د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
بعد ستة أشهر من بدايتها، جاء تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم بإنهاء عمليات درع الفرات مفاجئًا للكثير من المتابعين، السياسين والعسكريين، من حيث التوقيت والنتائج والأهداف، خاصة بعد تصريحات بالأمس القريب للقيادة التركية بأن قوات درع الفرات مستمرة في طريقها نحو مدينة منبج، وأنها استعادت بعض القرى، والتصريح باستهداف قوات الحماية الكردية في حال بقائها في مدينة منبج.
التوقيت جاء قبيل ساعات قليلة من وصول وزير خارجية أمريكا ريكس تيلرسون للعاصمة التركية، حاملًا معه كثير من الملفات الهامة والعالقة بين الطرفين وأوصلت العلاقة بينهما لأسوأ مرحلة تمر بها هذه الأيام.
فهل هذا التوقيت كان استباقيًا، أم بسبب ضغوط قوية، أم لقاء وعود وتفاهمات..!!؟؟
الإعلان عن نهاية عملية درع الفرات، جاء بعد اجتماع مجلس الأمن القومي الذي وصف عملية درع الفرات بالنجاح، وتحقيق الأهداف المرجوة...!!
فهل حقق درع الفرات أهدافه ولماذا هذا الإعلان المفاجئ...!!؟؟
ثلاثة أهداف عامة، معلنة وواضحة، كانت وراء دخول تركيا بعملية الدرع، وكلها أهداف قومية وتخدم مصلحة الأمن القومي التركي بالدرجة الأولى.
أولًا، دحر تنظيم داعش وإبعاده عن الحدود التركية ومنعه من تهديد المدن التركية.
ثانيًا، منع قوات حماية الشعب الكردية من إقامة ممر بين الكنتونات الكردية في عين العرب وعفرين، ومنع أي تواجد لها غرب نهر الفرات...
ثالثًا، إقامة منطقة آمنة، وبناء البنية التحتية، تشجيعا لعودة الآلاف من اللاجئين لمناطقهم وبيوتهم ،كما حصل في مدينة جرابلس الحدودية.
يمكننا القول إن الهدف الأول قد تحقق، وعاد الأمن للمدن الحدودية وتم دحر تنظيم داعش لمسافة بعيدة، وهو الآن محاصر بمدينة الرقة.
أما بالنسبة للهدف الثاني، فلا يمكن القول إنه تحقق بالدرجة المطلوبة، فقوات الحماية الكردية لا تزال بمنبج غرب نهر الفرات، كما أن قطع الممر لم يتحقق ايضًا بشكل تام، صحيح أن مدينة الباب شكلت فاصلًا بين عفرين وعين العرب كوباني، لكن الالتفاف عليه أصبح ممكنًا، من خلال مناطق سيطرة النظام جنوب الباب وحلب..
والهدف الثالث، بدأت بوادره تثبت صحة فكرته، حيث عاد الآلاف من السوريين لمدينة جرابلس، وهناك استعداد لعشرات الآلاف للعودة للباب وريفها الشرقي.
نجاح هذا الأمر بعد الإعلان التركي، يتوقف اليوم على أمرين الأول قدرة الجيش السوري الحر والمجالس المحلية التي تشكلت حديثًا على تحقيق الاستقرار ومنح ثقة الأمان لهذه المنطقة، ومدى ارتباط تركيا ودعمها لهذه المكونات التي دعمت وعملت على تشكيلها، وربما هذا الإعلان المفاجئ يسبب انتكاسة لتحقيق هذا الهدف.
فهل ستنسحب القوات التركية وتترك قوات درع الفرات لوحدها، وهل الأخيرة قادرة على تحقيق الأمن وحماية المنطقة من عودة النظام أو الصمود أمام قوات الحماية الكردية...؟؟
وهل ستتخلى تركيا عن هذه المنطقة التي دفعت من أجلها ما يقارب سبعين جنديا وكانت تكلفة الجيش الحر عشرة أضعاف ذلك أيضًا...!!؟؟ وألا يشكل هذا في حال حصوله نهاية تامة لأي دور مستقبلي لتركيا...!!؟؟
الإعلان في حقيقته جاء بمثابة الإعلان عن المعلوم...
فعمليات درع الفرات توقفت فعليا بعد مدينة الباب، عندما نزلت القوات الأمريكية على أرض منبج فعليًا، وشكلت حاجزًا أمام قوات درع الفرات، وكذلك ما فعلته القوات الروسية بدعم قوات النظام والانسحابات السريعة لتنظيم داعش، الأمر الذي سهل وصول قوات النظام لمناطق ريف منبج الجنوبي والغربي، قاطعًا الطريق أمام قوات درع الفرات جنوبا باتجاه الرقة أيضًا... وهنا قُطع الطريق أمام تركيا تجاه منبج والرقة، مما يعني حصر درع الفرات في هذه المنطقة فعليًا، وكانت الإشارة الأولى لهذا الواقع، هي فشل اجتماع قادة الأركان الثلاثة في أنطاليا، وعدم قدرة تركيا على إقناع القيادة العسكرية الأمريكية بتبني خططها العسكرية التي أعدتها لتحرير الرقة بعيدا عن مشاركة قوات سورية الديمقراطية.
عولت تركيا على لقاء الرئيسين بوتين وأردوغان في موسكو قبل أسبوعين، لكنه لم يحقق أي تقدم أو تفاهم في هذا الأمر.
وانتظرت أيضًا ضوءًا أخضرَ من البيت الأبيض، لكنه لم يأت أيضًا، وجاء الرد من خلال زيادة الدعم العسكري على أرض الواقع لقوات الحماية الكردية، والإعلان بكل الوضوح عدم التخلي عنها.
ولم يبقَ أمام تركيا، سوى الإعلان السياسي عن انتهاء دور عملية درع الفرات وهذا ما قام به بن علي يلدرم قبل وصول ريكس تيلرسون لقطع الطريق على أي ضغوطات، أو لتفاهمات حصلت وقد تكشفها الأيام في المستقبل القريب...
لكن الواضح أن تصارع المشاريع الدولية والإقليمية على الأرض السورية لن يجلب لهذا الشعب المكلوم سوى الدمار والدماء وعدم الاستقرار...
صحيح أن تركيا أعلنت انتهاء عملية درع الفرات، لكنها لم تؤكد سحب قواتها من سوريا، بل أكدت أنها قد تقوم بعمليات أخرى إذا لزم الأمر لكن ليس من خلال عملية درع الفرات، بل تحت أسماء أخرى.
تركيا اليوم وهي مقبلة على استفتاء دستوري هام ومفصلي بالنسبة لها، قبلت الأمر على مضض، وآثرت الانتظار وضمان نتيجة الدستور أولًا، ومن ثم متابعة الأحداث وترقب المفاجآت، لأنها تدرك أن من جاء من وراء المحيطات لن يتسطيع تحقيق مشاريعه على أرض لا يملكها ولا حاضنة له فيها ولا ثقة به عند شعوبها...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس