ترك برس
على مشارف مدينة إسطنبول، افتتحت العام الماضي مدرسة داخلية لرعاية عشرات أطفال الأويغور الذين سجن آباؤهم في مقاطعة شينجيانغ بشمال غرب الصين.
ولكن أكثر ما يقلق هؤلاء الأطفال، كما يقول تقرير مطول لموقع راديو PRI الدولي، هو مصير أولياء أمورهم الذين احتجزوا في معسكرات العمل القسري وإعادة التأهيل في الصين التي تحتجز أكثر من مليون شخص من أبناء الأقلية العرقية المسلمة. ولذلك يُطلب من معلمي المدرسة تجنب الحديث عن ذلك الموضوع. لكن الأطفال يعرفون ما يجري.
وقال محمد عزت الله، المستشار المكلف برعاية احتياجات الأطفال اليومية اليومية: "في بعض الأحيان يعزلون أنفسهم ويصيبهم الحزن. أفعل كل ما بوسعي للتخفيف عنهم، لكنني لا أعرف حقًا ما يجب فعله. وهذا يحدث كثيرًا".
يقول قادة الأويغور إن ما يصل إلى 400 طفل من الأويغور يعيشون بدون والديهم في تركيا، وغالبًا ما يعيشون في رعاية أحد الأقارب أو أصدقاء العائلة. في حالات الانفصال الأكثر شيوعًا، وصلت الأسر أولًا إلى تركيا من الصين خلال السنوات الخمس الماضية. ربما كانوا يزورون أقاربهم، أو أن أحد أفراد العائلة لفت انتباه السلطات الصينية وقرر المغادرة مؤقتًا.
في غضون ذلك، تصاعدت جهود الصين للقضاء على ما تزعم أنه "التطرف الديني". في عامي 2016 و2017، شهد الأويغور الذين يعيشون في تركيا تسارعًا غير مسبوق في عمليات الاعتقال في شينجيانغ.
ومع تدهور الأوضاع بسرعة عاد أحد الوالدين أو كلاهما إلى الصين لترتيب شؤونهم من أجل الاستعداد للانتقال الدائم إلى تركيا، وتركوا أطفالهم وراءهم. وغالبًا ما يتم احتجاز الوالدين الذين يسافرون عند عودتهم إلى الصين، أو مصادرة جوازات سفرهم".
وقال عزت الله: "قرروا ترك أطفالهم مع شخص يعرفونه وتوجهوا إلى الصين في محاولة لبيع منازلهم، وجمع قيمتها والعودة. لكنهم لم يعودوا قط".
لم يتمكن الأطفال الذين ما زالوا يعيشون في تركيا من الحديث مباشرة إلى آباءهم، وإنما من خلال وسطاء. ولا أحد يعرف متى سيتم لم شمل العائلات.
افتتحت المدرسة التي تسمى "Oku Uygur Bilig Yurdu" العام الماضي. كان هؤلاء الأطفال الـ33 أول من التحق بها في القسم الداخلي لأن أوضاعهم المعيشية كانت غير مستقرة. ويظل جناح للطالبات غير مكتمل.
طلب اللجوء في تركيا
تطورت تركيا سريعًا لتصبح وجهة للأويغوريين الذين يغادرون الصين. يقول الكثيرون إنهم فروا من التوقيف والمراقبة في شينجيانغ، حيث إن أبسط أشكال التعبير الديني المعتدل يمكن أن يلفت انتباه السلطات.
وقال روشان عباس، المدير التنفيذي لحملة الأويغور التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها: "الناس في وطننا يقاتلون من أجل البقاء. ما يحدث في تركيا هو نتيجة مباشرة لذلك".
أحد طلاب المدرسة هو صبي يبلغ من العمر 11 عامًا. عندما يطلب منه تعريف نفسه، فإن أول ما يفكر فيه الحرية: "أتمنى الحرية لبلدي، وأريد أن أقاتل من أجل حرية بلدي". وهو يطلق على وطنه "تركستان الشرقية"، وهو الاسم الذي يستخدمه الأويغور في الشتات لوصف منطقة شينجيانغ في الصين.
قال عزت الله إنه يبذل قصارى جهده لصرف انتباه الطلاب عن التفكير في آبائهم. وعادة ما يحاول لعب الكرة معهم، وإذا أخفقت محاولاته، فإنه يرافقهم إلى المركز التجاري لشراء الآيس كريم، أو لعبة جديدة.
يقول إيمان يعقوب، 52 عامًا، الذي يرسل أحفاده إلى المدرسة لحضور فصول مسائية: "إنهم يحبون المدرسة والمعلمين. نرسلهم إلى المدرسة لأننا غير قادرين على مساعدتهم في واجباتهم الدراسية في مدرستهم التركية."
وتقول حفيدته البالغة من العمر 8 سنوات إنها تحب أساتذتها. لقد اصطحبوا الطلاب في رحلة إلى الشاطئ.
وصل يعقوب إلى تركيا في شباط/ فبراير من عام 2018. ويقوم على تربية اثنين من أحفاده من عائدات متجر صغير يبيع فيه الفواكه والخضروات الصينية التي يصعب الحصول عليها في تركيا، مثل الفول الصيني الطويل والثوم المعمر.
وقال: "نحاول الاعتناء بهما، لكن لا يمككنا بالطبع أن نكون بديلًا لوالديهما. وأوضح أن والدي الطفلين وشقيقين أصغر سنًا ما زالوا في الصين. لم نتمكن من الاتصال بهم منذ اعتقال والدهم واقتيادهم إلى معسكر اعتقال.
وأضاف: "لم نخبرهما قط بالقصة الحقيقية الكاملة. نحاول دائمًا إخبارهما بوجود مشكلة في جواز السفر، يومًا ما سيأتون إلى هنا. لا تقلقا".
يقول قادة مجتمع الأويغور إن هذه المدرسة الداخلية هي الوحيدة من نوعها على حد علمهم.
وقال مونافير أوزويغور، مدير جمعية تركستان الشرقية نوزوجوم للثقافة والأسرة ومقرها إسطنبول: "نقدم الدعم للأطفال الأيتام منذ ست سنوات.نعلم أن بعض الآباء لم يتوفوا في معسكرات الاعتقال، ولكن لا يوجد اتصال بهم".
تقدم منظمة تركية غير حكومية مساعدة مالية لـ20 طالبًا بما يعادل 22 دولارًا شهريًا. ولكن المدرسة تواصل العمل بفضل تبرعات من مجموعة من رجال الأعمال الأويغور، كما يقول مدير المدرسة، حسيب الله كوسيمي، الذي فضل عدم ذكر أسمائهم.
ويعبر كوسيمي عن قلقه بشأن مصير أطفال المدرسة: "نعلم أن هناك تصريحات للشرطة الصينية بأنه أينما كان الأويغور، فسوف يصلون إليهم ويعيدونهم إلى السجن. ذلك نحن قلقون ونبذل قصارى جهدنا للحفاظ على سلامة الأطفال".
ويقول كوسيمي إن معظم الأطفال هنا يعرفون أن والديهم محتجزون في المعسكرات. في بعض الحالات، تلقى الأطفال معلومات تفيد بأن والديهم قد ماتا في معسكر الاعتقال. وهذا يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبلهم. يعيشون وحدهم في بلد أجنبي. ما هي خياراتهم؟
ويضيف "لدينا مسؤولية تجاه الأمة للحفاظ على هويتنا. إن اللغة هي العنصر الأهم للحفاظ على هويتنا الوطنية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!