ترك برس

سلط تقرير تحليلي للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، التهديدات التي وجهها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بشأن اعتزامه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، إضافة إلى زيادة الرسوم المفروضة على الواردات الصينية بنسبة 10%.

وقال أوستون في تقريره بصحيفة يني شفق إن ترامب برر هذه التهديدات بتحميل الدول الثلاث مسؤولية تدفق المهاجرين غير الشرعيين ومادة الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. هذا التصعيد يشير بوضوح إلى نية ترامب العودة إلى سياسة الحروب التجارية، حيث يستخدم التهديد بالعقوبات كأداة لتحقيق مكاسب سياسية.

وفي ولايته الأولى، اعتمد ترامب بشكل كبير على أدوات اقتصادية مثل الرسوم الجمركية والعقوبات كوسائل ضغط على الدول، سواء كانت حليفة أو منافسة. ويبدو أنه يخطط لتكرار هذه الاستراتيجية إذا تولى السلطة مجدداً. وفقا للكاتب التركي.

وأوضح أوستون أنه رغم الجدل المستمر حول المكاسب الاقتصادية الفعلية التي حققتها الولايات المتحدة من هذه السياسات، إلا أن تأثيرها السياسي كان واضحاً، إذ مكنت ترامب من إعلان ما وصفه بـ"انتصارات" على عدة دول.

وتابع التقرير:

في فترة رئاسته الأولى، هدد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، مما أجبر الأطراف على إعادة التفاوض حول الاتفاقية. ويُفهم تهديده الأخير بفرض رسوم جمركية على أنه محاولة لرفع سقف التفاوض قبل أي محادثات جديدة.

ومع ذلك، فإن استخدام ترامب للرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي ضد دول كبرى مثل أوروبا والصين وتركيا في فترته الأولى يجعل من الصعب تجاهل تهديداته الحالية.

تحت شعار "أمريكا أولاً"، الذي كان محور سياساته الخارجية، شكك ترامب في جدوى الاتفاقيات والتحالفات الدولية. وفي النهاية، نجح في إعادة التفاوض بشأن اتفاقية "نافتا"، والتي أعاد تسميتها إلى "اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا" (USMCA)، وقدمها كإنجاز سياسي كبير يُحسب له.

ردود أفعال المكسيك وكندا على تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية

بعد تهديد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية، سارع كل من رئيس المكسيك، كلوديا شينباوم، ورئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، إلى التواصل معه بشكل مباشر. في رسالة بعث بها شينباوم إلى ترامب وجرى نشرها في وسائل الإعلام، حذر من أن فرض الرسوم الجمركية سيؤدي إلى فقدان الوظائف في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن المكسيك لن تتردد في اتخاذ إجراءات انتقامية. أعقب الرسالة اتصال هاتفي بين الطرفين، مما عكس جدية التعامل مع تهديد ترامب. غير أن التصريحات المتبادلة، التي وصفت المكالمة بأنها "رائعة"، عكست بوضوح أسلوب ترامب في تحويل مثل هذه المواقف إلى فرصة لإعلان "الانتصار".

في تصريحاته، أكد شينباوم أن المهاجرين لم يعودوا يتوجهون إلى الحدود الأمريكية في شكل قوافل، وأنهم يُستكملون إجراءاتهم داخل المكسيك. على الجانب الآخر، أصدر ترامب بياناً أعلن فيه أن المكسيك تعهدت بوقف تدفق المهاجرين وإغلاق الحدود. أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي لديه خبرة واسعة في التعامل مع ترامب في مثل هذه القضايا، فقد أشار إلى أن المكالمة الهاتفية كانت إيجابية، لكنه تجنب الحديث عن أي رد انتقامي على الرسوم الجمركية.

تجسد هذه الأحداث مثالاً جديداً على نهج ترامب في التفاوض: تصعيد الموقف إلى أقصى درجة قبل المحادثات، ثم إعلان ما يُقال في تلك المحادثات كـ"نصر سياسي"، مع ترك التفاصيل والإجراءات اللاحقة لتأخذ مسارها ضمن البيروقراطية.

الفوائد السياسية للحروب التجارية

يمكن القول إن نهج ترامب التفاوضي ودبلوماسيته في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي يركزان بشكل أساسي على تلبية توقعات الرأي العام الأمريكي. ومع ذلك، فإن احتمالية تحقيق الولايات المتحدة مكاسب صافية من حرب تجارية مع كندا والمكسيك تبدو ضعيفة.

فعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية قد تساهم في حماية بعض قطاعات التوظيف، إلا أن الردود الانتقامية من الدول الأخرى ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع، مما يزيد من العبء على المستهلك الأمريكي. وبالنظر إلى أن التضخم كان أحد العوامل الأساسية التي ساعدت في إعادة انتخاب ترامب سابقاً، فإن أي تصعيد إضافي قد يصبح تحدياً كبيراً له وغير مقبول .

بناءً على ذلك، يمكن القول إن تهديد ترامب بالرسوم الجمركية وإرسال إشارات حرب تجارية يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية عبر إظهار التزامه بوعوده، أكثر من الدخول في حرب اقتصادية شاملة قد تضر بالاقتصاد الأمريكي.

خلال فترة رئاسته الأولى، وصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها "أجمل كلمة في القاموس"، واعتبرها أداة فعالة، فاستخدمها بشكل مكثف ضد الصين بهدف إجبارها على التوصل إلى اتفاق تجاري جديد. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق لم يتحقق، إلا أن العديد من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أصبحت دائمة في عهد إدارة بايدن.بدلاً من تصعيد الحروب التجارية، ركز بايدن على سياسات مختلفة، مثل تقييد تصدير رقائق أشباه الموصلات، مستهدفاً تعزيز المنافسة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. مع ذلك، يُتوقع أن يعيد ترامب، في حال عودته إلى البيت الأبيض، ممارسة الضغوط على الصين لدفعها نحو اتفاق تجاري يصب بشكل أكبر في مصلحة الولايات المتحدة.

إلا أن الصين قد تلجأ، كما فعلت خلال فترة ترامب الأولى، إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، مثل وقف استيراد منتجات رئيسية كفول الصويا، مما سيؤدي إلى زيادة تكلفة الحرب التجارية على الاقتصاد الأمريكي.

من المرجح أن يعود ترامب في ولايته الثانية إلى أسلوب الحروب التجارية، مستغلاً هذه السياسات لمعالجة قضايا داخلية مثل الهجرة، والتوظيف، وأزمة المخدرات. ومع ذلك، فإن استعداد كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين لهذه التكتيكات، نتيجة تجربتها في فترته الأولى، سيقلل من فعاليتها. الدول الأخرى قد تقدم تنازلات سطحية تمنح ترامب فرصة لإعلان "انتصارات سياسية"، بينما تترك التغييرات الحقيقية في الحد الأدنى.

أما في فترة رئاسته الأولى، استفاد ترامب من كونه زعيماً غير متوقع، مما جعله يرفع سقف المفاوضات بشكل فعال قبل أي محادثات. أما في فترته الثانية، فمن المرجح أن تكون الدول أكثر استعداداً للتعامل مع هذه الاستراتيجية. وبالتالي، فإن عودة ترامب إلى الحروب التجارية قد تقلل من حجم وتأثير المكاسب السياسية التي يمكن أن يحققها مقارنة بفترته الأولى.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!