د. باسل الحاج جاسم - الحياة
تعرض مسار محادثات آستانة السوري، بين تركيا وروسيا وإيران، لهزات عدة في الآونة الأخيرة، إلا أنه يبقى حاجة مشتركة ثلاثية، تتقاطع في أكثر من جانب مع حاجة سورية - سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شق منها لوقف التمدد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن تحت غطاء محاربة «داعش».
دفعت التباينات بين تركيا من جانب وروسيا وإيران من جانب آخر، وهي الدول الثلاث الضامنة اتفاق وقف التصعيد في سورية في إطار محادثات آستانة، دفعت البعض إلى الاعتقاد أن ثلاثي آستانة مهدد بالتفكك.
مشكلة اتفاق آستانة لإنشاء أربع مناطق لخفض التوتر في سورية، هي اختلاف وجهات النظر بين الدول الثلاث الراعية، فتركيا تدعم المعارضة، وروسيا وإيران تدعمان في المقابل نظام الأسد، ويتبادل الجانبان الاتهامات بدعم جماعاتهم على الأرض.
ترى تركيا أن نظام الأسد يسعى إلى السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة بدعم جوي روسي وبمباركة إيرانية، وأن ضحايا هجماته هم مدنيون وفصائل معارضة معتدلة.
الهدف الرئيسي من محادثات آستانة، إنهاء الحرب الدامية، والاقتتال المستمرة منذ سنوات وإعداد أرضية لحل سياسي شامل، وكانت أول خطوة أقدم عليها «ثلاثي آستانة» اتفاق لوقف إطلاق النار (متعثر في معظم الاوقات) في المناطق الحساسة كإدلب، بين النظام وقوات المعارضة باستثناء المجموعات المصنفة على قوائم الإرهاب، ثم اتفاق مناطق لخفض التصعيد، مع نشر قوات من الدول الثلاث لمراقبة تنفيذ تخفيف التوتر.
أدى الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الجوية الروسية في حميميم بطائرات مسيرة من بعد، إلى تضرر عدد من المقاتلات الروسية، وتحدثت تقارير أن هذه الطائرات أطلقت من مناطق تقع تحت سيطرة قوات المعارضة المعتدلة التي تدعمها تركيا.
لم تعلن إيران رأيها بشأن حادثة حميميم والاعتداء على القوات الروسية، إلا أن زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف إلى موسكو في تلك الفترة، إضافة إلى الدعم العسكري الذي تقدمه إيران لقوات الأسد المتقدمة في إدلب، يشير إلى أن وجهات نظر إيران أكثر اقتراباً مع روسيا، من وجهة نظر تركيا بشأن هذه المسألة.
وعلى الرغم من أن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإيران، أبرزها التعاون التكتيكي قصير الأجل ضد المجموعات الكردية الانفصالية، إلا أنهما تختلفان بشأن الحل النهائي في سورية، إذ تنظر إيران إلى نظام الأسد بوصفه جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها لزيادة نفوذها، بينما ترى تركيا إيران منافساً، حققت توسعاً استراتيجياً إضافياً، في الأشهر الأخيرة، وتتعين إعادتها إلى حجمها، كما أن إيران ربطت أطماعها أكثر بروسيا اللاعب الأكبر الآخر في المنطقة. وأظهرت التطورات الأخيرة، عقبات في تحقيق الاتفاقات، وبسبب تعرض مناطق خفض التصعيد إلى انتهاكات، شهد المسار للمرة الأولى اتهامات متبادلة بين أطرافه الثلاثة.
ظهر المؤشر الأول على الاختلاف داخل ثلاثي آستانة، حين استدعت وزارة الخارجية التركية سفيري إيران وروسيا لتذكرهما بمسؤولية بلديهما عن حماية وقف إطلاق النار. وبينما كان من المنتظر أن تقدم موسكو على خطوة في هذه المسألة، أصدرت بياناً مختلفاً أعلنت فيه أن 13 طائرة بدون طيار انطلقت من المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في إدلب وهاجمت قاعدتين روسيتين، وهذه المرة ذكرت روسيا تركيا بمسؤوليتها كبلد ضامن للمنطقة التي يتمركز فيها الجيش السوري الحر المدعوم من جانب أنقرة. أثارت الأوضاع الجديدة الكثير من الشكوك حول توتر محتمل بين «مجموعة آستانة السورية»، إلا أن سحب موسكو جنودها من عفرين، الذي أتاح المجال أمام أنقرة لبدء عمليتها العسكرية غصن الزيتون، بدد كل التكهنات حول خلاف روسي– تركي، وكشف متانة التقارب بين البلدين.
ومع أن الكرملين أعلن أن الطائرات قدمت من منطقة تحت سيطرة المعارضة المعتدلة جنوب إدلب، إلا أنه يعتقد أن المصدر الحقيقي هو الولايات المتحدة، وبينما يتهم النظام السوري «جبهة النصرة»، يشير المسؤولون الروس باستمرار إلى الولايات المتحدة من دون تحفظ ومع ذكر اسمها.
مساعد رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية فرانتس كلينتسيفيتش قال: «أؤكد أن أصابع أجهزة الاستخبارات الأميركية وراء هذا الأمر، ليس من قبيل الصدفة أبداً أن تحلق طائرة تجسس أميركية لأكثر من 4 ساعات في المنطقة».
وذكرت الأنباء الواردة في الإعلام الروسي أن وزارة الدفاع أبلغت رئيس هيئة الأركان ورئيس جهاز الاستخبارات التركيين بالموضوع، في إشارة واضحة إلى إدراك روسيا وتركيا أن المكيدة من صنع الولايات المتحدة، وتعلمان جيداً ما يجب عليهما فعله.
وخلافاً لكل ما هو معلن، حظيت تحركات تركيا العسكرية بغصن الزيتون في عفرين، وربما في منبج في القريب العاجل، بموافقة هيئة الأركان الروسية إبان الزيارة الخاطفة التي قام بها حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية وخلوصي أكار رئيس الأركان التركي لموسكو الشهر الفائت، والتي تكللت بالانسحاب الفوري للجنود الروس من عفرين. ولا تضع موسكو حالياً في حساباتها التصدي عسكرياً لأدوات الولايات المتحدة في سورية، وتصرفت بحنكة حين تركت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، تتولى تلك المهمة.
وبينما تدور هذه الأحداث غرب الفرات في مناطق سيطرة روسيا، تدرب واشنطن عناصر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني في الحسكة شرق الفرات الواقع تحت السيطرة الأميركية، من أجل إنشاء مجموعة مسلحة جديدة، في تجاهل وتهميش آخر جديد للغالبية العربية، لتزداد بذلك تعقيدات المشهد السوري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس