جلال بكار - خاص ترك برس
اهتم العثمانيون اهتماماً كبيراً بالتجارة حيث كانت إسطنبول تمثل مركزاً تجارياً وصناعياً مهماً في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية عندما بلغت الدولة ذروة مجدها، وكانت تتمتع تركيا بالأسواق الكبيرة، فعملوا على بناء الكثير من المراكز التجارية والأسواق الكبيرة لتكون محطة يستقر فيها التجار المسافرون، وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية الحديثة، تم تشكيل أول حزب سياسي في تإريخ تركيا من قبل (مصطفى كمال أتاتورك) عام 1923، وهو حزب الشعب الجمهوري، وتشكلت أحزاب مختلفة في السنوات اللاحقة في العامين (1924-1930)، لكنها لم تجد الجو الملائم لمواصلة نشاطها السياسي فأغلقت، وعاشت البلاد وتيرة حكم الحزب الواحد حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من أن الجمهورية التركية لم تدخل الحرب العالمية الثانية في بادئ الأمر إلا أن نتائجها كانت قاسية عليها حيث عصفت بالبلاد أزمة اقتصادية عنيفة حتى بات لا يجد المواطن الخبز إلا بالوثيقة، وكانت حرية التعبير شبه معدومة والنظام أقرب إلى الدكتاتورية فضلاً عن أن الشعب التركي لم يكن يتمكن من أداء الشعائر الدينية بحرية فالأذان كان يسمح به باللغة التركية فقط، والمدارس الدينية أغلقت، وساعد الإقتصاد السيئ وتضييق الخناق على حرية التعبير والدين في تشكيل جبهة معارضة ضد حزب الشعب الجمهوري الحاكم، وساد التوتر السياسي في البلاد بين الإسلاميين والليبراليين واليمين واليسار، والنخب التجارية والثقافية والأقليات المختلفة وكل الناقمين على السياسة الداخلية، ولا سيما في فترة ما بعد حكم رئيس الوزراء التركي (تورغوت اوزال)(*)، التي أظهرت الحكم العسكري على صورته الحقيقية في الهيمنة والسيطرة على البلاد.
عاشت تركيا أزمة اقتصادية عام 2001، أدت إلى تراجع اقتصادها بنسبة 5.7%، ولكن بعد عام، سرعان ما تغير مجرى الاقتصاد التركي، وتحديدا بعد تولي حزب العدالة والتنمية التركي زمام الأمور في البلاد، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، فشهد الاقتصاد التركي خلال أول عشر سنوات من وصول العدالة والتنمية للحكم قفزة نوعية.
والتزم الحزب منذ انتخابه بتنفيذ الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي عام 2001، والذي أجبره على اتخاذ سياسات تقشفية صارمة، وإجراء إصلاحات هيكلية طالت عددا من القطاعات كان أهمها القطاع المصرفي، حيث تم تعويم سعر الليرة التركية، ورفع القيود المفروضة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، والتشديد على الانضباط المالي، ورفع استقلالية البنك المركزي.
استطاع الحزب إنقاذ البلاد من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية، التي شهدت انهيار الليرة التركية بنسبة 100% وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية بلغت 70%، وأفلست على إثر ذلك نصف البنوك التركية، ووصلت معدلات البطالة إلى مستويات خرافية. وفي عام 2003، ازداد النمو بنسبة 5.3%، وبنسبة 9.4% في 2004، وبنسبة 8.4% في 2005، وبنسبة 6.9% في 2006، وبنسبة 4.7% في 2007.
وفي نهاية عام 2008 بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية بالتأثير على تركيا، ومع ذلك نمى الاقتصاد التركي في ذلك العام بنسبة 0.7%، في حين أنه تراجع في عام 2009 بنسبة 4.8%، ولكنه سرعان ما استعاد نموه وارتفع ليصبح 9.2% في عام 2010.
وفي عام 2011، أصبحت تركيا الثانية في النمو الاقتصادي عالميا بعد الصين، وبلغ نموها الاقتصادي 8.8% في حين كانت الأزمة الاقتصادية تهز أوروبا في ذلك العام، وأما في عامي 2012 و2013 ازدادت نسبة النمو 2.1% و4% على التوالي.
