ترك برس
تحت عنوان "كيف تصلح العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا"، كتب كمال كيرشيتشي، الزميل الكبير في معهد بروكنغز مقالا بصحيفة نيويورك تايمز، تناول فيه الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين، مشيرا إلى أنه ليس من مصلحتهما استمرار التدهور في العلاقات، وأن عليهما اتخاذ بعض الإجراءات من أجل عودة الأمور إلى نصابها.
ودعا كيرشيتشي في مقدمة مقاله البلدين إلى استخدام الدبلوماسية وإخراج العلاقات من المأزق الحالي لضمان عدم استغلال المنافسين الجيوسياسيين للأزمة، ولضمان المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وتركيا.
أما الخطوة الأولى في طريق إصلاح العلاقات، كما يقول الباحث، فيجب أن تكون عزل الشعبين الأمريكي والتركي عن الأزمة، لأن الولايات المتحدة برفضها منح التأشيرات للأتراك، اتخذت لأول مرة تدابير تؤثر على الأتراك العاديين، كما أن هذا القرار يزيد من حدة الاستياء القائم تجاه تركيا في الولايات المتحدة، ويؤجج المشاعر المعادية لأمريكا في تركيا.
وأضاف أن على الدولتين أن تبديا قدرا أكبر من الحساسية تجاه بعضهما، فتركيا تحتاج من الولايات المتحدة أن تكون أكثر تقديرا لمخاوفها الأمنية، وفي المقابل تحتاج الولايات المتحدة من تركيا أن تبدي التزامها الصارم بسيادة القانون.
وبعد أن استعرض تاريخ التحالف بين البلدين الذي يرجع إلى إلى سبعة عقود مضت، أشار إلى أن العلاقة بينهما شهدت تاريخا من التقلبات. فبعد التدخل التركي في قبرص في عام 1974، فرضت الولايات المتحدة حظرا على توريد الأسلحة إلى تركيا، واستغرق الأمر خمس سنوات لإصلاح العلاقة. وفى عام 2003 لم تسمح تركيا للقوات الأمريكية بالمرور عبر الأراضي التركية لغزو العراق. وقد أدى هذا الخلاف إلى مزيد من التدهور في العلاقات.
وتابع بالقول إن الأزمة الحالية سبقتها عدة توترات مكثفة دفعت الجانبين إلى عمق دوامة انعدام الثقة المتبادل. وقد تراوحت هذه الأمور من خيبة أمل الرئيس باراك أوباما العميق من الإجراءات العنيفة التي اتخذها الرئيس أردوغان ضد احتجاجات حديقة غيزي بارك عام 2013 ،إلى استياء تركيا من فشل إدارة أوباما في دعم "خطوطها الحمراء" ضد نظام الأسد في الحرب السورية.
واتسعت الخلافات بين الجانبين حول سوريا عندما اتُهمت تركيا بالإخفاق في وقف تدفق المقاتلين المتطرفين الأجانب، وعززت الولايات المتحدة التعاون العسكري مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري ضد تنظيم الدولة (داعش)، في الوقت الذي تعد فيه تركيا هذا الحزب امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حربا مسلحة على الدولة التركية منذ الثمانينيات.
وقد تبدد أمل تركيا في تحسن العلاقات الثنائية مع تولي إدارة دونالد ترامب، بعد اشتباكات عنيفة خارج مقر السفير التركي في واشنطن في أيار/ مايو الماضي بين حراس الرئيس أردوغان ومتظاهرين. وفاقمت محاولة الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2016 وما خلفتها من آثار مؤلمة، من الأزمة الحالية، ذلك أن هناك إجماعا في تركيا على أن فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا، وحركته قد خططوا للانقلاب بعد بعد انهيار تحالفهم مع الحكومة.
وزاد من تعميق الأزمة، وفقا لكيرشيتشي، استمرار فرض حالة الطوارئ منذ محاولة الانقلاب وعمليات التطهير والاحتجاز واسعة النطاق في تركيا، وضغط الحكومة التركية على الحكومات الأجنبية لتسليم المواطنين الأتراك المتهمين بالتورط في مؤامرة الانقلاب.
ولكن الباحث نوه إلى أن الولايات المتحدة تتحمل جزءا كبيرا من اللوم في هذه الأزمة، فإخفاق الأمريكيين في التعاطف مع ما مرت به تركيا خلال محاولة الانقلاب ألحق مزيدا من الضرر للعلاقة بينهما، إلى حد أن هذا الموقف يغذي اتهامات الولايات المتحدة بالتورط في الانقلاب. وقد رأت تركيا في قرار الولايات المتحدة تسليح حزب الاتحاد الديمقراطي تجاهلا لأمنها القومي. كما أن استمرار غياب الرؤية والاستراتيجية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشأن الوضع في العراق وسوريا يثير مخاوف في تركيا حول حكمة الاعتماد على واشنطن.
وأكد كيرشيتشي إن البلدين ما يزالان، رغم ذلك، في حاجة إلى بعضهما البعض، إذ يمكن لتركيا أن تساعد الولايات المتحدة على تحجيم الهجمة الروسية والإيرانية، وإيجاد حل للصراعات في جنوب القوقاز، والمساعدة في الحرب على داعش، والمساهمة في إيجاد قدر من الاستقرار في العراق وسوريا. لكن عدم وجود استراتيجية واضحة للولايات المتحدة يدفع تركيا إلى إقامة علاقة أوثق مع كل من روسيا وإيران للدفاع عن مصالحها.
وفي المقابل ما تزال تركيا في حاجة إلى الولايات المتحدة والغرب، حيث تقع المصالح التركية. يأتي أكثر من نصف تجارة تركيا وثلثا استثماراتها الأجنبية المباشرة التي هي في أمس الحاجة إليها من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعلى عكس إيران وروسيا، فإن تركيا ليست مصدرا للنفط والغاز الطبيعي، ولذلك فإن قوتها الاقتصادية مرتبطة باقتصاد سوقي فعال.
وختم كيرشيتشي مقاله بإرشادات لحل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية، وفي مقدمة ذلك تمكين المواطنين العاديين من السفر. ويمكن للولايات المتحدة أن تكون أكثر انفتاحا على جهود إصلاح العلاقات من خلال ما يسمى بالدبلوماسية التي تتبعها شخصيات مؤثرة من خارج الحكومة، من أجل فهم أفضل للضرر الذي يلحقه غولن بالمؤسسات والسياسة التركية.
وعلاوة على ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تؤكد لتركيا أن الأسلحة التي قدمتها لحزب الاتحاد الديمقراطي لن توجه ضد أهداف تركية. ويتعين على القادة الأتراك، من جانبهم، تجنب السياسة الشعبوية، ورفع حالة الطوارئ، والتركيز على إعادة بناء الديمقراطية في تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!