ترك برس

قال الكاتب التركي قدير أوستون إن الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدت، في أقل من أسبوع، إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى شفا أزمة مالية عالمية.

وأشار الكاتب في مقال على صحيفة يني شفق، إلى أنه لم يكن من السهل تفسير نسب الرسوم الجمركية المعلنة بوصفها محاولة لسد العجز التجاري الخارجي لأمريكا أو لإعادة تشكيل نظام التجارة الدولية لصالحها. 

وكان من بين العوامل المهمة التي دفعت ترامب إلى تغيير تكتيكه: العشوائية في طريقة احتساب الرسوم الجمركية، وفقدان البورصات تريليونات الدولارات من قيمتها، والانخفاضات الحادة في الأسواق الدولية، وأخيرًا الميل الحاد نحو البيع في سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات. وفقا للكاتب.

و فيما يالي نص المقال:

أدت الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس ترامب، في أقل من أسبوع، إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى شفا أزمة مالية عالمية. لم يكن من السهل تفسير نسب الرسوم الجمركية المعلنة بوصفها محاولة لسد العجز التجاري الخارجي لأمريكا أو لإعادة تشكيل نظام التجارة الدولية لصالحها. ولم يقتصر الأمر على استهداف الدول ذات الفائض التجاري مع الولايات المتحدة، بل شمل أيضًا حلفاءها، مما أثار قلق الأسواق المالية وأحدث حالة من الذعر.

وكان من بين العوامل المهمة التي دفعت ترامب إلى تغيير تكتيكه: العشوائية في طريقة احتساب الرسوم الجمركية، وفقدان البورصات تريليونات الدولارات من قيمتها، والانخفاضات الحادة في الأسواق الدولية، وأخيرًا الميل الحاد نحو البيع في سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات.

وقد تبيّن أن الذين توقعوا أن ترامب لن يسمح بانهيار كامل للأسواق وسيتراجع في مرحلة معينة كانوا على صواب. فـ"ترامب الكلاسيكي" كشف عن أوراقه وتراجع خطوة إلى الوراء في حرب الرسوم الجمركية، لكنه احتفظ بخيار إعادة إشعال هذه الحرب، في محاولة لإجبار الدول الأخرى على إبرام اتفاقيات تجارية تضع المصلحة الأمريكية أولاً.

رد فعل الأسواق

عقب إعلان الرسوم الجمركية الإضافية في الثاني من أبريل، شهدت أسواق الأسهم الأمريكية هبوطًا حادًا. فقد انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 4.8%، بينما خسر مؤشر ناسداك، ذو التركيز التكنولوجي، 6% من قيمته، مسجلين أسوأ أداء لهما منذ عام 2020. وقد أدى هذا التراجع إلى فقدان السوق ما يقارب 2.5 تريليون دولار من قيمته، كما سجلت الأسواق الدولية اتجاهات مشابهة؛ حيث تراجع مؤشر داكس الألماني بنسبة 7%، ومؤشر شنغهاي المركب الصيني بنسبة 7.6%، ومؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة تقارب 11%.

رسائل ترامب وفريقه كانت في مجملها توحي بأن "البورصات اليوم تهبط وغدًا تصعد". وقد زعمت الإدارة الأمريكية أنها تسعى وراء إصلاح هيكلي يولي أهمية للإنتاج المحلي والتصدير من خلال تقليص العجز التجاري الخارجي، معتبرة أن الألم الذي ستشهده الأسواق على المدى القصير أمر لا مفر منه.

وبرزت تحليلات لم يكن بالإمكان تجاهلها، مفادها أن ترامب يتعمد دفع الاقتصاد نحو الانهيار من أجل خفض تكاليف الاقتراض الحكومي. وتشير التحليلات إلى أن حاجة واشنطن للتمويل الجديد على المدى القصير دفعت إدارة ترامب إلى اتخاذ هذه الخطوات بهدف الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) لخفض أسعار الفائدة.

إن حقيقة أن الرسوم الإضافية لا تستند فعليًا إلى مبدأ المعاملة بالمثل، عززت المخاوف من أن خطوات ترامب تتسم باللاعقلانية وعدم القدرة على التنبؤ. وقد أسهم دفع الأسواق نحو بيئة يغلب عليها الغموض والفوضى في تعزيز الانطباع بأن ترامب قد يُقدم على أي تصرف.

وازدادت المخاوف من احتمال قيام الولايات المتحدة، ولأول مرة في تاريخها، بعدم سداد ديونها، أو أن تبدأ دول مثل الصين وغيرها بالتخلص من السندات الحكومية الأمريكية التي بحوزتها.

