إبراهيم العلبي - الجزيرة
إسطنبول- بعد عام من المفاوضات والممانعة التركية لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وافقت أنقرة أخيرا على طلب الدولة الإسكندنافية، بعدما قالت إنها حصلت على تعهدات من ستوكهولم والغرب بتحقيق شروطها.
وبعد قمة ثلاثية جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ على هامش قمة الناتو في فيلنيوس بليتوانيا، أعلن ستولتنبرغ أن أردوغان وافق على إحالة بروتوكول انضمام السويد إلى مجلس الأمة التركي في أقرب وقت ممكن، والعمل عن كثب مع المجلس لضمان التصديق عليه.
في المقابل، نقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤول تركي قوله إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وافقوا على تسريع مفاوضات عضوية أنقرة في التكتل الأوروبي، وإن المفاوضات تشمل تحديث الاتحاد الجمركي الذي يضمّ تركيا والاتحاد الأوروبي، ورفع التأشيرات عن المواطنين الأتراك.
وبعدما وافقت تركيا قبل أشهر على انضمام فنلندا إلى الناتو، ظلت هي والمجر الدولتين الوحيدتين في الحلف اللتين تعارضان عضوية السويد، رغم إعلان ستوكهولم أنها قامت بما يتوجب عليها بموجب اتفاق مدريد الثلاثي، بما في ذلك تعديل دستورها واعتماد قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وتسليم مطلوبين لأنقرة، إلا أن الأخيرة ترى أن تعديل القوانين لا يكفي.
وبعد تمسّك الرئيس التركي بموقفه من عضوية السويد في الناتو حتى اللحظات الأخيرة، وافق في قمة فيلنيوس على المطلب الذي يدعمه الغرب، فما المكاسب التي حققتها تركيا من العملية التي استغرقت نحو عام؟
المكاسب وحدود المناورة
يقول محمود عثمان الكاتب والمحلل السياسي التركي لدى وكالة الأناضول إن تركيا استطاعت أن تحصل على الحد الأعلى مما يمكن تحصيله في مثل هذه الظروف، بعدما شكّلت عملية انضمام السويد إلى حلف الناتو فرصة ذهبية لأنقرة للمناورة في عدة اتجاهات أسفرت عن العديد من المكاسب.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح عثمان أن على رأس هذه المكاسب إظهار تركيا كدولة تعاني من الإرهاب وتحاربه، والتسليم بذلك من قبل الدول الأوروبية والناتو.
وأصدرت كل من تركيا والسويد والناتو بيانا ثلاثيا مشتركا عقب القمة الثلاثية الاثنين، تعهدت فيه السويد بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره وعدم دعم التنظيمات التي تصنّفها تركيا على قوائم الإرهاب، ولا سيما وحدات الحماية الكردية في سوريا، في خطوة اعتبرها عثمان إقرارا من الناتو -ومعه أوروبا وأميركا- بوجهة نظر تركيا تجاه هذا التنظيم بعد نزاع بشأنه.
وأشار البيان الثلاثي إلى أن تركيا والسويد اتفقتا على مواصلة التعاون في إطار كل من الآلية الثلاثية المشتركة الدائمة التي أُنشئت في قمة الحلف بالعاصمة الإسبانية مدريد عام 2022، وآلية أمنية ثنائية جديدة تشكل مجموعات عمل مناسبة وتجتمع سنويًا على المستوى الوزاري.
ولفت البيان إلى أن السويد ستقدم في الاجتماع الأول للجنة الأمنية خارطة طريق للتنفيذ الكامل لجميع بنود المذكرة الثلاثية، بما في ذلك المادة 4 كأساس لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
ورغم أن عثمان يعتقد أن مدى تطبيق هذه الالتزامات سيكون محل نقاش، فإن ما تم التوصل إليه "يبقى نصرا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا لتركيا" كما يقول، معتبرا أن تمكن تركيا من فرض آلية أمنية مشتركة مع الدول الأوروبية "ليس بالأمر اليسير".
وبعدما ربط الرئيس التركي بين فتح الباب أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي والموافقة على ضم السويد إلى الناتو، نص البيان الثلاثي على تعهد السويد بدعم جهود إعادة إحياء مسار عضوية تركيا في الاتحاد، في خطوة ذكّرت أنقرة من خلالها بمظلوميتها في هذا الصدد كما يقول عثمان، مقرا بأن المكاسب هنا قد تقتصر على إجراءات مثل تحرير التأشيرات أو على الأقل الحصول على تسهيلات كبيرة في هذا الصدد.
أما على صعيد مطالب تركيا الأخرى، فقد حققت "نصرا كبيرا" بالحصول على تعهد أميركي بتمرير إدارة الرئيس جو بايدن صفقة بيعها طائرات "إف-16" الحديثة بعد مماطلة طويلة، وهو تعهد يكتسب قوته -بحسب المحلل السياسي- من أن بايدن يملك صلاحيات اتخاذ قرار في هذا الشأن دون الرجوع إلى الكونغرس.
وشدد عثمان على أن اتفاق فيلنيوس حوّل تركيا من موقع الدولة "المحاصرة والمنبوذة" إلى الدولة المرنة والإيجابية الحريصة على مصلحة الناتو، ولا سيما أن بعض الدول في الحلف كانت تطالب قبل سنوات بإخراجها من الناتو، وبذلك عادت تركيا لتحتل مكانها في صدارة الدول الرئيسية في الحلف التي لا يمكن الاستغناء عنها.
موافقة مشروطة مقابل تعهدات نظرية
وعلى الرغم من أن هذه المكاسب جاءت في إطار تعهد مكتوب من قبل السويد في البيان الثلاثي، إلا أن الصحفي والمحلل السياسي المختص بالشأن التركي علي أسمر يرى أنه لم يحصل تطور جديد في هذا الخصوص.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال أسمر إن "تركيا طرحت ذات الشروط التي طرحتها سابقا، فيما وافق الجانب السويدي والأميركي كالعادة على هذه الشروط نظريا".
ولفت المحلل السياسي إلى أن تركيا من جهتها وافقت على مطلب ضم السويد، لكن موافقتها مشروطة وتستدعي خطوات عملية على الأرض، واستشهد بالجملة التي قالها أردوغان وهو يصافح كريسترسون وستولتنبرغ أمام الصحفيين، حين قال "إذن المرحلة القادمة هي مرحلة تطبيق بنود مسودة المذكرة التي وصلنا إليها، مفهوم؟"، وعندئذ ابتسم سكرتير الناتو وأومأ رئيس الوزراء السويدي برأسه في إشارة إلى أنه فهم قصد أردوغان.
وبحسب أسمر، فإن قرار ضمّ السويد سيتطلب تمريره في البرلمان التركي نحو 45 يوما بحسب المادة 37 من النظام الداخلي للمجلس التي تنص على أن طرح مسودة قرار وقبوله في البرلمان من الممكن أن يستغرق هذه المدة، وهو ما يشير إلى أن أنقرة ستختبر مدى صدق نية الغرب بتطبيق بنود المعاهدة خلال المدة المذكورة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس