د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تشهد العلاقات التركية الأمريكية تجاذبات متوترة ،ومشادات متكررة ،تصل أحياناً للتهديد والوعيد ،رغم أنهما تُعتبران حليفتان ضمن أكبر حلف عسكري، ورغم أن تركيا هي القوة العسكرية الثانية بعد أمريكا بحلف الناتو من حيث القوة العسكرية والقابلية والجاهزية العسكرية لأي تدخل عسكري خارجي..
هذا المد والجزر الذي ساد العلاقة بينهما خلال السنيين الأخيرة ،زاد من حدة الشرخ وعدم الثقة وبات واضحاً للطرفين أن العلاقة بينهما لا تنسجم أبداً مع تسمية الحليف الاستراتيجي ،بل تكاد أقرب ما تكون لعلاقة بين خصمين وليس حليفين..
العقوبات الأخيرة التي وقع عليها الرئيس ترامب وهو يعيش أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض ،جاءت لتؤكد على هشاشة العلاقة المهتزة بينهما من جديد، كون هذه العقوبات تُطبق ضمن قانون مكافحة من تعتبرهم أمريكا "خصوماً من جهة ،ومن جهة أخرى كونها هي المرة الأولى التي تُطبق قوانين "كاتسا" ضد دولة شريك بحلف شمال الأطلسي.
صحيح أن العقوبات كانت هي الأخف من بين العقوبات المقترحة على الرئيس من قبل الكونغرس الأمريكي،حيث كانت رمزية واكتفت بإدراج رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية التركية اسماعيل دمير وزملاؤه ضمن الاسماء المُعاقبة، وهذا ما جعل البعض يميل لتفسيرها على أنها مجرد عقوبات للتلويح والردع وتحمل عتاب الحليف المحب الذي يسعى لكسب الطرف الآخر لا التفريط به. لكن حقيقة الأمر تكمن بأبعاد هذه العقوبات الأول من نوعها ضمن قانون "كاتسا" الذي يستخدم ضد "خصوم " أمريكا وليس حلفاؤها...
فهل تنظر أمريكا لتركيا بنظرة الخصم أم بنظرة الحليف..!!؟؟
مجرد مراجعة بسيطة وسريعة لكثرة الملفات العالقة بين "الحليفين" تجعل المرء يتساءل :
هل توجد دولة "خصم "وليس "حليفة" بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه الملفات الشائكة والخلافات العميقة، بما فيها روسيا والصين المصنفتان بالعدوين اللدودين لأمريكا..!؟
من أهم الملفات الكبيرة والمعقدة، دعم أمريكا العسكري للمجموعات الانفصالية الكردية بسوريا بشكل مباشر، وهذا يعني دعماً تلقائياً لحزب العمال الكردستاني الذي يهدد الأمن القوي التركي، وتخوض تركيا حرباً ضروساً معه منذ عدة عقود..
الملف الثاني دور تركيا المتنامي بمنطقة الشرق الأوسط وانزعاج اسرائيل من هذا الموقف المؤيد والمناصر لقضايا الشعوب العربية، وتحول تركيا بتجربتها الديمقراطية لمحط أنظار شعوب المنطقة وتشكيلها نموذجا يمكن ان يحتذى به، وهذا ما يتعارض مع أطماع الغرب وليس مع أمريكا فقط..
الملف الثالث هو التقارب التركي الروسي وتتويج هذا التقارب بشراء تركيا لمنظومة الصواريخ أس 400 من روسيا ،بعد رفض أمريكا والدول الغربية تزويد "حليفتهم " بصواريخ باتريوت ،بل قاموا بسحبها في لحظة كانت تركيا بأمس الحاجة لها بعد اسقاط الطائرة الروسية.
الملف الرابع هو دعم أمريكا للانقلاب العسكري وعدم تسليمها لزعيم جماعة غولن المتهم الأول بتزعم عملية الانقلاب الفاشلة عام 2016م.وقد يكون هذا الملف رغم عمق أبعاده هو الاسهل الذي يمكن الصبر عليه من قبل تركيا..
الملف الخامس التواجد التركي القوي بحوض شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال التنقيب عن الغاز والنفط ،وامتعاض دول معادية لتركيا ،على رأسها فرنسا واليونان وقبرص اليونانية حيث قامت هذه الدول بمحاولات حثيثة لتحريض وحشد الرأي الاوربي ضد تركيا لاستصدار حزمة عقوبات أوربية من اجتماع بروكسل الأخير لتحجيم الدور التركي المعارض والمقوض لمصالح الدول الأوربية كما يدعون.
واذا تجاوزنا التواجد التركي بسوريا وليبيا والعراق وقبرص التركية،وموقفها من ثورات الربيع العربي وملفات عديدة اخرى ،
برأيي يبقى الملف الأهم والاساسي هو "سرعة تقدم التصنيع العسكري التركي المستقل"
هنا مربط الفرس وهذا ما يزعج ويقلق صناع القرار بالغرب عامة ولوبي التصنيع العسكري الامريكي بشكل خاص..
تصنيع تركيا لطائرات مسيرة (ايها و سيها) وطائرات البيرقدار التي قلبت الموازين بليبيا ومعركة قره باخ الأخيرة، هو السبب الرئيسي والخفي وراء كل هذه المحاولات لثني تركيا ووأد هذا الدور المتعاظم...
فحقيقة الأمر أن أمريكا تريد عودة تركيا لبيت الطاعة والولاء، وتريد من تركيا أن تكون "حليفاً" تابعاً مستهلكاً غير مُصنعاً..
تريد من تركيا أن تكون شرطياً تُنفذ التعليمات ولا تعارض الأوامر، ولا تُخالف المخططات والسياسة الأمريكية بالمنطقة...
وتريد ذلك من خلال " الاخضاع" والتهديد والوعيد والتخويف بسبب العقلية الغربية والعنجهية الأمريكية والخلفية الاستعمارية لهذه الدول، وليس من خلال التعامل بالمثل والندية واحترام سيادة الدول واستقلالية قراراتها...
لكن تركيا اليوم ليست تركيا الأمس طبعا..
وتركيا تدرك سلبيات الطاعة،ومضاعفات التحدي ..
وربما اختارت خارطة طريقها تجاه هذا السياسة الامريكية القديمة الجديدة.. وتنتظر القيادة الجديدة وأفعالها..
إما قبول وتابعية وهذا يعني فقدان كل شيء..!!
وإما تحدي واصرار واستعداد لكل المضاعفات والضغوطات مهما كانت..!!
كل المؤشرات تقول أن تركيا ستختار الطريق الثاني مهما كان محفوفاً بالمخاطر والتحديات والمطبات..
لكن ضمن سياسة شعار أردوغان الذي يكرره دائماً
الثبات بدون تصلب..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس