توران قشلاقجي - القدس العربي
اعتادت الولايات المتحدة والغرب بشكل عام على التصرف كقوى عظمى غير مسؤولة مع الأسف. ويجب أن يعلم الغربيون بأن نفاقهم أمام الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين لن يمحى من أذهان شعوب العالم لسنوات طويلة. سواء كان ترامب أو بايدن رئيسا في الولايات المتحدة، فإن نفاقهم تجاه العالم خارج الغرب لا يتغير. تشير سياسة إدارة بايدن في غزة إلى بؤس جديد لـ»الاستثنائية الأمريكية»، ما يؤدي إلى تراجع ديمقراطي في الداخل، ويُنظر إليه على أنه «المشكلة التي تمنع تشكيل عالم عادل» في الخارج.
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي هجماتها الهمجية ضد أصغر وأفقر منطقة في العالم، وتفرض عليها حصارا بريا وجويا وبحريا منذ 17 عاما، ولكنها ما زالت تتكبد خسائر فادحة أمام المقاومة الفلسطينية في تلك المنطقة. إن زمن «الدعم غير المشروط» الذي تقدمه الولايات المتحدة والغرب للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل قد اقترب من نهايته. وهناك قلق متزايد في العواصم الغربية من عدم وجود خطة لدى إسرائيل للخروج من هذا الواقع، وهناك ميل للضغط على حكومة نتنياهو حتى لا تطيل أمد الصراع.
السبب الأول لهذا الاتجاه هو رد الفعل على مجازر المدنيين في المجتمعات الغربية، والاحتجاجات الحاشدة التي تجسد ذلك. والسبب الثاني هو الحركة الدبلوماسية التي تقوم بها بعض الدول، خاصة تركيا وقطر. أما السبب الثالث، فهو عدم طرح إسرائيل خطة حل سوى قتل وتهجير سكان غزة. لا تريد واشنطن ولا العواصم الأوروبية أن تظل غزة منطقة حرب تستمر لأشهر وسنوات. لأن مثل هذا الوضع ينطوي على مخاطر مثل، جلب موجة جديدة من التطرف في الشرق الأوسط وتعزيز يد روسيا والصين في التنافس القائم بين القوى العظمى.
أدرك رجال الدولة في الغرب هذا الاتجاه ولذلك أصبحوا ينتقدون سياسة إسرائيل في غزة. وبعد 67 يوما من الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال، قال الرئيس الأمريكي بايدن إن إسرائيل بدأت تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم، بسبب قصف غزة الذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين. وأضاف بايدن: «نتنياهو صديق جيّد، لكنّني أعتقد أنّ عليه أن يتغيّر»، مشيرا إلى أن «الحكومة الحالية هي الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل وهي لا تريد حل الدولتين». كما صدر بيان مشترك عن أستراليا وكندا ونيوزيلندا، جاء فيه: «نحن ندعم استئناف وقف إطلاق النار والجهود الدولية العاجلة المبذولة من أجل وقف دائم لإطلاق النار»، وأضاف: «نرفض إجبار الفلسطينيين على النزوح، واحتلال قطاع غزة مجددا، وكذلك أنواع الحصار كافة». مشدّدا على أنه «لا يمكن أن تكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين هي ثمن هزيمة حماس».
لا شك في أن هذه التصريحات «غير المباشرة والاستراتيجية» لن توقف جيش الاحتلال الإسرائيلي عن ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، والدعوة الخجولة التي يطلقها رجال الدولة الغربيون إلى إسرائيل «لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين» هي دعوة منافقة وبائسة ومخزية. من جهة أخرى، يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، انتقاد الغرب بنبرة صريحة. وقال أردوغان مؤخرا، إن «الأمم المتحدة التي أسست لحماية الأمن والسلام العالميين، لا تستطيع أن تحمي حتى موظفيها من همجية إسرائيل»، وأضاف: «ربما يكون الفلسطينيون هم الذين ماتوا جسديا في الهجمات الإسرائيلية، ولكن الذي تهدم بالكامل هو الأيديولوجيات والمعاهدات والبيانات والمبادئ المتغطرسة، التي يتبناها كل شخص ومؤسسة ودولة تقف إلى جانب إسرائيل وتدعم هذا القمع أو تلتزم الصمت حياله».
خلاصة الكلام؛ من المهم مواصلة الدبلوماسية والمظاهرات الحاشدة وحملات المقاطعة لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، لكن الدول الإسلامية والمنظمات الأهلية عليها أيضا أن تتخذ المزيد من الخطوات الاستراتيجية ضد هذا التهور من جانب الولايات المتحدة والغرب، ويجب أن تظهر بخطوات جريئة وجودها كقوة مؤثرة في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حاليا. وباختصار، يجب على الدول الإسلامية الآن أن توحد قواها ضد الولايات المتحدة والغرب. لأن السبب الرئيسي للمشاكل في هذه المنطقة، خاصة غزة والسودان والعراق واليمن وليبيا، هو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب نفسه. وعليها أيضا أن تعلم بأنها إذا لم تسع إلى التوحد من أجل التوصل إلى حل اليوم، فإن المصير نفسه سيكون في انتظارها غدا، مهما كان شكل التحالف السري الذي يجمعها مع الغرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس