غالب دالاي - صحيفة قرار - ترجمة وتحرير ترك برس
نمر في مرحلة تتغير فيها المعطيات بصورة متسارعة في سوريا، لكن هذا يجب أنْ لا يقود إلى تفاؤل مفرط، لأننا لا نزال بعيدون جدا عن الحلول الجذرية للأزمة السورية، ولا تعتقد الأطراف بأنها أنهت كل ما في جعبتها وما يُمكن أنْ تقوم به للتضيق على الأطراف الأخرى. لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي يشير إلى نقطتين هامتين: أولها، هو أنّ الطريق الوحيدة للمحافظة على وحدة سوريا، هو تطبيق نظام سياسي لا مركزي. والثانية، هي توسع مناطق النفوذ التابعة للقوى الفاعلة في سوريا.
ورغم أنّ كل القوى التي تدخلت في سوريا، تحدثت عن ذرائع لتدخلها تتعلق بوحدة الأراضي السورية، إلا أنّ دخول كل قوة جديدة إلى الأرض السورية، يجعلها قوة فعلية على الأرض وتسيطر وتتحكم وتمارس سياستها في المنطقة التي تسيطر عليها، وهذا خلق خرائط سياسية في سوريا، وهناك مناطق نفوذ أصبحت حدودها تبرز أكثر مع مرور الوقت، تابعة لإيران وتركيا وأمريكا وروسيا وحتى الأردن.
هذا الأمر يجعل سوريا ممزقة أكثر، ويُبعد عن الواجهة إمكانية تطبيق نظام سياسي مركزي في الدولة. ومثال ذلك تدخل تركيا في سوريا من أجل منع تقدم وحدات حماية الشعب، والقضاء على داعش من مناطق الحدود التركية السورية، لكن هذه العملية العسكرية لا يمكننا القول بأنها ستساهم في وحدة سوريا السياسية والإدارية، بل إنّ خارطة تتشكل بمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحُر، وذلك خلافا لنوايا تركيا التي تؤكد على وحدة التراب السوري.
كما أنّ العملية العسكرية التركية غير واضحة المعالم فيما يتعلق باستمراريتها، ولا شك أنّ تقدم الجيش السوري الحُر مرهون بالدعم التركي له، وحال توقف هذا الدعم قد لا يتقدم الجيش السوري الحُر، وهذا يقود إلى بقاء تركيا عنصرا فاعلا في الساحة السورية، وخلال هذه المدة سيقوى عود الجيش السوري الحُر ويقف على قدميه، وهذا لن يتم بدون تكاليف.
والواقع أنّ هذا الأمر ليس محصورا على تركيا، بل على جميع القوى المتدخلة في سوريا، لأنّ كل القوى المحلية محتاجة لدعم القوى الداعمة لها من الخارج من أجل أنْ تستمر في السيطرة على المناطق الخاضعة لها، ومثال ذلك وحدات حماية الشعب والدعم الذي يحصل عليه من أمريكا، والدعم الذي تقدمه إيران وروسيا لنظام الأسد. ولو قُطع الدعم الخارجي لما بقي أي من هذه العناصر قادر على الاستمرار، وهذا الارتباط الوثيق بالقوى الخارجية، يُحضّر لحروب الوكالة وسياسة مناطق النفوذ.
لا يوجد أي عنصر فاعل في سوريا يخاطب الكل السوري، ولا يوجد أي أحد منهم يتجاوز الأمور المذهبية والعرقية ويخاطب الهوية السورية بمختلف ألوانها، وبسبب غياب هذا الأمر، يظل الحل مرتبطا ومرهونا بالخارج، ولهذا فإنّ من المفترض أنْ تتفق القوى الخارجية فيما بينها، وتُقنع القوى المحلية التابعة لها بالإطار الذي تم التوصل إليه، أو تفرضه عليها، ومثل هذا الحل يقود إلى تجمعات وتكتلات داخل سوريا، ولا يمكن أنْ يخرج من مثل هذه التكتلات والتجمعات نظام سياسي سوري مركزي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس