ترك برس
تشهد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط توترات متزايدة بين اليونان وتركيا، حيث تجسدت مؤخرا في اختراق زوارق خفر السواحل اليونانية للمياه الإقليمية التركية، مما أثار قلق أنقرة وأدى إلى تصعيد الخطاب السياسي.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي التركي يحيى بستان، إن زوارق خفر السواحل اليونانية اخترقت مياه بودروم وداتشا التركية، في خطوة استفزازية هدفها إزعاج تركيا. ولم تكتفِ أثينا بذلك، حيث أرسل اللوبي اليوناني رسالة إلى الكونغرس الأمريكي تصف تركيا بأنها دولة معادية.
في المقابل، أدلى رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس بتصريحات جديدة من على منصة الأمم المتحدة، حيث قال: "هناك فرصة لتحديد مناطق الاختصاص البحري مع تركيا، وعلينا التحلي بالشجاعة". ويعد هذا التصريح ذا أهمية كبيرة. حسبما ذكر بستان في مقال بصحيفة يني شفق.
وأضاف الكاتب: "ماذا تعني هذه التطورات المتناقضة والمتزامنة؟ الإجابة واضحة: تسلسل الأحداث الأخير زعزع موقف أثينا، وتكشف هذه التناقضات عن حالة من الارتباك. لنستعرض هذه المستجدات بعمق أكبر".
وتابع المقال:
طرحت أنقرة عقيدة "الوطن الأزرق" ردًا على محاولة تحالف بقيادة الولايات المتحدة لحصر تركيا ضمن سواحلها في شرق البحر المتوسط. وقد استجابت تركيا لهذا التحرك من خلال توقيع اتفاقية مع ليبيا، بينما وقّعت اليونان اتفاقية مماثلة مع مصر. عقب هذا التصعيد، خفت التوترات في شرق البحر المتوسط نتيجة للتوازن الجديد الذي نشأ، أو ربما تم تأجيله مؤقتًا.
ومع ذلك، شهد الوضع تحولاً كبيرًا الشهر الماضي، تحديدًا خلال زيارة الرئيس المصري السيسي إلى أنقرة في 4 سبتمبر. ووفقًا لما ذكره مسؤول مصري، هدفت الزيارة إلى استكشاف سبل التعاون الاستراتيجي الشامل، بما في ذلك منطقة شرق البحر المتوسط'. كنت قد توقعت أن تثير هذه الخطوة قلقًا في أثينا، وناقشت هذا الأمر في مقال بعنوان "توقعات لحدوث تحول كبير في شرق البحر المتوسط" نُشر في 6 سبتمبر. لكنني لم أكن أتوقع أن تظهر آثار الزيارة بهذه السرعة.
تخشى أثينا من أن تؤدي العلاقات المتنامية بين تركيا ومصر إلى توقيع اتفاقية جديدة تتعلق بشرق البحر المتوسط. ففي حال إبرام مثل هذه الاتفاقية - والتي بدأت ملامحها تظهر - فإن اتفاقية أثينا والقاهرة، التي تُعتبر حجر الزاوية في الموقف اليوناني، ستفقد أهميتها. (جدير بالذكر أن هذه الاتفاقية تسببت في خسارة مصر لمساحة 21 ألف كيلومتر مربع في البحر المتوسط).
هذاه المخاوف تفسر خطاب رئيس الوزراء اليوناني، ميتسوتاكيس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. إذ ترى أثينا أن موقفها في شرق البحر المتوسط بدأ يضعف. ولهذا صرح ميتسوتاكيس قائلاً: "هناك فرصة لتحديد مناطق الصلاحيات البحرية بين تركيا واليونان، وعلينا التحلي بالشجاعة لاغتنامها". سنرى ما إذا كانت هذه المسألة ستشهد تطورًا خلال الاجتماع القادم للمجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بين تركيا واليونان.
هل ستعود تركيا إلى برنامج المقاتلات إف-35؟
التطور الثاني الذي أثار قلق أثينا هو المحادثات الجارية بين تركيا والولايات المتحدة. فقد صرّح وزير الخارجية هاكان فيدان بأن هناك مفاوضات جارية لرفع العقوبات المفروضة على تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا). يُعد هذا التصريح في غاية الأهمية، وله صلة مباشرة بمشروع المقاتلات إف-35. وأوضح فيدان أن 'كلا الجانبين متفقان على أن هذه المسألة تشكل عقبة'، مما يحمل دلالة كبيرة.
لم تثر هذه التصريحات جدلًا في تركيا، لكنها أشعلت نقاشًا واسعًا في اليونان. الاتفاقية الدفاعية التي وقعتها الولايات المتحدة مع إدارة قبرص اليونانية لم تكن كافية لتهدئة مخاوف أثينا. وبدأت حملة لمنع عودة تركيا إلى برنامج المقاتلات إف-35. وفي هذا السياق، أرسل اللوبي اليوناني في الولايات المتحدة، المعروف باسم مجلس القيادة الأمريكية-اليونانية، رسالة قوية إلى أعضاء الكونغرس تضمنت عبارات حادة.
رفع العقوبات
زعمت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية أن منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 ستكون تحت السيطرة الأمريكية في قاعدة إنجرليك الجوية، مقابل إعادة تركيا إلى برنامج المقاتلات الشبحية إف-35. (يُقال إن الأمريكيين قدموا هذا الاقتراح، لكن أنقرة رفضته). وقد علقت مصادر من وزارة الدفاع التركية على هذه الادعاءات، واصفة إياها بأنها "محاولات من أطراف ثالثة للتأثير على الرأي العام".
من التطورات التي زادت من قلق اليونان كانت دعوة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لحضور اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. خلال الاجتماع، طالب فيدان برفع العقوبات المفروضة على تركيا منذ عام 2019، والتي جاءت بسبب النزاع حول شرق البحر المتوسط. وقد شهد هذا الملف تقدمًا واضحًا، حيث انضمت دول مثل كندا، السويد، وهولندا إلى النرويج، التي رفعت عقوباتها المفروضة على تركيا في 11 سبتمبر. من المحتمل أن ترى اليونان في هذا التقدم تهديدًا قد يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة على تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا)، رغم استمرار التردد الألماني في هذا الشأن.
في هذا السياق، اخترقت الزوارق اليونانية مياهنا الإقليمية قرب سواحل بودروم وداتشا. من الواضح أن أثينا تسعى إلى إبقاء التوتر قائمًا بين تركيا والعواصم الغربية، فهي تستفيد من الأزمات والتوترات، بل تسعى إلى افتعالها عندما لا تكون موجودة. هدفها الرئيسي هو إبقاء تركيا خارج برنامج المقاتلات الشبحية إف-35، واستمرار العقوبات المفروضة على قطاع الدفاع التركي. لذلك، يجب أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي استفزازات جديدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!