فادي قدري أبو بكر - خاص ترك برس

نسلط الضوء في هذه الورقة على التجربة الفلسطينية في الصحافة العسكرية، وبالعسكرية نقصد "العسكرية النظامية" بعيداً عن الصحافة الميليشية أو الثورية التي كانت غالبة على صحافة الفصائل التحررية الفلسطينية. حيث ستتناول هذه الورقة المفهوم المتداول للصحافة العسكرية لقياس مدى موائمة التجربة الفلسطينية في هذا المجال، مستعرضين التحديات والمآلات الخاصة بهذه الصحافة المتخصصة.

مفهوم الصحافة العسكرية وأهميتها

الصحافة العسكرية هي الصحافة التي تقدم للقارئ صورة عن تطورات سير المعارك الحربية وشرح للعمليات العسكرية، والذي من شأنه أن يقضي على الإشاعات والحرب النفسية المضادة التي يجريها الأعداء. من جانب آخر تقدم الصحافة العسكرية صورة عن التضحيات وصور البطولة التي تخوضها القوات الوطنية. وللصحافة العسكرية وظائف متعددة في فترات المد والجزر، وتعتبر من أهم أدوات تحصين الجبهة الداخلية وخلق التفاف شعبي حول القيادة السياسية وثقة بالمؤسسة العسكرية بما يتيح أخذ القرارات الصعبة والمصيرية.

يقول الكاتب والصحفي الراحل محمد حسنين هيكل: "إن القتال هو استخدام السلاح، وأما الحرب فهي صراع بين إرادتين، وهو مساحة أوسع من مساحات القتال". وهو بذلك يؤكد أهمية الصحافة العسكرية، فالحرب النفسية والإعلامية لها دور هام وحيوي في رفع الروح المعنوية الوطنية وإضعاف جبهة الأعداء لإلحاق الهزيمة بهم.

الصحافة العسكرية الفلسطينية

صدر عن المنظمات الفلسطينية منذ سبعين عاماً، العديد من الصحف والنشرات التي يمكن تصنيفها في إطار الصحافة الثورية الفلسطينية، كونها كانت أكثر تفاعلاً مع الجماهير وتتجاوز الأمور العسكرية، فكانت تركز على مشاكل الشعب الفلسطيني، والتعريف بالعدو، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية أيضاً. ونذكر منها (مجلة فلسطيننا – نداء الحياة، وشؤون فلسطينية، وأصداء الثورة الفلسطينية، والحقيقة، والحرية، وحصاد العاصفة، والديمقراطية الشعبية، وصوت الجبهة...إلخ).

مراحل الصحافة الفلسطينية العسكرية

المرحلة الأولى

فيما يتعلق بالصحافة العسكرية الفلسطينية، والتي كما أوضحناها في البداية "العسكرية النظامية"، فإن نشأتها تعود إلى عام 1968م، وهو العام الذي أصدرت فيه مجلة "صوت فلسطين" في العاصمة اللبنانية بيروت، كمجلة مختصة بجيش التحرير الفلسطيني الذي أُسس عام 1964م كجيش يمثل الذراع العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية.

تتوافق الصحافة التي قدمتها هذه المجلة مع مفهوم الصحافة العسكرية المتعارف عليه عالمياً. فقد أبرزت المجلة أخبار جيش التحرير الفلسطيني، وقوات التحرير الشعبية، وركزت اهتمامها على الدراسات العسكرية وتغطية أخبارها وعملياتها مع العدو داخل الأراضي المحتلة.

انتهت المرحلة الأولى من الصحافة العسكرية الفلسطينية وبرزت الصحافة الثورية بشكل أقوى بعد الولادة الثانية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثلت بفلسطنة المنظمة والتخلص من أيدي الأنظمة العربية فيها، وصعود نجم التنظيمات الفدائية الفلسطينية بعد النصر التاريخي الذي حققته في معركة الكرامة. حيث أن جيش التحرير الفلسطيني لم يعد يمكن تصنيفه وتصنيف ما يصدر عنه بأنه فلسطيني لحقيقة أن قواته كانت عملياً تخضع للحكومات المضيفة له سواء في الأردن أو سوريا.

المرحلة الثانية

ترتبط المرحلة الثانية من الصحافة العسكرية الفلسطينية بمفوضية التوجيه السياسي والوطني وما صدر عنها، منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م.

تأسست هيئة التوجيه السياسي والوطني منذ السبعينيات، إلا أن الصحافة التي كانت تمارسها منذ ذلك الوقت حتى قيام السلطة الفلسطينية كانت صحافة ثورية كونها كانت موجهة لقوات العاصفة في حينها. إلا أن الهيئة أصبحت تمثل بعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م المؤسسة التي تمارس الصحافة العسكرية، حيث أن رسالة هيئة التوجيه السياسي والوطني تتوافق مع الوظائف المنوطة بالصحافة العسكرية. وتلخص الهيئة رسالتها بالغايات والأهداف الاستراتيجية الآتية:

• بناء الوعي الوطني العام تجاه المؤسسات العسكرية وإظهار دورها الإيجابي كأداة وطنية.

• تعزيز فهم القيم الجمعية لوحدة الشعب الفلسطيني الداعمة للبرنامج السياسي للقيادة الفلسطينية.

• مساندة ودعم القيادة الفلسطينية في قبول برنامجها السياسي، بتعبئة الأفراد وفئات المجتمع الفلسطيني العسكري والمدني فكرياً وسياسياً ومعنوياً، وحشد الطاقات والجهود لضمان تحقيق القرار السياسي.

قدمت هيئة التوجيه السياسي والوطني منذ قيام السلطة الفلسطينية نماذج من الصحافة العسكرية، حيث أصدرت صحيفة "الأقصى" في أريحا عام 1994م وهي يومية، عسكرية، إخبارية، سياسية. إلا أنها توقفت عن الصدور عام 1995م.

أصدرت هيئة التوجيه السياسي والوطني مجلات شهرية أخرى، مثل مجلة الموقف (2012-2014) ومجلة التفويض (2014-2016)، التي يصعب علينا تصنيفها في إطار الصحافة العسكرية. فقد تضمنت المجلتان عدداً من التقارير والمقالات السياسية والأمنية، وكان الأمني وليس العسكري الطابع الغالب على هذه المجلات.

استنتاج ختامي

يمكن القول إن التجربة الفلسطينية في الصحافة العسكرية ضحلة إلى حدٍ ما، وهو شيء متوقع لسبب بسيط يتعلق بوجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يبقى على الرغم من كل الجهود جاثماً على الأنفاس. فالأمن الخارجي للدولة هو وظيفة المؤسسة العسكرية، والاحتلال يعبث بشكل دائم في الأمن الفلسطيني الداخلي والخارجي على حدٍ سواء.

على الرغم من ذلك، فإن التجربة الفلسطينية غنية فيما يتعلق بالصحافة الثورية والميليشية إن صح التعبير، وهذا يمهد إلى أن المستقبل - الخالي من الاحتلال - قد يشهد صحافة عسكرية فلسطينية لا تقل تميزاً عن أي صحافة في أي دولة بالعالم.

عن الكاتب

فادي قدري أبوبكر

كاتب وباحث فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس