ترك برس

أكد الكاتب والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، أن تركيا تتابع عن كثب تحولات المنطقة وتوازناتها، وتحاول في نفس الوقت تكوين صورة واضحة عن الرؤية التي تسعى الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب، إلى تحقيقها في المنطقة.

وقال إيرسانال إنه نظرا لأن القضية لا تقتصر على سوريا بالنسبة للقوى العظمى، والتي تعتبر جزءًا صغيرًا من الصورة الأكبر، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى جعل سياسات تركيا، مثل مطالبها بالقضاء على تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، تتماشى مع الخطة الأمريكية الكبرى.

وأوضح في مقال بصحيفة يني شفق أن النهج التركي في التعامل مع المسألة، يقوم على مبدأ "أن تتولى دول المنطقة مسؤولية قضاياها الإقليمية". وهذا المبدأ، في جوهره، ينطوي على إشارة ضمنية إلى الأطراف المتورطة في هذه القضايا والمشاكل.

وذكر أن أنقرة تطالب بتحمل رباعي مكون من العراق وسوريا والأردن وتركيا مسؤولية مكافحة تنظيم داعش. وهو ما يطرح نموذجًا مختلفًا لمقاربة القضايا الإقليمية ولكن لا يُنتج بالضرورة "أدوات الحل" المطلوبة لمعالجة أزمة إقليمية معقدة.

وأضاف: "لتركيا أسبابها الخاصة في الرغبة في التعاون مع هذه الدول، فهي تسعى من جهة إلى تجنب حجة الولايات المتحدة الدائمة حول الحاجة إلى الحفاظ على سجونها وعدم المساس بحراسها، ولكنها من جهة أخرى تعمل تركيا على تحجيم دور إسرائيل، المجاورة لسوريا. وهذا بحد ذاته رسالة".

وفيما يلي نص المقال:

وفقًا لما أوردته وكالة بلومبرغ فإن "تركيا تعتقد أن تطلعاتها للعب دور أكبر في مستقبل سوريا قد حظيت بموافقة ضمنية من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن بشرطين أساسيين: الامتناع عن استهداف القوى الكردية في سوريا، والتخفيف من حدة انتقاداتها لممارسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية"، وذلك بحسب مسؤولين أتراك ومستشارين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

ويبدو أن هذا الرأي يتردد على ألسنة مستشارين وسياسيين آخرين، ولكن يبقى السؤال مطروحا: هل هؤلاء الأشخاص ينقلون فقط ما يعتقدون أن واشنطن وتل أبيب تفكران فيه؟ أم أنهم يهمسون بهذه الآراء لأنهم يؤيدونها بالفعل؟ لا نعلم ذلك على وجه اليقين.

لكن ما نعلمه جيدًا هو أن أنقرة تمضي قدمًا في مساعيها الرامية إلى القضاء التام على التنظيمات الإرهابية، واغتنام الفرص التي يتيحها المشهد الجيوسياسي الجديد في سوريا. ولا شك أن أنقرة تدرك تمامًا أن المعادلة السورية نفسها تثير قلقًا، بل ربما ذعرًا، لدى إسرائيل.

أما الجملة المقتبسة أعلاه، فتتضمن عبارة ملتوية: "حظيت بموافقة ضمنية". هذه العبارة توحي بأن هناك تفاهما أو حتى اتفاقًا قد تم التوصل إليه بين أنقرة وواشنطن وتل أبيب، وكأن تركيا مستعدة لغض الطرف عن أنشطة تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" الإرهابي في سوريا، والتراجع عن خطابها المناهض لجرائم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والضفة الغربية، مقابل تحقيق مكاسب اقتصادية في سوريا.

هل يوجد في تركيا من يفكر بهذه العقلية؟ بالطبع، هناك الكثير منهم. فهذه الأرض خصبة لمثل هذه العقول. ولكن ثمة تتمة للخبر؛ إذ يضيف التقرير: "لقد رفضت الولايات المتحدة حتى الآن مطالب تركيا بحل قوات "بي كي كي/ واي بي جي/ قسد". إذ تعتبر واشنطن هذه التنظيمات "حليفا حيويا" في الحرب ضد داعش في سوريا، وهو موقف لا يزال قائما وفقا لمصادر مطلعة على السياسة الخارجية التركية. ولكن يبدو أن الأجواء تشهد تغيرا ملحوظا، فقد وصف الرئيس الأمريكي ترامب الرئيس أردوغان بأنه "صديق"، وأكد أن تركيا ستكون لاعبًا رئيسيًا في رسم مستقبل سوريا. ويأمل أردوغان في إقناع ترامب بأن الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في الناتو، هو الأقدر على منع عودة داعش". (جمهوريت، 27/01.)

فلا الولايات المتحدة، ولا إسرائيل، ولا تركيا، ولا غيرها من الفاعلين في المنطقة، ينتهجون سياساتهم بناءً على المشهد السوري وحده. فسقوط تظام البعث أدى إلى تغييرات جوهرية في التوازنات الجيوسياسية، لكنه خلّف أيضًا تصدعات جديدة. ولذلك لا يمكن النظر إلى سوريا بمعزل عن محيطها، إذ يجب أن تؤخذ جميع المناطق المجاورة لها بعين الاعتبار، لا سيما أنها ترتبط بشكل وثيق بالمحاور الجيوسياسية الكبرى.

فلنمضِ قدما واضعين في الاعتبار الزيارات الأخيرة المتزامنة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العراق، ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن إلى دمشق.

ربما تسعى الإدارة الجديدة للبيت الأبيض إلى تشكيل تحالف في سوريا يضم كلًّا من العراق والأردن وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة. ولن يكون لهذا التحالف أي اعتراضات على قيادة "الشرع" الحالية، إلا أن العقل المدبّر لهذا الترتيب لن يسمح أيضًا بأن تكون الحكومة السورية الجديدة تحت سيطرة طرف واحد بشكل مطلق.

والجدير بالذكر أن هذه المعادلة تستثني روسيا وإيران، بينما تلعب دول الخليج دور المستثمرين الذين يتم تشجيعهم بقوة. وهذا لا يعني أنهم مستبعدون كليًا، بل إن أدوارهم محسوبة ضمن توازنات سياسية محددة. ولكن سيكون للسعودية دور حاسم، ليس فقط في سوريا، بل في الشرق الأوسط كله.

عندما ننتقل إلى الجانب الآخر، نجد أن مسألة كيفية حل الملف الإسرائيلي الفلسطيني وملف غزة والضفة الغربية أكثر تعقيدًا، لكنها موجودة. أولًا، هناك عملية وقف إطلاق النار التي دخلت حيز التنفيذ بالفعل. هذه العملية هشة، لكن مراحل تنفيذها واضحة. والمسألة الأساسية ليست الوصول إلى السلام بشكل كامل، بل هو إتمام هذه العملية.

أولًا، ما هو مصير نتنياهو؟ هذه مسألة شكلية بالنسبة لإسرائيل، لكن يجب أن نفكر في مدى توافق سياسات نتنياهو وترامب. ثانيًا، لم يتمكنوا من القضاء على حماس، لكنهم يعتقدون أنه يجب توزيع ميراثها وأن يقوم بذلك "فلسطينيون أكثر ملاءمة". ثالثًا، هل ستحتاج المنطقة إلى قوة دولية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمِن أي الدول ستتكون هذه القوة؟ رابعًا، هناك خطط ومراحل للسلام تمتد لسنوات طويلة - على الأقل أربع سنوات - وهذا يعني أن الأمور ستظل واضحة على المدى البعيد. خامسًا، ما هو دور مصر والأردن؟ لقد قوبلت فكرة ترامب بإرسال الفلسطينيين إلى هذين البلدين بالرفض من قبل القاهرة وعمان، وهي فكرة خام وغير ناضجة. ولكن لماذا طرحت هذه الفكرة؟ سادسًا، يقال إن أحد الأهداف الاستراتيجية هو إبرام اتفاقية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين والسعودية، وهذا يعني إعادة حسابات المنطقة. ويشير ذلك إلى "حدود جديدة"، بما في ذلك لبنان. سابعًا، ما هي العلاقة بين "الأعلى" و"الأسفل"؟ وكيف سيتم حساب ذلك؟

يمكن إطالة قائمة هذه المعضلات المعقدة، إلا أن جميع الخطط المقترحة لتحقيق السلام في المنطقة تُصاغ بما يخدم مصالح واضعيها. وتركيا بطبيعة الحال تتبع النهج ذاته.

فهي من جهة تتابع عن كثب تحولات المنطقة وتوازناتها، ومن جهة أخرى تحاول تكوين صورة واضحة عن الرؤية التي تسعى الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، إلى تحقيقها في المنطقة.

ونظرا لأن القضية لا تقتصر على سوريا بالنسبة للقوى العظمى، والتي تعتبر جزءًا صغيرًا من الصورة الأكبر، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى جعل سياسات تركيا، مثل مطالبها بالقضاء على تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، تتماشى مع الخطة الأمريكية الكبرى.

أما النهج التركي في التعامل مع المسألة، فيقوم على مبدأ "أن تتولى دول المنطقة مسؤولية قضاياها الإقليمية". وهذا المبدأ، في جوهره، ينطوي على إشارة ضمنية إلى الأطراف المتورطة في هذه القضايا والمشاكل. ولكن هل يمكن تطبيق هذا عمليا؟ فأنقرة تطالب بتحمل رباعي مكون من العراق وسوريا والأردن وتركيا مسؤولية مكافحة تنظيم داعش. وهو ما يطرح نموذجًا مختلفًا لمقاربة القضايا الإقليمية ولكن لا يُنتج بالضرورة "أدوات الحل" المطلوبة لمعالجة أزمة إقليمية معقدة. ولتركيا أسبابها الخاصة في الرغبة في التعاون مع هذه الدول، فهي تسعى من جهة إلى تجنب حجة الولايات المتحدة الدائمة حول الحاجة إلى الحفاظ على سجونها وعدم المساس بحراسها، ولكنها من جهة أخرى تعمل تركيا على تحجيم دور إسرائيل، المجاورة لسوريا. وهذا بحد ذاته رسالة.

قد تتلاقى الخطط التركية والأميركية على المدى القصير، ولكن على المدى المتوسط، بعد أربع سنوات مثلًا، ولكن يجب علينا أن نبدأ من الآن بتقييم صعوبات تكييف هذه السياسات بما يتناسب مع أجندة عالمية أخرى.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!