عن انتهاك السيادة الإيرانية أكثر من التركيز على استشهاد هنية، والذي ذُكر في البيان مرة واحدة يتيمة. بل إن البيان وضع ما أسماه بـ"العمل الدنيء" في سياق سلسلة اعتداءات إسرائيلية على مواقع عديدة في المنطقة، بما فيها الجولان السوري المحتل ولبنان والعراق، ليصنف هذا الحدث الاستثنائي ضمن أحداث أصبحت روتينية من كثرة تكرارها، وفي ذلك ما يوحي بتحجيم للحدث وتقليل من شأنه.
الأمر المثير للاستغراب أيضًا، هو أن الحكومة السورية تتعامل مع الهجمات الإسرائيلية على سوريا وانتهاكاتها الجسيمة لسيادتها وكأنها تجري في بلد آخر! فبيان الخارجية بشأن الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق قال: "بتاريخ 1 أبريل/نيسان، قامت إسرائيل بشن عدوان على السفارة الإيرانية بدمشق، وأسفر عن مقتل سوريين وإيرانيين كانوا موجودين بحكم عملهم في القنصلية التابعة للسفارة". وأضاف أنه "ردًا على ذلك العدوان، قامت إيران بسلسلة من الضربات على أهداف عسكرية إسرائيلية. وقد جاءت هذه الضربات في إطار حقها في الدفاع عن النفس، وبالاتساق مع ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة". وأعرب البيان عن تضامن سوريا مع إيران، مجددًا إدانة إسرائيل لمهاجمتها السفارة الإيرانية بدمشق وجميع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وبشكل خاص المنشآت المدنية.. فاكتفى بالإدانة، وكأن هذه الاعتداءات حصلت في بلد آخر!
كان الأسد الأب، ومن بعده الابن، قد بنيا شرعية حكمهما على تبنيهما الإعلامي والسياسي لقضية فلسطين، لكنهما بظلال شعارات الصمود والتحرير حكما سوريا من خلال فرض الأحكام العرفية لعقود، وقمعا المعارضة، واتهماها بالعمالة لإسرائيل، وبأنها تريد حرف المسار القومي والوطني للدولة في حربها المصيرية المزعومة. وكان إعلام حافظ الأسد يهاجم الإسلاميين ويتهمهم بأنهم بيادق وعملاء لدولة الاحتلال.
وبعد وراثته حكم والده عام 2000، اشتهر بشار الأسد بأحاديثه الطويلة في القمم العربية، التي كان يركز فيها على ما يتعلق بالمقاومة ووجوب دعمها. وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام نحو دمشق في 14 فبراير/شباط 2005، وبعد حرب يوليو/تموز أيضًا وصدور قرار مجلس الأمن 1701؛ صعّد بشار من لهجته تجاه بعض الأنظمة العربية، وذلك في محاولة لتجنّب استحقاقات وتبعات عملية الاغتيال.
ففي كلمته أمام المؤتمر العام الرابع لاتحاد الصحفيين السوريين عام 2006، شنّ هجومًا عنيفًا وشديدًا على الدول العربية بطريقة غير مسبوقة، معتبرًا أن حرب يوليو/تموز 2006 عرّت الوضع العربي بشكل كامل، وأن المواطن العربي كان يرى الوضع العربي مع مساحيق تجميل، لكنه اليوم يراه من دون هذه المساحيق، وأن الحرب أسقطت أنصاف المواقف وأنصاف الرجال. وانتقد الأسد الدول التي اتهمت حزب الله بالمغامرة، وأكد أن سوريا لا تطلب من أحد أن يحارب نيابة عنها. وقال: "إذا أراد أحد أن يلعب دورًا لأسبابه الداخلية على حساب قضايانا، فهذا غير مقبول، فنحن لم نقرر أن نعرض قضيتنا للبيع في السوق الدولية أو أي سوق أخرى".
يبدو أن النظام السوري يقف فيما يمكن وصفه بالحياد السلبي في الصراع الدائر بين إسرائيل وحلفائها من جهة، وبين ما يسمى بمحور الممانعة – الذي يعد الأسد نفسه من أهم داعميه – من جهة أخرى، مع ملاحظة أنه يتصرف كذلك والقوات الإيرانية والمليشيات المتحالفة معها منتشرة في الأراضي السورية. كما أن تلك المليشيات – وعلى رأسها حزب الله – لها دالة وفضل عليه في مسألة بقائه في الحكم.
والأمر الجدير بالملاحظة أن خطاب إيران كما خطاب حزب الله – وكلمة حسن نصر الله في نعي فؤاد شُكر مثال على ذلك – يخلو تمامًا من الحديث عن أي دور لسوريا أو الأسد فيما يحدث في المنطقة: لا في وحدة الساحات وإسناد غزة، ولا في التحول إلى المعركة الكبرى بحسب نصر الله. فهل تتجنب طهران الضغط على الأسد؛ خوفًا من حسمه التنافس الروسي الإيراني لصالح موسكو، أم خشية من انضمامه إلى محور التطبيع العربي؟
الأسد يجاهد للبقاء في الحكم بأي وسيلة، وهو يراقب موازين القوى ويتصرف – على ما يبدو – كما تصرف والده في مرحلة صعوده إلى الحكم: مواقف محايدة غامضة من الصراع، ثم الانحياز لمن يوشك على حسمه لصالحه.
النظام الذي رفع شعارات التحرير والنضال والصمود ومواجهة المؤامرات الصهيونية حتى في حملاته القمعية ضد الثورة السورية السلمية في بداياتها، دخل في مرحلة إعادة التأهيل السياسي الإقليمي والعربي عبر البوابات الرسمية العربية. ولا يُستبعد أن هذا التأهيل الإقليمي الذي يطمع الأسد في دعمه لإنقاذ اقتصاده، قد رسمت له عدة محاذير في تعاطيه مع التطورات والأحداث الجارية وأطرافها، وبالتالي فإن حرصه على ما يمكن أن يعتبره علاقات واعدة، أكثر من حرصه على التمسك بمواقفه السابقة ونبرتها الحادة في المواجهة والصمود.
في بدايات الثورة وقبلها وما يزال، قدم النظام السوري نفسه كعلماني يشكل حائط صد للغرب والعالم مما يسميه التطرف الإسلامي، وهو يسعى جاهدًا للعودة إلى المجتمع الدولي. وحتى يحظى بالقبول الغربي والأميركي، فإنه لم يعلق على اغتيال فؤاد شُكر، لأسباب ربما منها أنه مدرج على قوائم الإرهاب الأميركية.
ما بين التنافس الروسي الإيراني على النفوذ في سوريا، وما بين خطاب شعبوي لعقود، وما بين الطمع بالرضا الغربي والعودة إلى الحظيرة الدولية، وما بين مراقبة موازين القوى ولمن تكون الكفة الراجحة في المواجهات الدائرة؛ بين كل هذا، يقف النظام السوري متابعًا ومترددًا، ليظهر بمواقفه شيئًا من الحيادية المخالفة لشعاراته المعلنة منذ عقود، وهو في مقابل البقاء في سدة الحكم مستعد لتغيير مواقفه من النقيض إلى النقيض.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس