ترك برس
دفع استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم شمالي العراق نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، كلاً من أنقرة وبغداد وطهران إلى تشكيل آلية ثلاثية والتقارب أكثر مما كانوا عليه سابقاً، منطلقين في ذلك من قلقهم إزاء وحدة الأراضي السورية والعراقية حسب قولهم.
الأمر الذي انعكس – مبدئياً – بشكل فعلي على أرض الواقع. إذ أن الحسابات الاستراتيجية التي قام بها بارزاني لمرحلة ما بعد الاستفتاء، باءت بالفشل، بل حتى أنها قوبلت بحيادية أمريكية انصبت في نهاية الأمر لصالح حكومة بغداد.
ونتيجة لتحذيرات كل من أنقرة وبغداد وطهران لإدارة الإقليم حول التراجع عن الاستفتاء، بضغوط سياسية ودبلوماسية من قبل الأتراك في خطوة قابلة للتصعيد بأي وقت كان حسب تصريحات مسؤوليهم، وغارات جوية وإغلاق للمعابر من قبل طهران، فضلاً عن عملية عسكرية واسعة من قبل حكومة بغداد أدت إلى السيطرة على مناطق متنازع عليها وأبرزها كركوك، إضافة إلى زعزعة البيت الداخلي للإقليم العراقي.
وفي ظل هذه التطورات تبادرت إلى الأذهان أسئلة حول المستقبل السياسي لبارزاني؟ ومصير البنية الفيدرالية للإقليم ومسألة عودته إلى قوته التي كان عليها قبل 2014.
يرى البروفسور برهان الدين دوران الكاتب الصحفي التركي ومدير وقف الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" بأنه في حال لم تقم إيران بـ "ألاعيب خفية" ضد تركيا، فإنه ستكون هناك صياغة سياسية تقوم على ضمان الحقوق الفيدرالية للإقليم وعدم إقدام الأخير مرة أخرى على خطوة الانفصال.
يقول دوران إن اضطرار قوات البشمركة التابعة لبارزاني، إلى الانسحاب من كركوك دون اشتباكات تُذكر، أظهر إمكانية وقدرة الدول الإقليمية على وضع إرادة مشتركة في مسألة ما في حال أرادوا ذلك، لكنه جلب معه في الوقت نفسه القلق إزاء قوة إيران المتزايدة على أرض الواقع، وذلك من حيث إدارتها لقوات ما يُعرف بالحشد الشعبي، وزيادة نفوذها الكبير على حكومة بغداد.
ويشير دوران إلى وجود أطراف تقول إن الكاسب الأكبر من مرحلة استفتاء الانفصال هي إيران، بل وهناك من يضيف بوجود علاقة طردية بين تراجع بارزاني وفتح الطريق أمام "بي كي كي" في العراق. لكن من الأمور الواضحة التي يستحيل إنكارها هو أن الضرر الأكبر الذي نتج عن استفتاء الانفصال، قد لحق بعلاقة بارزاني مع أنقرة، على حد تعبير دوران.
ويتابع الكاتب الصحفي: "من الواضح أن التوافق التركي – العراقي – الإيراني الذي عرقل انقسام الأراضي العراقية والسورية، لن يستمر في حال قيام الحشد الشعبي بمجازر وعمليات تصفية عرقية وتغيير ديموغرافي. وهكذا ينبغي قراءة انسحاب الحشد الشعبي من مناطق متنازع عليها مثل كركوك. الأكثر من ذلك، أن هناك أجندة مطروحة على الطاولة، تفيد باتخاذ خطوات مشتركة ضد وجود "بي كي كي" في العراق. في مثل هذه الحالة، فإن السؤال الذي يخطر بالبال من وجهة النظر التركية هو: هل تتخلى إيران التي قويت قبضتها، عن تركيا في منتصف الطريق بالعراق؟".
يرد دوران على هذا التساؤل بالقول: "لا شك أن إيران قد ترفض التعاون مع تركيا فيما يخص مكافحة "بي كي كي" بعد أن ترسّخ مكاسبها وتعزز من قوتها على أرض الواقع في العراق. ومن المحتمل أن تتم إدارة العلاقات لفترة معينة، استناداً على القوة لا على الثقة. عدم إقدام طهران على التعاون مع أنقرة بخصوص "بي كي كي"، يعني ارتكابها خطأ فيما يتعلق بـ "مصالحها الاستراتيجية. إذ أن التعاون التركي – الإيراني – العراقي، يستهدف الحيلولة دون تمزق وحدة الأراضي السورية والعراقية في مرحلة ما بعد "داعش".
وبحسب رأي دوران فإن حاجة الثلاثية المذكورة، لبعضها البعض في كل من سوريا والعراق، هامة ومستمرة في مثل هذه الأوضاع.
ويختم دوران وجهة نظره الذي تناوله في مقال نُشر لدى صحيفة "صباح" التركية، بالإشارة إلى أن أولوية سياسة ترامب والدول الخليجية، هي تقليص دور إيران في كل من سوريا والعراق، وبالتالي، فإن إيران متعرضة لحملة ضغوط لا يُعرف متى تنتهي. وان طهران لن تستطيع خلال هذه الحملة التي تضم إسرائيل ومصر أيضاً، الشعور بالوجود الروسي إلى جانبها بالقدر الكافي الذي تريده. فضلاً عن وجود اتفاق بين موسكو وتل أبيب على تقليص النفوذ الإيراني في الجنوب السوري.
خلاصة الكلام: "إن حاجة إيران لتركيا أكبر من حاجة تركيا إليها، على عكس ما يظنه البعض." على حد تعبير الكاتب الصحفي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!