ترك برس
أحيا السوريون قبل أيام الذكرى الـ 13 لانطلاق شرارة ثورتهم التي نادت برحيل نظام بشار الأسد عام 2011، قبل أن تتغير مسار الأمور من ثورة شعبية سلمية إلى صراعات مسلحة تدخل فيها القاصي قبل الداني، ونال السوريون نصيبهم منها بين قتل وتشريد ونزوح ولجوء وجوع، وسط مقترحات حلول عديدة لضمان أمنهم وتأمين معيشتهم، كانت أبرزها العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري لتأمين مأوى آمن للنازحين من هجمات النظام.
تجددت المظاهرات الشعبية في شمال وجنوب البلاد بالتزامن مع حلول الذكرى الـ13 لاندلاع الثورة السورية، وأكد المتظاهرون على تمسكهم بمطالبهم، مع متغير جديد وهو التنديد ببعض سلطات أمر الواقع التي تسيطر اليوم على مواقع معينة، في ظل حالة تجميد للصراع بين المعارضة السورية والنظام منذ مارس/آذار 2020 وثبات في خطوط الاشتباك.
بعد شهرين على انطلاق المظاهرات رأت لجان التنسيق ضرورة الانتقال إلى مرحلة الاعتصامات الكبيرة في ساحات المحافظات العامة، فاتفقت لجان التنسيق في محافظة إدلب على التوجه إلى ساحة المحافظة في 20 مايو/أيار 2011 ضمن أحد أيام الجمعة التي أطلق عليها المنسقون اسم "جمعة الحرية" أو "آزادي" بالكردية، للتأكيد على توحيد مطالب مختلف مكونات الشعب السوري.
تعرض المتظاهرون لإطلاق نار يعتقد أن مصدره معسكر المسطومة قبل مدخل مدينة إدلب الغربي، مما أدى إلى مقتل 8 متظاهرين وجرح عدد آخر وانشقاق بعض عناصر القوات الأمنية التي استنكرت الفعل، لتشكل هذه الأحداث شرارة باكورة الأعمال المسلحة العلنية ضد القوات الأمنية التابعة للنظام السوري، وساهمت في تسريع الزج بوحدات الجيش في المواجهة مع المحتجين وعناصر حماية المظاهرات المسلحين، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
التدخل العسكري الروسي
انخرطت إيران بشكل واسع في دعم النظام السوري ضد المعارضة السورية المسلحة عن طريق إرسال خبراء من الحرس الثوري الإيراني والاستعانة بفصائل مدعومة من طهران، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي ولواءي "فاطميون" الأفغاني و"زينبيون" الباكستاني.
لكن المعارضة تمكنت من الاستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وشارفت على حسم الحرب لصالحها في مطلع عام 2015 عندما شنت فصائلها في ريف دمشق ومحافظة إدلب هجوما متزامنا على مواقع النظام في دمشق وإدلب نتجت عنه السيطرة بشكل شبه كامل على محافظة إدلب والوصول إلى أبواب محافظة اللاذقية التي تؤوي أكبر حاضنة شعبية للنظام.
كما هددت المعارضة سيطرة النظام على العاصمة دمشق، مما دفع روسيا إلى اتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر في سبتمبر/أيلول 2015، فأرسلت أسراب طائرات حربية ومستشارين عسكريين لمساندة النظام السوري والفصائل المدعومة من إيران، وأسست قاعدة جوية في حميميم بريف اللاذقية وأخرى بحرية في طرطوس.
عقدت روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية اتفاقا في فبراير/شباط 2016 يعرف باسم "كيري- لافروف" نسبة إلى وزيري خارجية البلدين آنذاك، وتضمن تقسيم السيطرة على الأجواء السورية إلى غرب نهر الفرات وشرقه، وتقرر أن تكون المنطقة الأولى تحت سيطرة روسيا والأخرى تحت سيطرة واشنطن.
خلال تلك الفترة لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بدعم المعارضة بحجة التركيز على هزيمة تنظيم الدولة، وحولت دعمها تدريجيا لصالح وحدات حماية الشعب الكردية التي أصبح اسمها في ما بعد "قوات سوريا الديمقراطية"، مع إيقاف الدعم بشكل كامل عن المعارضة السورية في بداية 2016.
