ترك برس
حذّر "ويسل قورت"، الباحث التركي في مجالات السلطوية والتحول الديمقراطي والعلاقات العسكرية-المدنية، من إمكانية استغلال الميليشيات الكردية انشغال بقية الأطراف في سوريا بمناطق خفض التوتر والمفاوضات السياسية، لتعزيز قدراتها العسكرية، من حيث السلاح والمقاتلين.
وفي تقرير تحليلي بوكالة الأنباء التركية (الأناضول)، قال قورت إن قمة سوتشي الثلاثية التي ضمت رؤساء تركيا وروسيا وإيران، الأربعاء المنصرم، تعد منعطفا هاما على طريق حلّ الأزمة السورية، وانبثقت عنها ما يمكن أن نطلق عليه "خارطة طريق" جديدة، لإنهاء الحرب، وإعادة إعمار سوريا.
وتحمل قمة سوتشي أهمية، لأنها تُعقد بين تركيا وروسيا وإيران، الدول الثلاثة الضامنة لمسار أستانا، الذي ركز على وقف الاشتباكات، وأفضى إلى تشكيل مناطق خفض التوتر في سوريا، بحسب الباحث التركي.
وجرى التأكيد مجددا خلال القمة على وحدة أراضي سوريا، وضرورة تطهير البلاد من المنظمات الإرهابية، واتخاذ التدابير التي من شأنها تهيئة الأجواء لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، وإيصال المساعدات الإنسانية دون معوقات.
ورأى البعض قبل انطلاق القمة الثلاثية، أنها ستكون " قمة إقناع تركيا"، في مشهد يصورها على أنها لاعب يعترض على عملية متشكلة بمعزل عنها، ويتجاهل حقيقة أن تركيا هي إحدى مؤسسي مسار أستانا.
بالطبع ستكون هناك مفاوضات صعبة بين الأطراف، ومحاولات لاستمالة الآخر، وبالتالي لا يمكننا توقع تحقيق تفاهم حول كافة الملفات.
وفي قراءة لما بين السطور في التصريحات الصادرة عقب القمة، يتولد لدينا انطباع حول عدم وجود تفاهم تام حول هذه المسيرة، حيث هناك تباين في المواقف بين أنقرة من جهة وموسكو وطهران من جهة أخرى، بخصوص تنظيم "بي واي دي/ واي بي جي" (الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية).
ورغم أن الموقف المبدئي لإيران وروسيا حول ضرورة صون وحدة الأراضي السورية، يُعد مهما، إلا أن إمكانية احتفاظ "واي بي جي" بوجوده العسكري، في إطار فيدرالية محتملة بسوريا، سوف يشكل مصدر خطر متواصل بالنسبة لتركيا.
وتكتسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب القمة، أهمية في هذا السياق، حيث أكد على مواصلة تركيا دعم جهود الحل السياسي للأزمة السورية، مع عدم تهاونها حيال أي خطر يهدد أمنها.
ويعكس إلغاء موسكو "مؤتمر شعوب سوريا" الذي كانت تخطط له ودعت "ب ي د" للمشاركة فيه، مراعاة روسيا لحساسية تركيا تجاه هذا الأمر، حيث جرى تحويل اسم الاجتماع إلى "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، أي بمعنى آخر بديلا لـ"مؤتمر شعوب سوريا"، الذي تحفظت عليه أنقرة لا سيما مسألة مشاركة "بي واي دي".
والقضية الأخرى الهامة بعيدا عن مشاركة تنظيم "بي واي دي" في المؤتمر من عدمها، مسألة وجود التنظيم على الأرض، في مدينة عفرين بريف حلب (شمال)، الأمر الذي يشكل مصدر تهديد سواء لتركيا، أو مناطق خفض التوتر في سوريا.
وينبغي عدم تجاهل إمكانية تقويض هذه المسيرة من قبل "بي واي دي"، الذي يحارب من أجل غاياته، ونيابة عن الولايات المتحدة في الوقت نفسه، لا سيما إمكانية استغلال التنظيم انشغال بقية الأطراف بمناطق خفض التوتر والمفاوضات السياسية، لتعزيز قدراته العسكرية، من حيث السلاح والمقاتلين.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يمكننا القول إن قمة سوتشي، تشكل منعطفا هاما على صعيد مسار أستانا خاصة، وحلّ الأزمة السورية بشكل عام، وفي حال تم تجاوز هذا المنعطف بنجاح فإن ذلك يعني قطع شوط كبير على طريق حلّ الأزمة، لا سيما التوصل إلى مخرجات ملموسة من أجل مباحثات جنيف.
لكن في حال حدوث نكسة ما في هذا المسار، فإنه ينبغي التركيز على عدم التفريط بالمكتسبات التي تم تحقيقها لغاية اليوم، وإلا فإنه سيكون من الصعب الحيلولة دون تفاقم الأزمة بشكل أكثر عنفا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!