ترك برس
استعرض تقرير في شبكة الجزيرة القطرية تفاصيل حول قصة تركيا مع صندوق النقد الدولي الذي أكد الرئيس رجب طيب أردوغان، أن بلاده لا تدين له "ولو بفلس واحد".
وأكّد التقرير أن تركيا خاضت معارك طويلة مع صندوق النقد الدولي قبل وبعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، إلى أن ربحت المعركة بتسديد آخر دفعة في العام 2015، بعد 52 عاما من المعاناة جراء ديونها لدى الصندوق.
وقبل أيام، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية أن بلاده لا تدين لصندوق النقد الدولي "ولو بفلس واحد"، لافتا إلى أن الاحتياطي الحالي للمركزي التركي يفوق 95 مليار دولار.
كيف استطاعت تركيا تصفير ديونها مع صندوق النقد؟
في منتصف عام 2015 أعلن أردوغان، الذي كان آنذاك رئيسا للوزراء، تمكّن بلاده من تسديد جميع ديونها المستحقة لصندوق النقد الدولي، الذي كان لها معه ماض متوتر، مما يجعلها عضوة في نادي الدول غير المدينة للمؤسسة الدولية، وقال "تركيا تمكنت بعد مدة طويلة من التسديد الكامل لدينها لصندوق النقد الدولي". وبذلك أصبحت تركيا لأول مرة بلا ديون لصندوق النقد منذ 52 عاما.
وفي حديث للجزيرة، أرجع محمد كلوب الباحث الاقتصادي بجامعة يلدريم بيازيد نجاح تركيا في تصفير ديونها مع صندوق النقد إلى 3 عوامل:
1- الاستقرار الاقتصادي والسياسي وما تبعه من قفزة في الناتج المحلي الإجمالي للضعفين في الفترة 2002-2008 من ما يقارب 250 مليار دولار إلى 770 مليار دولار سنويا.
2- التحرر من قيود صندوق النقد الدولي على أبواب الإنفاق الحكومي وكذلك الاقتراض في العام 2008، مما أتاح الفرصة للإنفاق والاقتراض غير المشروط، وهذا الأمر أدى إلى تركيز الحكومة التركية على مشاريع البنية التحتية التي هيأت الفرصة لتسارع النمو الاقتصادي.
3- انخفاض قيمة الدين العام من 45% إلى 35% من الناتج المحلي، وذلك نتيجة القفزة الاقتصادية وآثارها الإيجابية على إيرادات الحكومة ورصيد البنك المركزي التركي.
كم كان حجم ديون تركيا للصندوق؟
كانت تركيا مدانة لدى الصندوق بأكثر من 16 مليار دولار حتى عام 2002، الذي تولى فيه حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، وعانى الاقتصاد التركي بين عامي 1981 و2002 من موجات قاسية من الركود، دفعت بالمنظومة الاقتصادية إلى مراتب متأخرة جدا في قائمة اقتصادات العالم، لا سيما الأزمة المالية عام 2001 حيث تراجع معدلات التنمية بشكل مخيف وارتفعت نسب البطالة والعجز والتضخم التي تراوحت في عقد التسعينيات بين 70% و90%.
ووصل العجز في الميزانية التركية خلال ذلك العام إلى 16%. كما وصلت الدّيون العامة إلى 74%، وتدنّى الدخل القومي إلى مستويات كبيرة، حيث بلغ 180 مليار دولار، وانخفضت قيمة العملة التركية بنسبة 100%.
وفي عهد العدالة والتنمية، تمت الاستدانة من صندوق النقد خلال فترتين، الأولى كانت في العام 2002 وانتهت في العام 2005 بما يقارب 12 مليار دولار، تبعتها فترة تجديد التوقيع على برنامج الدعم في عام 2005 التي انتهت بدورها في العام 2008 بما يقارب 6 مليارات دولار، لم تستخدم منها تركيا إلا 4.5 مليارات دولار، وفق بيانات نشرها صندوق النقد الدولي.
لماذا يصر أردوغان على الفكاك من صندوق النقد؟
يرفض أردوغان اللجوء لصندوق النقد لثلاثة أسباب رئيسية، وفق الباحث الاقتصادي كلوب:
1- لإيمانه بأن اللجوء لصندوق النقد الدولي سيجبر الحكومة على اتباع سياسة إنفاق انكماشية ستؤدي لإيقاف عجلة النمو الاقتصادي.
2- فجوة الأهداف بين صندوق النقد من جهة ورؤية الرئيس التركي من جهة أخرى، إذ يشترط الصندوق الاعتماد على الفائدة، وهذا يعني أن البنك المركزي سيكون مضطرا لرفع سعر الفائدة من دون سقف في ظل معارضة أردوغان الشديدة لرفع أسعار الفائدة وتشجيعه لخفضها لدفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، وهو ما لن يتحقق في حال لجوء تركيا لصندوق النقد.
3- خشية استخدام جهات خارجية ورقة صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة التركية للتنازل في بعض القضايا الإقليمية السياسية.
ما حجم ديون تركيا الداخلية والخارجية بشكل عام؟
وفق تقرير الدين العام لوزارة المالية التركية لعام 2020، تضاعف حجم الاقتراض الحكومي المحلي خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث بلغ 468 مليار ليرة تركية (نحو 62 مليار دولار) في العام 2016، وارتفع تدريجيا ليصل لقرابة 800 مليار ليرة تركية (نحو 106 مليارات دولار) في العام 2020.
وبالنسبة للديون الخارجية، فقد أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية في بيان أن إجمالي الدين الخارجي لتركيا بلغ 431 مليار دولار في نهاية العام 2020. وقالت الوزارة إن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي بلغت في ديسمبر/كانون الأول الماضي 56.9%، وبلغ صافي الدين الخارجي للبلاد 256.5 مليار دولار بما نسبته 33.8% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأظهرت بيانات نشرتها وكالة بلومبيرغ (Bloomberg) أن إجمالي الديون الخارجية المضمونة بالخزانة بلغ 14.2 مليار دولار حتى نهاية مارس/آذار الماضي. وبلغ رصيد الدين الحكومي العام الذي حدده الاتحاد الأوروبي نحو 1.55 تريليون ليرة تركية (235 مليار دولار)، أو 35.1% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية مارس/آذار الماضي، وبلغ صافي الدين العام 782.2 مليار ليرة تركية (118 مليار دولار) في الشهر ذاته.
وبلغ العجز في الحساب الجاري لتركيا حتى نهاية العام الماضي نحو 30 مليار دولار، وهو ما يعني -وفق تقديرات الخبراء- أن احتياج تركيا من التمويل الخارجي سيبلغ 195 مليار دولار.
تأثير الديون الداخلية والخارجية على الاقتصاد المحلي؟
وفي السياق، ذكر الباحث الاقتصادي كلوب أن الاقتراض الخارجي يشكّل تحديا للدول التي تعاني من الانخفاض المستمر في عملتها المحلية مثل تركيا، إذ إن تكلفة الدين ترتفع بانخفاض قيمة العملة، إضافة للتنازلات الأخرى التي من الممكن أن تقدمها الدولة للمقرضين.
وبالنسبة للاقتراض المحلي وخصوصا بالعملة المحلية، فانه -حسب كلوب- يحصن الدولة من تقلبات سعر الصرف، وكذلك يرفع الضغوط الاقتصادية والسياسية عن كاهل الحكومة.
ولكن ما يعيب الدين الداخلي هو آثاره الجانبية السلبية على توزيع الدخل، ومنافسة الدولة للقطاع الخاص للحصول على التمويل اللازم من المؤسسات المالية، مما يؤثر على النمو وعدم تلبية الاحتياجات النقدية للقطاع الخاص. وعلى الرغم من سلبيات هذا الخيار، فإنه يعد الأفضل لتركيا حاليا بشرط المحافظة على استقرار سعر الصرف والتضخم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!