ترك برس
أشار تقرير لشبكة الجزيرة القطرية إلى تواصل تداعيات تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سعيه لترميم العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وإشارته إلى أنه سيوجّه قريبا دعوته للرئيس السوري بشار الأسد، فقد أثارت غضبا وجدلا على المستويين الرسمي والشعبي.
وكان الرئيس التركي أعلن في تصريحه في 28 يونيو/حزيران الماضي عن أنّه عقد في السابق لقاءات عائلية مع الأسد، "ولا يستبعد تجدد هذه اللقاءات في المستقبل". وأوضح أنه "لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسوريا"، مؤكدا في الوقت ذاته أنّه لا يمكن أن يكون لدى تركيا أي نية أو هدف بالتدخل في شؤون سوريا الداخلية.
وقالت الجزيرة إن الانعطافة في الموقف التركي بدت حادة للمتابعين، خصوصا أن جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع إعادة العلاقات مع النظام السوري، بل تجاوزت ذلك إلى تحذير العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه، والتشديد على "دعم الشعب السوري ليتخلص من الدكتاتور".
ومن ذلك ما ورد في خطاب أردوغان في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حين قال إن "بشار الأسد مجرم وإرهابي ويمثل خطرا أكثر من تنظيم الدولة"، متسائلا "كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه؟".
وسبقه تصريح في 26 يونيو/حزيران 2012، حين أشار أردوغان بوضوح إلى "أن أمن الأناضول يبدأ من دمشق، وأن كل عسكري سوري يقترب من الحدود التركية سيعامل على أنه عدو، فالنظام السوري لم يعد يشكل خطرا على شعبه فقط، وإنما على تركيا والدول المجاورة".
ونقلت الجزيرة عن مراقبين قولهم إن التغيّر في الموقف التركي لم يأتِ منفصلا عن السياق، وإنما جاء في غمرة أحداث متسارعة داخليا وخارجيا، وبعد سلسلة من المواجهات السياسية بين أنقرة والفواعل الإقليمية والدولية، وحلفاء النظام السوري طوال الأعوام الماضية.
كما أثرت ملفات عدة في الموقف التركي؛ منها إصرار الولايات المتحدة على دعم المشروع الكردي في سوريا، بالإضافة إلى الضغوط الروسية والإيرانية والعربية الأخيرة التي تدفع تجاه إعادة تأهيل النظام السوري. وفقا للتقرير.
وعلى الصعيد التركي الداخلي، فقد تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسر الانتخابات المحلية، إثر تجييش أحزاب المعارضة ضده، إزاء موقفه من الحراك السوري واللاجئين السوريين في بلاده.
فبحسب دراسة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "بين أستانا وجنيف.. أفق الأجندات المتضاربة في الأزمة السورية"، تم التأكيد على أنّ أنقرة بعد سقوط حلب في سبتمبر/أيلول 2015، بدأت تعيد تعريف مصالحها وعلاقاتها بالقوى الفاعلة في المسألة السورية.
وكان ذلك في ضوء المواقف السياسية من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية في يوليو/تموز 2016، والتي أسفرت عن إنهاء الأزمة السياسية في العلاقات التركية الروسية، خاصة أن روسيا كان لها دور مهم في تقديم معلومات أمنية ساعدت على إفشال الانقلاب، بحسب ما أوردته في ذلك الوقت مواقع تركية وروسية وإيرانية.
وما سبق أنتج بدوره مسار أستانا في 23 يناير/كانون الثاني 2017، الذي قوّض مسار جنيف السياسي وحدّد رؤيته وفق الرؤية الروسية، حيث تولى حينها الطرف التركي في مسار أستانا مهمة ضمان مشاركة المعارضة السورية، في مقابل ضمان الروس -الحليف الأقوى لبشار الأسد- مشاركة النظام السوري والتزامه بشروط التهدئة، وجرى -بحسب دراسة مركز الجزيرة- ضم إيران لاحقا خوفا من أن تمارس دورا تخريبيا يؤدي إلى إفشال مسار أستانا السياسي.
ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور مروان قبلان أنّ الموقف التركي تجاه الحراك السوري تغيّر منذ التدخل الروسي والانخراط في مسار أستانا، وزيادة الضغوط الداخلية والخارجية على تركيا.
وأضاف قبلان -في تصريحه للجزيرة نت- أن مخاوف تركيا من قيام كيان كردي انفصالي على حدودها مع سوريا يُعَد "أحد أهم دوافع انقلاب الموقف التركي"، فهناك شكوك بأنّ أميركا تسعى لدعم تأسيس كيان كردي، قد لا يكون بالضرورة انفصاليا أو مستقلا، لكن مجرّد تشكيله قد يكون خطوة لإنشاء هذا الكيان، لذلك تتجه تركيا اليوم نحو الروس والتطبيع مع النظام السوري.
وبناء على ما سبق، وبحسب مركز الجزيرة للدراسات، فقد استفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التغير الحاصل في البيئة الإقليمية للملف السوري، وعلى رأسها الموقف التركي، ونجح في تغيير ملامح رؤية الحل السوري وقواعد اللعبة الدولية والتخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة، وراح يرتّب الفواعل السياسية انطلاقا من مصالح القوى الإقليمية لا الدولية، مستغلا تجاهل الطرف الأميركي -لسبب ما- لهذه المساعي الروسية.
ويعتقد الصحفي والكاتب السياسي أحمد كامل -في حديثه للجزيرة نت- أنّ تصريح أردوغان وتلويحه بالتطبيع مع الأسد "له علاقة مباشرة بتحركات الانفصاليين (الأكراد)، وتحديدا انتخابات الإدارة الذاتية المزمع عقدها الشهر المقبل"، مضيفا أن تصريح أردوغان "غالبا هو وسيلة ضغط لتخويف أصحاب المشروع الانفصالي الكردي وداعميه، ومن جهة أخرى يسعى أردوغان بذلك إلى تحسين العلاقات مع العراق، لا سيما أن الكل اليوم موافق على مثل هذه الخطوة ما عدا قطر والمغرب والكويت".
وفي ضوء التحركات السياسية، استضافت موسكو في بداية أبريل/نيسان الماضي اجتماعا رباعيا ضمّ نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا، حيث أكّد النظام السوري على ضرورة إنهاء الوجود التركي على الأراضي السورية، وتجنّب التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله.
وأوضح البيان الختامي لهذا الاجتماع، بحسب وكالة الأناضول، أنّ الأطراف اتفقت على "ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومشرف"، وعلى "إعداد خارطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات للدول الأربع"، في حين أكّد الوزراء "التزامهم بسيادة سوريا ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا".
وعزا قبلان عرقلة هذه المفاوضات الرباعية إلى تصلّب الأطراف، وقال إنّ "الطرفين لم يقبلا بشروط بعضهما، فالنظام كان يريد الانسحاب التركي والوقف الفوري لدعم الفصائل العسكرية، لكن تركيا رفضت، لاعتقادها الجازم أن النظام السوري أضعف من أن يسيطر على المناطق التي من الممكن أن تنسحب منها".
لكن في الفترة الأخيرة -بحسب قبلان- نلاحظ مرونة واضحة في مواقف الطرفين، حيث "لم يعد النظام يطالب بالانسحاب التركي، بل يطلب تعهدا بالانسحاب فقط، في المقابل بدأ الأتراك الحديث عن إمكانية التطبيع مع النظام بشروط عامة أكثر من كونها محددة، مثل الحديث عن المصالحة بين أطراف النظام والمعارضة على سبيل المثال".
ليبقى السؤال المهم: هل تستطيع الحكومة السورية حقا استقبال المهجّرين، والحفاظ على الأمن القومي التركي من خلال إدارة الفوضى السياسية في مناطق الإدارة الذاتية والشمال السوري الخارجة عن سيطرتها؟! ولا سيما أنّ قضية اللاجئين تعتبر مُحددا أساسيا لرسم علاقة حزب العدالة والتنمية بالشارع، لدرجة أنّ هناك إجماعا تركيّا اليوم على ضروة حلّ هذه القضية ولو اقتضت التواصل مع النظام السوري ذاته، لأن أنقرة فقدت الأمل بأي تغيير سياسي في سوريا بالصورة التي كانت ترغب بها في السنوات الأولى من الثورة السورية، بحسب قبلان.
وعن مدى الارتباط بين التغييرات الطارئة على طبيعة الموقف التركي وتوقيته ومستجدات الظروف الدولية واحتمالية وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، يرجّح الدكتور رائد الحلبي المقرّب من صُنّاع القرار الروسي -في حديثه للجزيرة نت- أنّ قدوم ترامب سيكون له تأثير مباشر في الموقف التركي وتوقيته، "لأنّ تركيا تعلم أنّ ترامب سيضغط على إيران، ويسعى إلى الانسحاب الأميركي من العراق ثمّ سوريا، وهذا بطبيعة الحال سينهي أمل الحركات الكردية التي تعتمد دوما على المجهول في تأسيس كيان انفصالي عن محيطه الجغرافي".
في حين يرى أحمد كامل أنّ ترامب "إذا ربح، فهذا يعني أنّ من المحتمل أن يسمح لتركيا بتوسيع المحرر (مناطق المعارضة السورية) ووصله وقضم جزء منه وهو منبج، لأن حصول تركيا على قطعة إضافية يحتاج موافقة روسيا دوما بجانب الموافقة الأميركية"، لكنّ حصول تركيا على أكثر من المذكور أمر يستحيل أن توافق عليه الأطراف، مما يعني أنّه لن تكون هناك ضرورة للتطبيع التركي مع النظام السوري، الذي يستخدم هذه الورقة فزاعة سياسية لا أكثر.
في المقابل، استبعد قبلان أن يكون لنجاح ترامب تأثير مباشر على الموقف التركي اليوم، فحتى "لو فاز (الرئيس الأميركي) جو بايدن، فإن دوافع تطبيع تركيا مع النظام السوري ستكون أكثر ضرورة، لأنها تخشى سياسات الإدارة الحالية، خاصة منهجية التعاطي لدى مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغوك، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية سواء في سوريا أو العراق".
في النهاية، لا اتفاق على التفاصيل، وما زال الحديث في إطار الملامح العامة التي تؤسس لضبط العلاقة بين الأطراف، وتصريحات ومواقف الرئيس التركي الأخيرة -رغم وضوحها- ما زالت تحمل غموضا في كيفية التطبيق والتنفيذ، لأنّ الطرف التركي ما زال ينظر إلى المتغيرات بحذر، ويتخوّف من عدم جدّية الحكومة السورية في إعادة المهجّرين، أو عدم قدرتها على تقويض المشروع الانفصالي للإدارة الذاتية، لا سيما أنّ الطرف التركي يدرك أنّ النظام السوري تحوّل إلى هيكل هش يحاول حلفاؤه إحياءه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!