ردود فعل الأوساط السياسية وعالم الأعمال

إلى جانب الفوضى التي اجتاحت العالم المالي، لعب الضغط الداخلي في السياسة الأمريكية، وجهود جماعات الضغط من السياسيين الجمهوريين داخل الإدارة، دورًا مهمًا في تراجع ترامب عن مواقفه. فقد أعد أعضاء من الحزبين في مجلس النواب مشروع قانون (قانون مراجعة التجارة) يهدف إلى تقييد سلطة الرئيس في فرض الرسوم الجمركية بشكل أحادي الجانب.

من ناحية أخرى، فإن محاولات مايك جونسون، رئيس مجلس النواب والمقرّب من ترامب، لحماية الرسوم الجمركية من تدخل الكونغرس، أثارت استياءً بين بعض الأعضاء الجمهوريين المؤيدين للتجارة الحرة. وفي حين كان العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يدافعون عن ترامب أمام وسائل الإعلام، كانوا في الكواليس يمارسون ضغوطًا عبر أنشطة جماعات الضغط، مما زاد الضغط على الإدارة.

التحذيرات من حدوث أزمة اقتصادية كبرى قد تتسبب في فقدان الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب ومجلس الشيوخ لصالح الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، لم تكن تحذيرات يمكن الاستهانة بها.

إن احتمال ظهور كونغرس ذي أغلبية ديمقراطية قادر على تقييد كل خطوة من خطوات ترامب لم يكن أمرًا يمكن تحمله لا بالنسبة له ولا للجمهوريين.

كما كان لتحذيرات وتحليلات عالم الأعمال حول دخول أمريكا في ركود اقتصادي تأثير واضح. فبالإضافة إلى دعوات أمثال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، والمستثمر بيل أكما، لمراجعة الرسوم الجمركية، فإن المواجهة العلنية التي قادها إيلون ماسك ضد بيتر نافارو، مهندس فكرة الرسوم الجمركية، كانت أيضًا مثالاً على ردود فعل عالم الأعمال.

وأوضح ديمون أن الأبعاد غير المتوقعة للرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وإبطاء النمو الاقتصادي، في حين أكد ماسك أن تكاليف إنتاج شركة تسلا سترتفع، داعيًا إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بدون رسوم جمركية بين أمريكا الشمالية وأوروبا. كما لفتت الأنظار تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة دلتا إيرلاينز، إد باستيان، الذي وصف الرسوم الجمركية بأنها نهج خاطئ يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي .

مع اجتماع ردود الفعل العنيفة في الأسواق المالية وضغوط السياسة وعالم الأعمال، بات من الممكن القول إن ترامب رأى خطر الانزلاق إلى أزمة اقتصادية لن يستطيع تجاوزها. كما أن التصريحات الصادرة عن أوروبا والعديد من دول آسيا، والتي أبدت استعدادها للتفاوض مع ترامب، وفرت له مخرجًا مناسبًا.

رغبة حوالي خمسين دولة في التفاوض مع إدارة ترامب بشأن الرسوم الجمركية أوجدت فرصة لترامب ليعلن النصر ويتراجع خطوة إلى الوراء. ومع ملاحظة تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي من 48% إلى 43%، لجأ ترامب إلى تطبيق التكتيكات التي شرحها في كتابه "فن الصفقة"، حيث كشف عن أوراقه بطريقة محسوبة.

فلجأ ترامب، كعادته، إلى فتح باب المفاوضات من أعلى سقف ممكن لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، مما أدى إلى تعليق الحروب التجارية مؤقتًا، باستثناء الصين. ورغم أنه خفف من حدة التوتر في الأسواق والسياسة بهذه الخطوة، إلا أنه ما زال يحتفظ بخيار إعادة إشعال الحرب، مما أبقى الجميع في حالة ترقب وتأهب.

في الفترة المقبلة، سيُناقش ما إذا كانت كل هذه الفوضى ضرورية لإعادة تصميم التجارة الخارجية الأمريكية وتوجيه التوازنات الاقتصادية الداخلية نحو الإنتاج.

تكشّفت خلال الأسبوع الأخير حقيقة أن الإدارة لم تكن تملك استراتيجية شاملة. فقد أظهر ترامب أنه سيواصل أسلوبه في ممارسة "الضغط الأقصى" لإثارة القلق لدى الجميع والحصول على ما يريد.

ومع ذلك، فمن الواضح أن كل هذه الفوضى وهذه الحالة من انعدام القدرة على التنبؤ قد ألحقت ضررًا بمصداقية أمريكا وبالاستقرار الدولي.

وبينما يتطلب نجاح أمريكا في الحرب التجارية مع الصين استمالة حلفائها إلى جانبها، فإن فتح جبهات نزاع معهم أيضًا لا يبدو خيارًا عقلانيًا.

وإذا استمرت إدارة ترامب في محاولة جذب الدول الأخرى عبر التخويف والضغط، فإنها لن تكون قادرة على بناء استراتيجية مستقرة ودائمة لمواجهة الصين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!