ترك برس
حذر البرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، من حرف انتباه العالم عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة على خلفية التحركات التي قامت بها إيران.
وقال أقطاي، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، إن عدم شعور أي شخص بخيبة أمل من نتائج رد إيران في الأول من نيسان/أبريل على قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أدى إلى مقتل عدد من كبار الجنرالات الإيرانيين، يعد انعكاسا صارخا للوضع المأساوي الذي نعيشه.
وأوضح في مقال بصحيفة يني شفق أنه رغم الوحشية غير المسبوقة التي تمارسها إسرائيل على قطاع غزة منذ سبعة أشهر، والتي تعد إبادة جماعية حقيقية، لا يزال العالم ينتظر تدخلا مخلصا لوقف هذه المجازر، دون أن تبادر أية قوة إلى اتخاذ أي خطوة جدية في هذا الاتجاه.
يرى أقطاي أن المأساة تكمن في أن إسرائيل نفسها تبدي رغبة شديدة في حدوث تدخل إيراني، خاصة من خلال ضربات عسكرية. ويرجع ذلك إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا، اللتين تقدمان لإسرائيل دعما لا محدودا حتى في جرائمها ضد الإنسانية، قد بدأت تقلل من دعمها لإسرائيل في عدوانها على غزة، ليس بسبب حجم الجرائم المرتكبة، بل بسبب عدم كفاءة إسرائيل في تنفيذها. فمن وجهة نظر إسرائيل، فإن هجوما إيرانيا قد يحول الصراع بسرعة من محور حماس-إسرائيل إلى محور إيران-إسرائيل، مما قد يشكل دعما منقذا لإسرائيل وخاصة نتنياهو.
ويضيف: يتضح جليا أن معاداة إيران لإسرائيل لم تلحق أي ضرر فعلي بإسرائيل حتى الآن. وإن كان ميزان الربح والخسارة بين التوتر القائم بين الدولتين واضحا خلال تاريخهما الطويل. فمن وجهة نظر إيران تعد معاداة إسرائيل، بل حتى معاداة الولايات المتحدة، عاملا داخليا فعالا للغاية لتعزيز شرعية النظام. فعندما يواجه النظام بعض الضغوط من قبل المعارضة، تصبح الأزمات المفتعلة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أداة لإعادة فرض حالة الطوارئ بسرعة.
كما أن تهديدات إيران للخليج مفيدة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. ففي حين أن تهديدات إيران لم تؤد إلى أي صراع فعلي، إلا أنها تساهم في ضمان اعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة في مجال الدفاع بشكل مستمر ودون قيود. ومن جهة أخرى أدت العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد صدام حسين، الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل بعد أن تسلح بشكل جيد واكتسب قدرات عسكرية كبيرة في العراق، إلى تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب. طبعا يمكن كتابة قصة هذه النتيجة بطريقة مختلفة إذا رغبنا في ذلك، ولكن ستكون القصص الأخرى مفتعلة ومتكلفة.
وتابع المقال:
منذ السابع من أكتوبر مُنيت إسرائيل بهزائم لم تشهدها في تاريخها، فقد تحولت منظمة استخباراتها الأسطورية إلى مهزلة، وأصبحت قبة الحديد التي كانت تعتبر غير قابلة للاختراق أشبه بالغربال. ويُمنى جيشها القوي، الذي تأسس بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، بهزيمة تلو الأخرى أمام كتائب القسام.
ولكن في محاولة لإخفاء هزيمتها، تواصل إسرائيل اختبار قوة أسلحتها في القتل الجماعي والمجازر، وجرائم الإبادة الجماعية، مما يغرقها أكثر فأكثر في وحل الهزيمة.
وبعد انقطاع دام حوالي سبع سنوات منذ ثورات الربيع العربي، عاد المفكر المصري فهمي حويدي إلى الكتابة في موقع الجزيرة الإلكترونية، وذلك إيمانا منه بأنه لا يمكنه البقاء متفرجا على ما يحدث في إسرائيل منذ السابع من أكتوبر. وقد تضمنت مقالات حويدي العديد من الاقتباسات التي تعبر عن وجهة نظر إسرائيل لما حدث منذ السابع من أكتوبر. على سبيل المثال:
"إسرائيل هزمت بشكل كامل، فأهداف الحرب لن تتحقق، والأسرى لن يعودوا بالعمل العسكري، والأمن لا يزال هدفا صعب المنال" (هآرتس 13/4).
"عصر انتصارات إسرائيل انتهى، وحماس أرادت أن تعلمنا بأن هناك عربيا آخر غير الذي رأيناه في كامب ديفيد أو أوسلو" (أمنون إبراموفيتش، المحلل السياسي البارز في الإعلام العبري 13 / 1).
"الحرب انتهت بهزيمة إستراتيجية لنا، ونحن الآن في ورطة" (حاييم رامون وزير العدل السابق- 11/4).
"إسرائيل خسرت الحرب ضد حماس، صورة النصر الوحيدة المتاحة لنا هي الإطاحة بنتنياهو، وإجراء انتخابات جديدة، (دان حالوتس رئيس أركان جيش الاحتلال السابق- ديسمبر/كانون الأول 2023).
"نصف سنة بالضبط مرت على نشوب الحرب، وعلى إسرائيل احتساب المسار. فكل الأهداف التي قدمت لنا تبين أن الطريق أصبح بعيدا عن التحقيق"، (يوآن ليمور المعلق السياسي في يديعوت أحرونوت).
"حماس لم تهزم إسرائيل فحسب، بل هزمت الغرب كله، (ألون مزراحي كاتب وإعلامي 5/4).
" لا حياة لنا (للإسرائيليين)، إذا لم نندمج في فضاء الشرق الأوسط، لقد علمنا انهيار كافة أنظمة الدفاع العسكرية والبشرية والتكنولوجية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أنه لا يمكننا الاعتماد فقط على قوتنا وقدراتنا. فالدفاع العسكري وحده لن يؤمن حياتنا هنا. وإذا كنا لا نريد أن نكون حلقة عابرة في المنطقة مثل المملكة الصليبية، فليس أمامنا إلا أن نجد المعتدلين من العرب ونتحالف معهم، (أمنون ليفي، يديعوت أحرونوت 6/4).
تؤكد هذه الشهادات على أن إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو في موقف لا يحسد عليه، على الرغم من كل التكبر والغطرسة التي يبديانها. فقد فشل نتنياهو، خلال سبعة أشهر، في تحقيق أي من الأهداف التي وعد بها في مغامرته التي جر إليها نفسه والولايات المتحدة وأصدقائها الأوروبيين، مما جعله في مأزق حقيقي. ولم يكن سرا أن نتنياهو كان يبحث عن مخرج من قطاع غزة، بعد أن تحولت الحرب إلى فخ حقيقي له، مما دفعه إلى توسيع نطاق الحرب بشكل مسيطر لخلق ذريعة للخروج من القطاع. ولذلك شن نتنياهو هجوما استفزازيا على أهداف إيرانية في دمشق قبل أن تبادر إيران بالرد، وفي الواقع إن الهجوم على أهداف إيرانية في دمشق دون سبب ودون مبرر ودفع إيران إلى الانخراط في اللعبة، لم يُبقِ أمام إيران أي خيار آخر. ولم يكن من الممكن طبعا أن تتجاهل إيران هذا الهجوم وكأنه لم يحدث. ولكن في نهاية المطاف، فإن الصورة التي برزت هي:
بعد أن فقدت إسرائيل دعم الولايات المتحدة وأوروبا بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، وجدت نفسها فجأة في موقف الضحية، حيث سارعت جميع هذه الدول إلى إصدار بيانات تضامن مع إسرائيل وإدانة إيران. وللمفارقة فإن الدول الأوروبية التي لم تصدر أي بيان إدانة حتى الآن ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل على مدار أشهر، سارعت إلى إدانة هجوم إيران الذي لم يحقق أي نتائج ولم يتسبب في مقتل أي إنسان.
وما زاد الطين بلة أن هذا الصراع أدى إلى إبعاد قضية الإبادة الجماعية في غزة عن صدارة المشهد، وكأن الصراع لم يعد بين غزة وإسرائيل، بل أصبح بين إسرائيل وإيران. وفي ظل هذه الظروف، بدأ أصدقاء إسرائيل الأوروبيون، الذين كانوا يترددون في دعم إسرائيل بشكل علني بسبب جرائمها الفادحة، يعبرون عن دعمهم لإسرائيل بشكل أوضح وأقوى في هذا الصراع الجديد بين إيران وإسرائيل.
ولكن، لا يمكننا طبعا أن نسمح بحدوث ذلك. فكل محاولة لإبعاد غزة عن صدارة المشهد تعد مساعدة لإسرائيل وخيانة للإنسانية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!