جدعون ليفي - صحيفة هآرتس - ترجمة وتحرير ترك برس
هناك مسرحيات من الأفضل عدم عرضها مطلقا، حتى لو كانت مرحلة البروفات قد انتهت. وثمة حبكات قصصية نهايتها متوقعة أيضا إلى درجة أن من المؤسف تكبد عناء كتابتها. وهناك محاكمات صورية ملفقة من الأفضل ألا تعقد على الإطلاق مثل محاكمة الجندي إليؤور أزريا فهي أسوأ مسرحية في المدينة، تحددت نهايتها قبل أن تبدأ. من الأجدر وقف هذه النكتة فورا بإطلاق سراح الجندي وإعادته إلى مكانه في الخليل، ومنحه وساما حسبما تقتضي روح العصر. هذه المسرحية التي يعرضها مسرح الجيش الإسرائيلي في المحكمة العسكرية بيافا ستنتهي بصورة مماثلة أي بصفقة مع دفاع المتهم وتخفيف العقوبة والعفو وقناع زائف ومضلل للإجراءات القضائية الصحيحة. قول الحقيقة أفضل.
والحقيقة أن كل شئ قد خطط له مسبقا، فمثلما يحدث في مسلسل واقع ردئ يلعب الجميع دورهم في المسرحية: القاضي والمدعي العام ومحامي الدفاع والجمهور، وكأنه لا يوجد إخراج حدد كل شئ مسبقا. ومثلما يحدث في مسلسل واقع ردئ فالسيناريو مزيف من الأساس لا يصدقه سوى السذج. بدأت المسرحية بتوجيه الاتهام بالقتل ثم تحول إلى الاتهام بالقتل غير المتعمد، وبعد ذلك بدأت الغرابة بالاعتقال المفتوح داخل القاعدة العسكرية في تناقض تام، مثل مقولة " الاحتلال المتنور" و"طهارة السلاح". الجندي أزريا معتقل تأتيه أواني الطعام يوم السبت، ويزوره أبوه وأمه في القاعدة. أين الفلسطيني الذي حظي في أي وقت باعتقال مفتوح؟ أين المشتبه به بالقتل الذي نال اعتقالا مفتوحا في بيته ليلة عيد الفصح؟
وماذا عن توزيع الأدوار؟! اختير لدور القاضي المقدم رونين شور. حكى زميلي حاييم ليفنسون على موقع الفيسبوك كيف أصر رونين شور بوصفه المدعي العام وفي درجتين قضائيتين على إدانة ممرضة فلسطينية لأنها قدمت الرعاية الطبية لجريح فلسطيني مشتبه به بالإرهاب. موقف شور من المصابين الفلسطينيين إذن معروف مسبقا، لكن أحدا لن يطلب منه أن يتنحى عن القضية بسبب هذا الموقف. وإن تنحى شور فيجب أن يتنحى النظام القضائي العسكري الذي يتكون من ضباط في جيش الاحتلال بعضهم مستوطنون يبتون في مصير أشخاص يعيشون تحت أحذية الاحتلال. مسرحية عبثية أخرى لا يمكن أن يؤلفها إلا الاحتلال.
ومن أجل إبعاد القلق أسرع شور بالإعلان عن رأيه حتى قبل أن تبدأ المحاكمة، فذكر عند تمديد اعتقال الجندي أن الأدلة واهية، وحجم الجرم قد يكون أقل مما ينسبه الادعاء للجندي. هذه لعبة نتائجها معروفة مقدما. هل الأدلة ضعيفة؟ لا يوجد شخص نزيه شاهد مقطع الفيديو يمكن أن يعتقد ذلك. يكفي ما ورد في مقطع الفيديو لإصدار الحكم: فالمصاب لا حول له ولا قوة ملقى على الأرض، ومن حوله الجنود والمستوطنون يشعرون بالملل، وإطلاق النار بدم بارد، وعدم الاكتراث الذي يجمد الدم في العروق بعده يعادل ألف شاهد للادعاء. لكن ليس في المحكمة العسكرية التابعة للجيش التابع للحكومة الخاضعة لرئيسها الذي قال إن الجيش يدعم جنوده. المحكمة العسكرية جزء من الجيش الذي يدعم جنوده، وما حدث يثبت ذلك.
تلك هي المنظومة القضائية نفسها التي استجابت، أول من أمس، لطلب الانتقام الذي قدمته عائلة ثكلى، فغيرت لائحة الاتهام الموجهة إلى فلسطيني متهم بالدعس من القتل الخطأ إلى القتل العمد، مثل برنامج ما يطلبه المشاهدون: ابعثوا برسالة هاتفية بشيكل واحد، ونغير الاتهام. تلك هي المنظومة العسكرية التي تزج بعشرات الآلاف من الفلسطينيين في السجن، وبعضهم سجناء سياسيون، وبعضهم دون محاكمة، وغالبا دون أدلة حقيقية. هي المنظومة التي يكفي حضور إحدى جلساتها لكي ندرك أن العلاقة بينها وبين العدالة علاقة مهلهلة أكثر ضعفا من علاقة الأوركسترا العسكرية الإسرائيلية بالموسيقى.
هي المنظومة القضائية بقوانينها العنصرية. ليس من الصعب أن نتخيل ماذا كان يحدث إن أطلق فلسطيني النار على رأس يهودي جريح. هي المنظومة القضائية التي زجت بعضو المجلس التشريعي الفلسطيني خالدا جرار في السجن لمدة طويلة بناء على أدلة واهية. هي المنظومة القضائية التي تسجن طفلة في سن ال12 دون خجل. هي المنظومة القضائية التي أغلقت ملف العقيد يسرائيل شومير الذي أعدم فلسطينيا في قلنديا. وهذا هو مسرح الجيش الإسرائيلي الذي يفترض أن يحكم الآن على بطل الأمة، الرمز أزريا. ويرتفع الستار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس