![](https://www.turkpress.co/sites/default/files/field/image/filll.jpg)
ترك برس
رأى الكاتب والإعلامي التركي سلجوك تورك يلماز، أن نجاح الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم اليوم، رغم الدمار الذي حل بقطاع غزة، ليس حدثًا عاديًا، مؤكدا أنه بعد سنوات طويلة، أصبحت الولايات المتحدة تواجه الفلسطينيين بشكل مباشر، وأنه يجب النظر إلى هذا التحول على أنه تغيير عميق وجذري.
وأكد تورك يلماز في مقال بصحيفة يني شفق، أنه بعد تولي الصهاينة إدارة الانتداب من بريطانيا، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل لفترة طويلة دون قيد أو شرط لفترة طويلة معتقدة في نجاحها.
وأضاف: "كان الصهاينة أيضًا واثقين من نجاحهم، يظنون أن المال وحده كفيل بإقامة دولة. وقد حققوا في فترة ما نجاحات كبيرة، إلا أن الفلسطينيين رغم ما تعرضوا له آنذاك من خسائر فادحة، لم يستسلموا أبدًا، بل أمضوا حياتهم يناضلون ضد القوى الاستعمارية بأيدولوجيات مختلفة".
و في ما يلي نص المقال:
بعد إسرائيل برزت الولايات المتحدة كقوة مدمرة جديدة في مواجهة الفلسطينيين. فعلى مدى خمسة عشر شهرًا، صمد الفلسطينيون أمام جميع الهجمات الصهيونية الإسرائيلية، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ما أتاح احتمالًا – ولو ضئيلاً – لاستمرار هذه المرحلة لفترة معينة. ولكن رغم دعم الرئيس الأمريكي الجديد لهذا الاتفاق، فقد سارع إلى التلويح بإعادة إشعال الحرب، وكأنه يسعى إلى تعكير فرحة أهالي غزة بعودتهم إلى منازلهم وسط الأنقاض.
والأدهى من ذلك أنه أعلن نيته الاستيلاء على غزة، إذ أعرب ترامب صراحةً عن رغبته في ضم غزة إلى الولايات المتحدة عبر صفقة عقارية. وللأسف وعلى عكس ما يُروَّج له، فإن هذا الموقف لا يمكن تفسيره فقط من خلال سمات ترامب الشخصية بل يعكس بشكل واضح رؤى راسخة لدى تيار قوي داخل الولايات المتحدة حول العالم. وربما يعتقد هذا التيار بأن الفلسطينيين في غزة، والفلسطينيين عمومًا، قد استُنزفت قواهم ولم يعد لديهم القدرة على المقاومة. واللافت أن إسرائيل لم تعترض على هذا الطرح الأمريكي الجديد، إذ إن الأسس الأيديولوجي لإسرائيل نفسها هي نتاج لهذا التيار المهيمن في الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن هذا التطور الجديد سيترك آثاراً عميقة في العالم الإسلامي.
وإذا أردنا تحديد نقطة زمنية محورية، فيمكن القول إن عام 2013 كان بداية تراجع المكانة التقليدية لمفاهيم مثل "أوروبا" و"الغرب"، التي كانت تحظى بهالة من الهيمنة والاعتبار المستمد من الماضي. ففي ذلك العام، كانت القوى الغربية تسعى إلى إعادة مصر وتركيا إلى المدار الغربي عبر ما يشبه امتدادًا "للثورات الملونة". وبالفعل، أُعيدت مصر إلى "وضعها السابق " من خلال تدخلات داخلية، لكن هذا لم يكن إلا نتيجة لعمل الانقلابيين نيابةً عن القوى الغربية. وخلال الفترة ذاتها، تنافست الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا في دعم النظام الجديد الذي جاء عقب الانقلاب، مما أدى إلى هدم الركائز التي عززت مكانة المنظومة الغربية. ورغم نجاحهم في إسقاط إدارة مرسي، إلا أن الخسارة الأكبر لحقت بالنظام الغربي نفسه.
وفي الوقت ذاته، شهدت تركيا حراكًا جماهيريًا استهدف بشكل رئيسي الرئيس أردوغان، حيث حظي المحتجون بأحداث "جيزي بارك" بدعم من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولو أنهم تمكنوا من إسقاط أردوغان، لما كان ذلك ليضر بالنظام الغربي، إلا أن القوى الداعمة لهذه التحركات لم تكن ترغب في الظهور العلنية في تلك الأحداث. وتكررت هذه السياسة في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، حيث قدمت تلك الدول دعمًا للانقلابيين، لكنها حرصت في الوقت ذاته على إخفاء علاقتها بالجهات التابعة لها. وينطبق هذا النهج أيضًا على علاقاتها بإسرائيل، حيث فضّلت هذه الدول إبقاء قنوات الاتصال معها في إطار من السرية.
إن نجاح الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم اليوم، رغم الدمار الذي حل بغزة بعد قرابة قرن من الزمن، ليس حدثًا عاديًا. فبعد سنوات طويلة، تواجه الولايات المتحدة الفلسطينيين بشكل مباشر، ويجب النظر إلى هذا التحول على أنه تغيير عميق وجذري. فبعد أن تولى الصهاينة إدارة الانتداب من بريطانيا، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل لفترة طويلة دون قيد أو شرط لفترة طويلة معتقدة في نجاحها. وكان الصهاينة أيضًا واثقين من نجاحهم، يظنون أن المال وحده كفيل بإقامة دولة. وقد حققوا في فترة ما نجاحات كبيرة، إلا أن الفلسطينيين رغم ما تعرضوا له آنذاك من خسائر فادحة، لم يستسلموا أبدًا، بل أمضوا حياتهم يناضلون ضد القوى الاستعمارية بأيدولوجيات مختلفة. ولكن لم يتوقع أحد أن ينجح الفلسطينيون في دفن مفهومي "أوروبا" و"الغرب" في صفحات التاريخ. لقد أدت المقاومة الثابتة التي استمرت خمسة عشر شهرًا إلى طمس هذين المفهومين بشكل نهائي.
واليوم سيستمر الفلسطينيون في مقاومة الولايات المتحدة أيضًا، فقد كانت الولايات المتحدة حاضرة في المنطقة منذ زمن طويل، لكن تصريحات ترامب الأخيرة ستكشف بوضوح أن الولايات المتحدة وبريطانيا ليسا كيانًا واحدًا. فالإنجيلية كالصهيونية تمثل تطرفا مدمرا. وفي المرحلة المقبلة قد نبدأ في الحديث عن تطرف الولايات المتحدة وبريطانيا. ويُقارن اليمين المتصاعد في أوروبا القارية بألمانيا النازية. ولكن الخطر الحقيقي يكمن في الإنجيلية التي تمثل التوجه المتطرف في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، هؤلاء هم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، وهذا السلاح سيعود حتمًا ليضرب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في المستقبل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!