ترك برس

عادت تركيا لتتصدر عناوين الأخبار العالمية، بسبب المظاهرات التي تشهدها إسطنبول ومدن أخرى. يواجه الناس صعوبة في فهم ما يجري في البلاد، لكن هذا الوضع ليس خاصاً بتركيا؛ فالغموض يهيمن على المشهد السياسي العالمي بأكمله، وفقا للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي.

يقول قشلاقجي في مقال بصحيفة القدس العربي إن العالم الذي شهد أزمات كبيرة في جميع المجالات خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، يمر بمرحلة تحول جذرية، ويمكن رصد تداعيات هذا التحول في جميع البلدان، مشيرا إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، ليست سوى مثال واحد على هذا التغيير.

أما بالنسبة لتركيا، فقد اندلعت الاحتجاجات بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول السابق أكرم إمام أوغلو، وفريقه في إطار تحقيقات تتعلق بتهم فساد. نزل الناس إلى الشوارع بعد دعوة حزب الشعب الجمهوري (CHP)، حزب المعارضة الرئيسي. ولكن من الغريب أنه بينما كان أكرم إمام أوغلو يُنقل إلى السجن، كان حزب الشعب الجمهوري يحاول لفت انتباه الرأي العام من خلال تمثيلية الانتخابات التمهيدية ذات المرشح الواحد. بحسب قشلاقجي.

وتابع المقال:

كان معظم المتظاهرين من الشباب، ومن بين هؤلاء الشباب من يحزن على سقوط نظام الأسد، ومنهم من يشعر بالإحباط بسبب حكم حزب العدالة والتنمية (AKP) المستمر من 24 عاماً. كما أنهم كانوا يشتكون من فشل قادة حزب الشعب الجمهوري في تقديم معارضة فعالة، لكن ضمن هذه المجموعات، قامت أقلية ذات توجهات يسارية متطرفة بتخريب القبور في ساحة مسجد شهزاده باشا، المقابل لمبنى بلدية إسطنبول الكبرى، واعتدوا على المصلين بزجاجات البيرة التي كانوا يحملونها.

في الواقع، عملية مكافحة الفساد التي أطلقتها الدولة، لم تستهدف حزب الشعب الجمهوري فقط، بل شملت جميع الأحزاب السياسية. ومن بين البلديات المشمولة بالتحقيق، كانت هناك 59 بلدية تابعة لحزب العدالة والتنمية، و58 بلدية تابعة لحزب الشعب الجمهوري، و21 بلدية تابعة لحزب الحركة القومية (MHP)، و10 بلديات تابعة لحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، و7 بلديات تابعة لحزب الجيد (İYİ). لكن بدء العملية من إسطنبول فُسِّر على أنه محاولة من الرئيس أردوغان لإبعاد إمام أوغلو، الذي يُعتبر منافساً محتملاً في الانتخابات. ومع ذلك، فإن الحقيقة التي تم تجاهلها هي، أن أول من سلّم وثائق الفساد إلى الدولة كانوا أعضاء من حزب الشعب الجمهوري أنفسهم، خاصة فريق رئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو. فقد قام إمام أوغلو بشراء ذمم بعض نواب حزب الشعب الجمهوري، مقابل المال لتنفيذ انقلاب داخل الحزب ضد كليتشدار أوغلو. تم إطلاق تحقيق حول اتهامات بالفساد (بقيمة 560 مليار ليرة تركية) وارتباطات إرهابية تتعلق ببلدية إسطنبول الكبرى. وكان هناك ملفان رئيسيان أديا إلى اعتقال إمام أوغلو: الأول يتعلق بتعميق التحقيق في عملية شراء مقر حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول عام 2019، والثاني يتعلق بتوسيع نطاق التحقيق في المخالفات الخاصة بعقود إعلانات الهواء الطلق لبلدية إسطنبول منذ عام 2021. وتم دمج هذين الملفين. وقد قدم إمام أوغلو إفادة مكونة من 121 صفحة، واستُجوب 25 شاهداً، معظمهم من حزب الشعب الجمهوري. وكان أربعة شهود فقط سريين. وجميع الشهود تقريباً كانوا، إما موظفين في بلدية إسطنبول، أو مقربين من الإدارة العليا، بل إنه قبل أسبوع من فتح التحقيق ضد إمام أوغلو، تم اعتقال رئيس بلدية بيوك تشكمجه التابع لحزب الشعب الجمهوري بتهم فساد. والمثير للاهتمام أن وثائق فساد بيوك تشكمجه أيضاً تم تسليمها للدولة من قبل أعضاء مقربين من إمام أوغلو داخل الحزب.

حزب الشعب الجمهوري منشغل الآن بصراعاته الداخلية، فرئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو، الذي أطيح به منذ فترة، رفع دعوى قضائية ضد حزبه، وقدم طلباً رسمياً لإلغاء مؤتمر الحزب لعام 2023. وسيعقد حزب الشعب الجمهوري مؤتمراً استثنائياً في 6 أبريل للنظر في هذه القضية الداخلية. ويعتقد البعض أن كليتشدار أوغلو قد يعود لمنصبه. ومن ناحية أخرى، يُزعم أن رئيس الحزب الحالي، أوزغور أوزيل، منع تعيين وصي على الحزب من قبل الدولة عبر التوصل إلى اتفاق. والأنظار تتجه الآن إلى 6 أبريل: هل سيكون الفائز كمال كليتشدار أوغلو أم أوزغور أوزيل؟

خلاصة القول؛ مرة أخرى، كان الشباب الذين يتبعون حزب الشعب الجمهوري هم الأكثر تضرراً. لقد أصبحوا ضحايا للصراع الداخلي في الحزب، لكنهم لم يدركوا ذلك حتى الآن. لقد اعتقدوا أنهم يطلقون حركة مشابهة لأحداث حديقة غيزي عام 2013، لكنهم في نظر الشعب تحولوا إلى جيل يدافع عن الفساد. بينما في الحقيقة، كان أعضاء حزب الشعب الجمهوري هم من يبلغون عن بعضهم بعضا. والهدف الحقيقي هو عودة كليتشدار أوغلو إلى زعامة الحزب في مؤتمر 6 أبريل. وإذا تم انتخاب أوزغور أوزيل مجددا، فسيدرك هؤلاء الشباب لمصلحة من خرجوا إلى الشوارع. لكن الأضرار الأكبر لحقت حتما بتركيا. لو كان حزب الشعب الجمهوري منزعجاً حقاً مما يحدث، لاستقال جميع نوابه معاً ودفع البلاد نحو انتخابات مبكرة. لكن من الواضح أن هذه ليست نواياهم… في رأيي، أكبر مشكلة في تركيا هي عدم وجود معارضة مؤهلة…

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!