مهّد الاتفاق الأجواء لقيادة روسيا عمليات عسكرية عدة ضد المعارضة السورية، أولاها استهدفت تقويض سيطرة المعارضة على أحياء مدينة حلب الشرقية، وانتهت بمغادرة الفصائل هذه الأحياء في ديسمبر/كانون الأول 2016 تحت ضغط الغارات الجوية والمجازر بحق المدنيين.
اتفاق أستانا
وفي أعقاب ذلك تم توقيع اتفاق أستانا لخفض التصعيد بمشاركة تركيا وروسيا وإيران، وانتشرت بموجبه نقاط مراقبة للدول الضامنة داخل الشمال السوري وفي محيطه، خاصة تركيا التي دفعت بآلاف الجنود إلى الشمال السوري.
بعد سقوط حلب نفذت روسيا عملية عسكرية مماثلة في الغوطة الشرقية مماثلة لعملية حلب انتهت باتفاق تهجير الفصائل ومن يرغب من معارضي النظام السوري باتجاه الشمال في أبريل/نيسان 2018.
في 2018 وقعت روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والأردن والإمارات اتفاق القدس الأمني، وبموجبه تم إنهاء دعم فصائل المعارضة السورية الجنوبية، وإتاحة المجال أمام سيطرة قوات النظام السوري على محافظتي درعا والقنيطرة بموجب تعهدات روسية بمنع نشاط الفصائل الإيرانية قرب هضبة الجولان المحتلة.
وانتهى الأمر باتفاق التسوية صيف عام 2018، والذي أتاح المجال لمن يريد المغادرة من فصائل درعا باتجاه الشمال السوري، وبقاء من يرغب مع تسليمه السلاح الثقيل.
في مايو/أيار 2019 اتجهت روسيا لحسم المعركة في إدلب، وأطلقت حملة عسكرية سيطرت من خلالها على مساحة جغرافية واسعة من ريف حماة وجنوب إدلب، لكنها اصطدمت بالموقف التركي الرافض لاستمرار العمليات العسكرية، خاصة في ظل انتشار القوات التركية في المنطقة بموجب تفاهمات أستانا، وتم توقيع اتفاق مارس/آذار 2020 الذي جمد الصراع بين النظام السوري والمعارضة.
التدخل العسكري التركي المباشر
أطلقت تركيا في أغسطس/آب 2016 سلسلة عمليات عسكرية ضد تنظيمي "داعش" و"بي كا كا" الإرهابيين المنتشر على الأراضي السورية بموجب تفاهمات مع الأطراف الدولية الفاعلة في الملف، وبدأت بعملية درع الفرات التي شاركت فيها فصائل من المعارضة السورية، ونتج عنها طرد تنظيم "داعش" من جرابلس والباب بريف حلب.
في يناير/كانون الثاني 2018 نفذت تركيا عملية غصن الزيتون ضد مجموعات مرتبطة بتنظيم "بي كا كا" الإرهابي، ودعمت من خلالها سيطرة فصائل من المعارضة السورية منضوية ضمن مسمى "الجيش الوطني" -الذي تأسس صيف 2017 بدعم تركي- على مدينة عفرين.
بعد ذلك، كانت عملية نبع السلام في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد "بي كا كا" الإرهابي وكان نطاقها الجغرافي مدينة رأس العين في الحسكة، وتل أبيض في الرقة، وحملت هذه العملية أهمية خاصة كونها أول اختراق لتركيا في منطقة شرق الفرات الخاضعة للنفوذ الأميركي.
أفرزت تلك الأحداث الواقع الحالي على الأراضي السورية، من حيث انقسام مناطق السيطرة بين قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة تركيا، والمنتشرة في ريف حلب ورأس العين وتل أبيض، بالإضافة إلى منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام التي أعلنت في صيف 2016 الانفكاك عن تنظيم القاعدة والتخلي عن اسم جبهة النصرة.
كما يحافظ النظام السوري اليوم على مساحة واسعة من البلاد بدعم من روسيا وإيران، في ظل ثبات تام لخطوط الاشتباك وجمود المفاوضات السياسية التي توقفت بشكل كامل بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والخلافات التي تفاقمت بين روسيا والغرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!