جدعون ليفي - صحيفة هآرتس - خاص ترك برس
بين مظاهر الشماتة الخفية بأوروبا ومظاهر التعالي عليها، تطمس إسرائيل الاختلافات الجوهرية بين إرهاب وإرهاب. وهذا الطمس ليس عفويا، فهو معد ليخدم الرواية الإسرائيلية. بالنسبة للإسرائيليين، الذين لا يرون أي فرق بين الفلسطينيين والعرب، والعرب والمسلمين، والإرهاب والإسلام، وحماس وحزب الله، وبين كليهما وبين داعش والقاعدة، فإن التمييز بين أنواع الإرهاب يعد هرطقة، إذ الإرهاب هو الإرهاب.
الإرهاب حقا هو الإرهاب لأنه بشع دنيء يصيب الأبرياء دون تمييز، لكن للإرهاب أيضا ألوانا وأنواعا يجب التمييز بينها. النوع الأول هو الإرهاب الداعشي الذي لا يمكن إيجاد أي مبرر له، لا من حيث الأهداف التي يسعى لتحقيقها ولا من حيث الوسائل المستخدمة. وهو يهدف إلى فرض معتقدات داعش بالقوة وبث الرعب، ولن يتوقف نهمه أو يقبل بتقديم تنازلات. وربما ستحاول إسرائيل أن تعلم أوروبا كيف تقضي علىه بالقوة، ولكن فرصة نجاح ذلك محل شك.
الإرهاب الثاني، الفلسطيني، دنيء في وسائله عادل في هدفه وهو إنهاء الاحتلال. لا صلة بين الانتحاري في مترو بروكسل وبين الشاب الذي يطعن عند بوابة نابلس. لن تنجح ألف خطبة يلقيها نتنياهو أمام إيباك في إرباك الشرفاء. الإرهاب الفلسطيني هو وسيلة لعدم وجود خيار، وأداة بيد الضعفاء لتحقيق أهدافهم التي لا مثيل لعدالتها. صحيح أن هذا الإرهاب يصيب الأبرياء بوحشية. صحيح أن وسائله مشابهة: فقد وقعت هجمات الفلسطينيين على الطائرات في وقت كان فيه أسامة بن لادن لا يزال طالبا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وسبقت العمليات الانتحارية الفلسطينية عمليات داعش، لكن ليس بمقدور ذلك كله أن يطمس الفرق فأهداف داعش مجنونة، وأهداف الفلسطينيين عادلة.
وماذا ستقولون لشاب غزاوي يفكر في الانضمام إلى المقاومة: هل ثمة معنى لحياته، وفرصة لمستقبله إذا فكر هو ورفاقه في إحناء رؤوسهم والانصياع لمن يسجنهم في قفص. هل سيتذكر أحد في إسرائيل والعالم وجودهم دون مقاومة عنيفة توصف بأنها إرهاب؟ أما إخوانهم في الضفة الغربية، صحيح أن العنف لم يحقق إنجازات فعلية، لكنه وضع قضيتهم على الأقل على جدول الأعمال. قيل صراحة لو لم يخطف الفلسطينيون الطائرات في مطلع السبعينيات، فهل كان أحد في العالم يعرف مأساتهم؟ أو يهتم بمصيرهم؟ صحيح أن شيئا لم يحل منذ ذلك الوقت، لكن ذلك حدث على الرغم من إرهابهم اليائس وليس بسببه.
نقلت إسرائيل إلى الفلسطينيين وإلى العالم العربي رسالة بأنه لا يمكن التعامل معها إلا بالقوة. فبالقوة فقط أعيدت سيناء، والقوة فقط هي ما قادت إلى مباحثات أوسلو، وبالقوة فقط تحل القضية الفلسطينية. والقوة في حالة من لا يملك جيشا أو سلاحا جويا هو الإرهاب. مرت السنوات العشرون الأولى للاحتلال في هدوء، ولذلك لم يدر في خلد أحد أن يعطي للفلسطينيين ولو قليلا من حقوقهم. طرح الإرهاب حقوقهم للنقاش. وبفضل الانتفاضة الأولى وصلوا إلى أوسلو. أما الانتفاضة الثانية التي كانت أكثر عنفا، فصحيح أنها جرت عليهم كارثة، حيث فقدوا جزءا من تعاطف العالم معهم ومن التعاطف معهم في إسرائيل، لكن الإرهاب كان وما يزال سلاحهم الوحيد، وليس لديهم بديل. وحتى لو دمروا ترسانتهم الضيئلة من السلاح، وحتى لو أقسم الفلسطينيون أن يسيروا إلى الأبد على خطى المهاتما غاندي، فليس لديهم فرصة في الحصول على ما يستحقون من غير الإرهاب.
النوع الثالث من الإرهاب هو ما تمارسه الدول مثل إسرائيل. لا يعد القتل الجماعي للأبرياء، مثلما حدث في غزة وفي لبنان، إرهابا لأن من نفذه ليس برابرة مسلمون أو انتحاريون شيعة، ولكن نفذته طائرات أمريكية متطورة يقودها شباب إسرائيليون موضع تقدير وتبجيل. ولكنه إرهاب أيضا، وإن كان إرهابا من نوع آخر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس