ترك برس
تشهد الساحة الداخلية في تركيا جدلًا محتدمًا حول وضع اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم 3.5 ملايين في عموم البلاد على خلفية تحركات عنصرية من قبل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة.
لم يكد السوريون في تركيا يستفيقون من صدمة إعلان رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كلجدار أوغلو، قبل أيام، عزمه على إعادة السوريين إلى بلادهم خلال عامين من توليه الحكم، في حال فوز المعارضة بالانتخابات التي تُجرى عام 2023، حتى أصدرت بلدية بولو التابعة للحزب نفسه، قرارات جديدة تشمل الضغط على السوريين من أجل الرحيل عن الولاية.
هذا الأمر ولّد مخاوف كبيرة لدى السوريين من تأثير هذه القرارات في المجتمع وزيادة الشرخ الحاصل في الشارع، في ظل تحميل بعض المواطنين الأتراك السوريّين مسؤولية وتبعات تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم البطالة. بحسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد.
وتمثلت الصدمة الجديدة بإعلان رئيس بلدية ولاية بولو التابعة لحزب الشعب الجمهوري المعارض، تانجو أوزجان، اتخاذ البلدية إجراءات إضافية لطرد السوريين والأجانب من الولاية، من خلال رفع أسعار بعض الخدمات عشرة أضعاف، كالمياه، وهي ضرورة حياتية، بهدف الضغط عليهم من أجل مغادرة الولاية، ليضاف هذا الإجراء إلى قطع المساعدات عنهم عقب توليه منصبه عام 2019.
ودعا أوزجان الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان إلى إرسال السوريين إلى بلادهم، قائلاً: "نقطع المساعدات عن الأجانب ولا نمنحهم رخصاً لمزاولة أعمالهم، لكنهم لا يرحلون، والآن اتخذنا قرارات وإجراءات جديدة ستطرح للموافقة عليها في مجلس البلدية الأسبوع المقبل، وهي رفع أسعار الخدمات 10 أضعاف على الأجانب، منها رفع قيمة أسعار المياه والضرائب، ولن يسمح للأجانب باستخدام المياه بذات أسعار استخدام الأتراك لها".
وتقع الولاية التركية الصغيرة بين إسطنبول وأنقرة في منطقة سياحية، ويبلغ عدد سكانها قرابة 312 ألف نسمة، وتضمّ نحو أربعة آلاف سوري فقط، يحملون بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) أو إقامات رسمية، لكنها منطقة سياحية تشهد استثمارات أجنبية وتضم مقيمين عراقيين يملكون منازل في الولاية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن سبب إصرار الولاية على طردهم منها، ومصير بقية السوريين في الولايات الأخرى.
ولفتت صحيفة العربي الجديد إلى أن موضوع اللجوء بات على الأجندة اليومية في تركيا، مع تراجع الأوضاع الأمنية في أفغانستان عقب الانسحاب الأميركي وزيادة موجات لجوء من تلك المنطقة نحو تركيا، ما جعل اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً في دائرة الجدال في البلاد.
وبرّر أوزجان قراراته، قائلاً إنها "تدفع باتجاه ترك الأجانب للولاية والعودة إلى بلادهم، إذ إن ضيافتهم طالت، ولا توجد لدينا السلطة لطردهم. من هذه النقطة، نقول إنه عندما غضب أردوغان وفتح الحدود أرسلنا عدة حافلات باتجاه الحدود (الأوروبية)، والآن مستعدون للأمر نفسه من أجل إرسال السوريين إلى بلادهم، إذ إن (الرئيس السوري بشار) الأسد يطالب باللاجئين، ويقول إنه مستعد لاستقبال النازحين، فليذهبوا. إلى متى ستتحمل تركيا حِمل السوريين؟".
واتهم السوريين الذين خاطبهم كأجانب في بعض الأحيان بأنهم "لا يخدمون في الجيش، ولا يدفعون الضرائب، ويحصلون على المساعدات، فأبناء البلد ينامون جياعاً والسوريون يلبسون أحذية رياضية بماركات غالية الثمن". وقال إن هناك لاجئين يتجوّلون بأحذية لا يستطيع هو شراءها "فكيف هم لاجئون؟".
هذه التطورات عمّقت مخاوف السوريين المقيمين في الولاية وفي عموم تركيا من موجة جديدة من الضغط السياسي والاجتماعي بحقهم، وخصوصاً أنه سيكون للتصريحات السياسية هذه تأثير في الشارع، وتحديداً الفئة التي ترفضهم وتحمّلهم مسؤولية التراجع الاقتصادي.
كذلك فإن الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019، والتي وضعت السوريين في الواجهة أيضاً، أنتجت حوادث عنف ومواجهات وتنمّر وعنصرية نحو السوريين في مختلف الولايات التركية، وإن كانت الحكومة التركية قد أعلنت مراراً تمسكها بحماية السوريين.
وصحيح أن البلديات لا تملك سلطة طرد السوريين، إلا أن لقراراتها أبعاداً نفسية، وتضع السوريين أمام مرحلة جديدة، وخصوصاً أن حزب الشعب الجمهوري المعارض يرأس 11 بلدية كبرى من بينها مدن كبيرة مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير وأنطاليا وأضنة، و10 ولايات و191 قضاءً. وبالتالي، من شأن تعميم التجربة الضغط على ملايين من السوريين، وإن كان لا يجبرهم على الرحيل.
والأزمة السورية من أبرز الملفات التي تتخذها المعارضة سبباً للهجوم على الحكومة، متهمة إياها بدفع رواتب شهرية لهم وتقديم خدمات مجانية وإعفاءات ضريبية، وإن لم يكن ذلك صحيحاً.
في هذا السياق، يقول المواطن السوري المقيم في الولاية، محمد صالح: "نشعر بصدمة كبيرة من جراء القرارات المتخذة"، مضيفاً: "كنا نعاني ضغطاً نفسياً في الولاية بسبب رئيس البلدية الجديد، ونتعامل بحذر. لكن التطورات هذه ستجعلنا بالتأكيد نفكر في الرحيل وإيجاد ولايات بديلة لنا، بعدما فقدنا المأوى في ريف حمص.
وهنا لا نشعر بالارتياح، والبديل بالتأكيد هو الرحيل إلى منطقة أخرى أو العودة إلى سورية، لأننا بالفعل نعاني من جراء التبعات السياسية للصراع القائم بين الأحزاب، ونواجه ضغوطاً نفسية كبيرة نرغب في التخلص منها وتأسيس حياة جديدة لنا". حسبما نقلت الصحيفة.
من جهته، يقول السوري أحمد المحمد: "اخترنا هذه الولاية للإقامة فيها، نظراً لهدوئها وقربها من المدن الرئيسية، وقلة السوريين فيها وسهولة استخراج أوراقنا الرسمية وتنفيذ معاملاتنا، لكن ما وصلنا إليه اليوم من حالة صعبة وضغط نفسي يجعلنا نفكر ملياً في المغادرة. لكن نخشى أن نغادر إلى ولاية أخرى ونواجه الأمر نفسه، إذ إن المرحلة الحالية تشهد صراعاً سياسياً كبيراً في البلاد المقبلة على الانتخابات.
نأمل أن نجد الأمان مجدداً، الذي فقدناه منذ أن دمر النظام بيوتنا بقصفه. وإن لم نجده هنا، فالرحيل إلى الداخل السوري أو ركوب مغامرة البحر هو الخيار الباقي لنا".
من الناحية القانونية، يقول المحامي ألبير عثمان كنج: "قانونياً، لا يمكن رئيس البلدية إصدار قرارات تتعلق بعمليات الترحيل، لأن البلديات معنية بتقديم الخدمات في الولايات التي تحت سيطرتها، وهي خدمات إدارة المدينة من نظافة ومياه وصرف صحي وتحصيل ضرائب محددة. ويرتبط موضوع الترحيل بالسلطة المركزية، وهي حكومة الرئيس أردوغان التي ما زالت تدعم السوريين، وممثل الحكومة أو الرئيس هو الوالي، وأي قرار بالترحيل يكون نافذاً إذا كان متخذاً من قبل الوالي.
بناءً على ذلك، قرارات رئيس البلدية هي قرارات رمزية تظهر وجهة نظر فقط ومزاجاً لدى شريحة سياسية معينة، ولن يكون لها وقع وتأثير قانوني. بالطبع، ستكون القرارات محط جدال بين المنظمات المعنية بحقوق اللاجئين الذين قد يرفعون دعاوى قضائية بحق البلدية أو عبر وزارة السياحة التي قد تجد في استهداف الأجانب تأثيراً على المستثمرين في المنطقة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!