أسباب نجاح “العدالة والتنمية”
وكان من أهم الملفات التي اهتم بها حزب العدالة والتنمية، الملف الاقتصادي، ووضع في برنامجه جزءًا خاصا يوضح كل ما يختص بنهوض الاقتصاد، وخصوصا بعد الأزمة التي عانت منها البلاد، وأكد أنه يسعى إلى زيادة رفاهية وسعادة المواطنين، وتبنى الحزب الاهتمام بالعنصر البشري باعتباره مصدرا وهدفا للنمو الاقتصادي، كما اعتمد على استراتيجية اقتصاد السوق بكل آلياته.
واعتمد الحزب في برنامجه أيضا على المالية العامة والخصخصة وبراءات الاختراع والتجارة الخارجية وسياسات الإنتاج والاستثمار، والخدمات المالية والتجارة والحرفيون والزراعة والثروة الحيوانية، والطاقة والتعدين، والنقل والاتصالات والسياحة، وحماية المستهلك والسياسة الاجتماعية والخارجية.
ومن أهم أسباب نجاح الاقتصاد التركي خلال الـ13 عاما الأخيرة التي أدار فيها الحزب البلاد، الاستقرار السياسي، فوصول الحزب إلى السلطة منفردا أعطاه نوعا من القوة، مما دفعه لتنفيذ مشاريعه التنموية، وازدادت ثقة الشعب التركي بقدراته وأصبح يؤمن بقدرته على الانجاز، إضافة إلى الاصلاحات الديموقراطية التي من شانها التسريع في عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي وإطلاقها الحريات والاصلاحات في المجال القضائي واحترام حقوق الانسان.
ومن أسباب نجاحه أيضا الإصلاحات الاقتصادية، من خلال تسديد الديون العامة والخارجية للدولة عن طريق اتباع أنظمة مالية ناجحة، والتي كانت تقدر بـ16 مليار دولار، وإعادة هيكلة النظام المالي في البلاد، من خلال التطور الذي طرأ على البنوك العامة في تركيا، فلم يعلن أي بنك إفلاسه خلال فترة حكم العدالة والتنمية، واتباع النموذج الانمائي في مجال الصادرات، وانخفاض نسبة التضخم في الأسواق، وإنشاء العديد من المشافي والمدارس الحكومية، وخصخصة معامل الدولة وأنظمة توزيع الطاقة الكهربائية مما نتج عنه إدخال 70 مليار دولار إلى خزينة الدولة.
وترجع زيادة معدلات النمو الاقتصادي في تركيا بعد عام 2002 في جزء كبير منها الى الاعتماد على استثمارات القطاع الخاص الذي اهتمت به الحكومة، وعملت على حل الكثير من مشاكله وكان من أبرز نتائج هذه السياسة خلال المدة من 2002-2008:
1. ارتفاع حجم الاستثمارات الإجنبية بنحو أربعة أضعاف ونصف.
2. ارتفاع حجم الإنتاج في كافة القطاعات الاقتصادية ضعفين.
3. ارتفاع معدلات استخدام رؤوس الإموال من (75%)-(80%).
4. ارتفاع معدلات استثمار القطاع الخاص في المدة المذكورة بنسبة (300%)، أما استثمارات القطاع الحكومي فقد ارتفعت بنسبة (100%).
5. ارتفاع نسبة الاستهلاك في نفس المدة لتصل (39%) في القطاع الخاص و(22%) في القطاع الحكومي.
ولدى مقارنة المواضيع المتعلقة بزيادة استخدام رؤوس الأموال وعلاقاتها بمعدلات نمو الإستثمار والصناعة للمدة الواقعة بين (2002-2008) فضلاً عن أن التطور الاقتصادي يعزز وضع صورة تركيا في ما عُرف باسم “الدولة النموذج” أمام دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز والبلقان وغيرها، حيث تعاني الدول هناك أزمات اقتصادية، وفشلاً متفاوتاً في تحقيق تنمية متوازنة وقادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات الاستقرار الاجتماعي والإقتصادي.
وبهذا اهتمت الدولة باتباع سياسة خارجية نشطة في المجال الاقتصادي حيث يمثل ذلك مدخلاً للعودة إلى المنطقة العربية وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز وغيرها من باب الاقتصاد وتشير الإحصاءات إلى تزايد كبير في قيمة الصادرات التركية إلى الشرقين الأدنى والأوسط من نحو (10) مليارات دولار امريكي في عام 2005 إلى (19) مليار دولار أمريكي في عام 2009، حيث إن تركيا تهيىء لعلاقات إقليمية تساعد رجال الأعمال الأتراك على زيادة وتاثر التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى سواء في تنشيط الصفقات أم الشراكات البينية أم تشجيع الإستثمارات داخل تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس