د.أحمد البرعي - خاص ترك برس
"أنا إن أخرجت ما في جعبتي من أسرار فسيقع السيد رئيس الوزراء أحمد داوود أغلو في ورطة كبيرة، وسأسبب له حرجاً كبيراً" هكذا صرح "كمال كلتشدار أغلو"، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية.
في لقائه التلفزيوني على قناة "ستار" التركية أبى زعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية الأتاتوركي إلا أن يظهر مدى المراهقة السياسية التي يتمتع بها، إذ في الوقت الذي يقوم به بعقد سلسلة من الحملات الدعائية للانتخابات المزمع عقدها في الأول من نوفمبر \ تشرين الثاني لم يجد في جعبته إلا أن يخرج عن سياق اللباقة السياسية بتهديد رئيس الوزراء، داوود أغلو، بشكل طفولي قائلاً: "رئيس الوزراء التركي يعلم كما أعلم أنا جيداً السبب وراء عدم اتخاذ الاحتياطات والتدبيرات اللازمة لمنع وقوع الانفجار الإرهابي الذي أودى بحياة أكثر من 100 مواطن تركي بريء، لا ذنب لهم سوى خروجهم في مظاهرة سلمية مطالبين بأن يسود السلام ويعم الهدوء شتى أرجاء الجمهورية التركية"
يظن "كلتشدار أغلو" بتصريحه هذا أنه نجح في "ضرب اسفين" بين رئيس الوزراء، داوود أغلو، ورئيس الجمهورية الطيب أردوغان، إذ يلمح بتصريحه هذا إلى أن داوود أغلو قد أسر إليه في ذلك اللقاء الذي أعقب تفجيري أنقرة في العاشر من الشهر الجاري أن الدولة -أردوغان- كانت على علم بنية البعض المبيتة للقيام بتفجير إرهابي في العاصمة أنقرة، ولكنها مع ذلك لم تقم باتخاذ أي اجراء للحيلولة دون وقوع هذا العدد من الضحايا.
هذا الطرح ليس مجرد تلميح، بل إن كلتشدار أغلو في لقائه آنف الذكر قد صرّح بأن الشرطة كانت تتوفر لديها المعلومات المؤكدة حول طبيعة العمل الإرهابي ولكنها لم تقم بأي خطوة استباقية بناء على تعليمات الجهات السيادية في الدولة، وتحدى كلتشدار أغلو رئيس الوزراء التركي، داوود أغلو، أن يصرح عن السبب وراء ذلك، مطالباً في الوقت ذاته الوزراء المعنيين بتقديم استقالتهم فورا،ً إذ لا يكفي أن يُقال مدير الأمن ومعاونه وبعض الموظفين الذين مُنعوا، حسب زعمه، من القيام بمهامهم الوظيفية بناء على تعليمات عليا.
وجه كلتشدار أغلو كلامه لرئيس الدولة قائلاً "من تحاولون أن تخدعوا، نحن لسنا أطفالاً، أنتم لا تريدون توجيه الاتهام إلى تنظيم الدولة "داعش" لأنكم تعلمون أنهم سيقومون بأعمال إرهابية أخرى، وتقولون نحن لا نستطيع أن نلقي القبض على أي شخص بمجرد الاشتباه، وهو بريء ما لم يقم بأي أعمال خارج القانون. ولكني أقول لكم أي شخص ينتمي إلى هذا التنظيم الإرهابي لابد أن يتم القاء القبض عليه فوراً حتى وإن لم يقم بأي عمل إرهابي"
وفي ذات السياق الذي يشحذ كلتشدار أغلو سكاكين لسانه على الحكومة ورئيسها، يبرر بشكل سافر تصريحات رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، صلاح ديمرطاش، الذي اتهم الدولة صراحة بالوقوف وراء مقتل أكثر من 100 بريء من مناصري حزبه. رأى كلتشدار أغلو أن تصريحات ديمرطاش لها ما يبررها فهو شاب صغير السن ودمه يغلي لحجم الكارثة التي ألمت بتركيا، بينما لا يرى مبرراً لداوود أغلو الذي كان قد دعا إلى اجتماع جميع القوى الوطنية وأحزاب المعارضة عقب هذا الانفجار الإرهابي لتدارس الحادثة والخروج بموقف وطني موحد. كان هذا اللقاء هو الذي جمع كلتشدار أغلو بداوود أغلو وخرج ليصرح هذه التصريحات الطفولية.
لم يتأخر رد داوود أغلو، إذ شن هجوماً لاذعاً على موقف رؤساء أحزاب المعارضة السلبي في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها تركيا، وحمل بشكل رئيس على رئيس حزب الشعب الجمهوري، كلتشدار أغلو، إذ رأى أن الأخير لا يفهم معنى حرمة المجالس ولا يراعي طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، ففي الوقت الذي يُظهر داوود أغلو قدراً عالياً من رغبته في إعلاء مفهوم المشاركة السياسية بإطلاع كافة الأحزاب السياسية على طبيعة وتفاصيل ما يجري من أعمال ارهابية، يخرج هذا "الزعيم" ليتصرف بطفولية ومراهقة لا يمكن أن توصف إلا بالانتهازية السياسية القميئة.
في الوقت الذي يتهم فيه البعض الحكومة التركية ورئيسها بانتهاج سياسة الإقصاء بعدم إشراك الأحزاب والهيئات العامة، وعدم اطلاعهم على تفاصيل ما جرى ويجري، وعدم الأخذ بنصائحهم الذهبية، يخرج زعيم أكبر حزب معارضة ليهدد داوود أغلو بفضح ما دار بينهم في لقاء مغلق.
المثير في الأمر أن داوود أغلو في لقاء تلفزيوني قال "أحد أصدقائي في الحزب قال لي: لا تجلس وحدك مع كلتشدار أغلو، فبحسب معرفتنا بالرجل من تجارب سابقة، سيخرج ليقول قلنا كذا ولم نقل كذا، ولذلك فليكن معك أحد منا شاهد وليحضر اللقاء من حزب الشعب الديمقراطي شخص آخر. وأضاف داوود أغلو: لم أقبل بذلك وقلت لصديقي هذا: إذا لم يستطيع رئيس وزراء تركيا أن يلتقي برئيس أكبر أحزاب المعارضة في البلاد وحدهم فلا ديمقراطية ولا حياة سياسية في هذه البلاد، ورفضت الفكرة بالمطلق. ولكني الآن فهمت السبب وراء إصرار صديقي هذا."
وفي لقاء جماهيري في ولاية قيصري، تحدى داوود أغلو زعماء المعارضة أن يُخرجوا كل ما في جعبتهم ويطلعوا الشعب على كل ما لديهم من معلومات فهو لا يخفي شيئاً، ولكنه أضاف أيضاً: "لا يتوقعوا مني بعد الآن أن أتعامل معهم على أساس أنهم رجال دولة وسياسة. أنا أؤمن بالمشاركة والشفافية ولكن في هذه الظروف التي تمر بها تركيا يغلقون جميع الأبواب أمامنا ثم إذا فتحناها مارسوا الانتهازية بأتفه أشكالها. فليفعلوا ما يشاءون، وليقولوا ما يريدون فنحن لا نخفي شيئاً عن شعبنا".
لم يكن هذا حال زعيم حزب الشعب الجمهوري وحده، فكذا هو حال "دولت بهتشلي" رئيس حزب الحركة القومية المعارض، والذي يتبنى نفس الخط في المناكفة الطفولية، إذ يغلق الأبواب أمام كل نداء يقوم به داوود أغلو، ويعلن عن عدم مشاركته في أي عمل سياسي بالشراكة مع الحكومة، بل ويطالبها بداية أن تقدم الاعتذار للشعب على ما قامت به خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث سمحت، على حد زعمه، لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، أن يقوم بتخزين الأسلحة لمهاجمة القوات التركية، كما يصر أيضاً على أن الحكومة لابد أن تعتذر عن الدعم والمساندة التي قدمتها لتنظيم الدولة "داعش" الذي انقلب عليها وبدأ في ممارسة أعماله الإرهابية داخل الأراضي التركية.
يحتار الإنسان أحياناً في كيفية التعاطي مع هذا النمط من التفكير السياسي العدمي، الذي لا يجد له سبيلاً إلا القدح والانتقاد في الآخر مهما فتح من آفاق وأبواب ومهما قدم مساحات ومباردات من التوافقات والمشاركة السياسية الفاعلة، إلا أنه يصطدم بعقبات الرعونة والأنانية السياسية عند البعض. ولكن هذا لا يمنع أن تستمر محاولات التوافق والالتقاء فالمخاطب ليس بالضرورة رأس الحزب وقياداته الطفولية، بل هي رسالة وإشارة ترسل للجمهور عامة ولقواعد وأتباع ذلك الحزب الذين لهم أن يفهموا ويفرقوا بين "الطفولية السياسية" و"الرشادة السياسية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس