د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
المسيئون للإسلام كثر تاريخيا وحاليا، بدوافع مختلفة وأسباب متباينة بدءا بالبعد العقائدي إلى التنافس الاقتصادي وصولا إلى عاشقي الشهوات من العلمانيين العربان والذين لا يطيقون بعدا عن كأس خمر ولا يتخيلون الحياة من غير سهرات حمراء لا خطوط حمراء فيها بحكم أخلاق الإسلام وتعاليمه.
غير أن أكثر من أضر الإسلام وأساء إليه هم الذين يرفعون شعارات تطبيق الإسلام والسعي لتحكيم شرعه وإقامه حدوده بفهم خاص للدين وإحكامه ونظرات ضيقة وشعارات صارخة بعضها انعكاس لمحدودية الفكر أو لإمراض نفسية أو تغطية لاختراقات أمنية من مخابرات إقليمية أو دولية تستهدف إعادة احتلال المنطقة وتدميرها وإعادة تشكيلها تحت غطاء محاربة التطرف والإرهاب بطريقة سمجة ومخالفة للمنطق مستندة إلى سطوة الإعلام وقوة النفوذ العسكري والسياسي.
تطبيق الإسلام ومن عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان متدرجا ومتفاعلا مع حقائق المجتمع والمحيط وموازيين القوة. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية يرى أصحابه يعذبون حتى الموت فيأمرهم بالصبر والمصابرة متجنبا المواجهة ودون أن يصعد إعلاميا ناهيك عسكريا مع العدو الذي أعلنها حربا ضروسا على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى دعوته وأتباعه. وفي القران الكريم وفي سورة الأنفال تحدث القران عن الإمكانيات البشرية لصحابة رسول الله فخفف عنهم موازيين المواجهة من شخص أمام عشرة إلى شخص مقابل إثنين. ومع كل الشدة ورد العدوان التي أوصى بها القرآن النبي وصحبه في مواجهة قوى الاستبداد والظلم إلا أن الرحمة كانت السمت الغالب في التعامل مع الآخر حتى لو كان عدوا حقودا فلا تمثيل بالجثث ولا اعتداء على الأشجار والبيئة، فكان خلق المسلمين هو مفتاح فتوحاتهم والتي وصلت القلوب قبل الأمصار ودفعت بكثيرين للدخول في الإسلام أفواجا عن طواعية واقتناع وحب وإعجاب.
لقد دفع المسلمون وما يزالون أثمانا باهظا من حياتهم ومستقبلهم جراء مغامرات أولئك المتطرفين الذين يريدون إقامة حكم الله بأساليب شيطانية ويسعون لمقاومة الطغاة بمناهج طغيانية، ولو حسبنا الأمر من ناحية الفوائد والمكاسب لوجدنا أن أعمالهم تخدم أعداء الأمة والمتربصين بها إما عن جهالة أو عمالة.
الأمر المثير للسخرية هو أن من يعلنون الحرب على الغرب "الكافر" هم أسرى تكنولوجيا ذلك الغرب فهم يعتمدون على النت ووسائل التواصل الاجتماعي وتقنياته. أما الأمر المثير للريبة فهم أولئك الباحثون والدارسون لظاهرة التطرف والمتطرفين ممن يزيفون الحقائق لصالح من يريد تدمير أمتنا بذريعة مواجهة الإرهاب والإرهابيين، فيسجلون ويوثقون زورا وبهتانا إن المتطرفين يستخدمون الوسائل الحديثة في حربهم وفي تجنيدهم.
إن الذي اخترع التكنولوجيا هو الأقدر على استخدامها وصناعة الأفخاخ التكنولوجية واستخدامها لاختراق تلك التنظيمات ومتابعاتها بل ودفعها عن طريق الإيحاء أو الاختراق لسلوك ما يريدونه ذريعة لتحقيق أهدافهم من تسويق للرعب وتدمير للمنطقة لإعادة تعميرها ولبيع السلاح وصفقات الحماية والوقاية.
إنه من المعيب والمخجل أن نعلن عن دولة الخلافة التي تحارب الجميع فيما هي تدور تكنولوجيا وخدماتيا في فلك الغرب الذي تزعم أنها تحاربه. لو كانت داعش تهدد العالم فعلا وتخيفه فما أسهل أن يستهدف مبكرا آبار النفط والتي يزعم أنها مصدر أساسي لتمويلها وما أيسر أن تقطع عنها الاتصالات حتى تغرق في ظلام التخبط وظلمات الحصار.
إن أمة اقرأ هي أولى الأمم بسلك سبيل العلم والتعلم والتعمير والاختراع، لا كما يريد المتطرفون- المخترقون على الأرجح- تدمير مدننا وقرانا وتهجير الملايين وحرمان جيل كامل من العلم والتعلم. إن السعي لدولة الإسلام يقتضي من أهل المسعى أن يسلكوا مسلك العلم والذي يسهل الطريق إلى الجنة. إن العالم الذي يدرس في كبريات الجامعات ويتفاعل في ساحات العلم ابتكارا واختراعا أو الطبيب المختص البارع والذي يساهم في علاج المرضى هو أقرب لتحقيق غايات الإسلام من ذلك الذي يتمنطق سلاحا غربيا ويستخدم تكنولوجيا غربية في اتصالاته وقضاء حاجاته وبعد ذلك يعلن بجنون وهستيريا عزمه على محاربة الغرب وتقويضه ولكن عبر تدمير المجتمعات الإسلامية ديموغرافيا وحياتيا وإنسانيا.
إن تركيا العلمانية والتي تسعى للعلم والتعلم والاستقلال بحاجاتها الحياتية وصناعة سلاحها وطائراتها مع التدرج في العودة للجذور ولقيمها هي أقرب إلى الإسلام من أولئك الذين يزعمون زورا وبهتانا أنهم يسعون لإقامة الخلافة وهي في حقيقتها خداع وخرافة.
إن مصر مرسي التي كان يقودها عالم يطمح أن يستقل ببلاده دواء وغذاء وسلاحا هي أخطر في عالم يقوم على التنافس الاقتصادي الطاحن على مصالح دول غربية من أولئك الذين يقطعون الرؤوس ويرفعون رايات سوداء، لذلك لم يمهل العالم تجربة مصر مرسي أكثر من عام ليطيح بها في حين أعلن أن الحرب على داعش ومجاهليها وملثميها تحتاج إلى عقود وأجيال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس