محمد زاهد جول - أورينت
لا تُخفي الرئاسة والحكومة التركية امتعاضها ورفضها للتعاطي الدولي مع الأزمة السورية، فقد انتقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تأجيل مباحثات جنيف الخاصة بسوريا، إلى يوم 25 من الشهر الجاري، بحسب ما قرره دي مستورا بعد تعليق مفاوضات جنيف3 بتاريخ 3/2/2016، وتأجيلها إلى 25 شباط 2015.
اعتراض الرئيس التركي جاء من أمريكا اللاتينية، في كلمة له ألقاها خلال مراسم منحه شهادة دكتوراه فخرية من جامعة San Ignacio De Loyola، في البيرو، التي كان يزورها في إطار جولته إلى أمريكا الجنوبية، التي تشمل زيارة تشيلي والاكوادور، وتناول الرئيس التركي للشأن السوري أثناء زيارته وتكريمه يحمل عدة دلالات، من أهمها أن الشأن السوري لا يفارق الرئيس التركي أردوغان وهو في زيارة رسمية لأمريكا اللاتينية من المفترض أن تكون القضايا الثنائية هي الأصل في تلك اللقاءات، ولكن إصرار الرئيس أردوغان على فتح الملف السوري في كل المحافل الدولية يعني أن أردوغان يريد أن يتحدث عن أمر هام في الشأن السوري، وهو إثبات العبث الدولي بمأساة الشعب السوري، وعدم وجود جدية بتناول أكبر مأساة دولية وشعبية بعد الحرب العالمية الثانية.
ولذلك وجه أردوغان أسئلته الاستنكارية للذين التقوا في جنيف، يسألوهم عما أنجزوه في لقاء جنيف الأخير، وما أنجزوه للتخفيف من معاناة الشعب السوري، فسألهم: "لماذا تجتمعون؟ هل من أجل تأجيل المباحثات، وإلهاء العالم؟، فالعالم ينتظر منكم نتيجة"، وهذا السؤال بالتأكيد ليس سؤال أردوغان فقط، وإنما هو سؤال كل أبناء الشعب السوري والعربي والمسلم، فلماذا كل هذه الاجتماعات الدولية طوال خمس سنوات إذا لم تستطع مساعدة الشعب السوري؟ ولا يوجد نتائج ملموسة، فكل اجتماع إما يفشل قبل انعقاده، أو يفشل في تنفيذ قراراته كما حصل مع جنيف1، أو أنه يجري اجتماعاته بصورة عبثية مثل جنيف2، الذي دام التحضير له سنة كاملة وأخذت مفاوضاته عدة أشهر أخرى دون نتيجة، وربما هذا المصير هو مصير مؤتمر جنيف3، الذي تم تأجيله لتاريخ 25/2/2016، فلماذ تعقد الاجتماعات الدولية إذن، هل لذر الرماد في العيون أم لتوريط اطراف الصراع بمزيد من القتل وسفك الدماء، أم لمنح القاتل بشار الاسد مزيداً من الوقت لقتل الشعب السورية بأسسلحة جديدة وحديثة؟.
لم يكتف أردوغان بكشف الأمور الظاهرة من تأجيل الاجتماعات العبثية فقط، بل سعى لكشف البواطن أيضاً، وبين أردوغان مفاصل الخلل في هذه المؤتمرات العبثية، فقال:" الكل يأتون إلى هناك (جنيف)، الذين لهم علاقة بالموضوع، والذين ليس لهم أية علاقة، وهناك حديث آخر يجري خلف الأبواب الموصدة، وحقيقة الأمر لا يُناقش هناك"، واستطرد قائلاً إن:" الجهات التي يُفترض أن تكون هناك لا يتم دعوتها، والجهات التي لا ينبغي أن تكون هناك يوجهون إليها الدعوة للحضور، والمثال على ذلك، هو أن الموافقة على دعوة المعارضة جاء في اللحظات الأخيرة".
في هذا النقد كشف عن خبايا الأخطاء المتعمدة من الأطراف الدولية الراعية لهذه المؤتمرات العبثية، فتم دعوة المعارضة التي صنعها نظام الأسد، والمعارضة التي صنعها السيسي في القاهرة، وأخيرا المعارضة التي صنعتها روسيا، وهذه لا تمثل الشعب السوري أولاً، ولا تمثل الفصائل والكتائب المقاتلة على الأرض، وبالتالي هي تمثل أشخاصها فقط، وهذه لا يعول عليها كمعارضة مدعوة إلى مؤتمر دولي، بينما المعارضة الأصلية التي تم بناءها من قبل الشعب السوري في الداخل، وتم تحديد أسمائها خلال السنوات الماضية، وشكلت المجلس الوطني السوري، وشكلت الجيش السوري الحر، وشكلت الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية برعاية عربية ودولية، وشاركت روسيا في التعريف بها وحضور المؤامرات الدولية التي اعترفت بها، هذه المعارضة بهئتها الأخيرة التي انبثقت عن مؤتمر الرياض باسم الهيئة العليا للمعارضة السورية تم تأخير دعوتها للمؤتمر ، بهدف الضغط عليها، بل وتم الاشتراط عليها أن لا تطالب بتنفيذ الشروط الدولية السابقة التي اتخذها المجتمع الدولي نفسه لبدأ المفاوضات، مثل وقف الغارات والقصف، وتقديم المساعدات الإنسانية ورفع الحصار.
ولكشف الحقيقة أكثر أضطر الرئيس أردوغان أن يكشف عن أمر قلما يكشف عنه عبر وسائل الإعلام بصورة علنية وصريحة، بل غالبا ما تبقى في أسرار المباحثات الدولية، ومما تقوم به الدول العابثة بإخفائه، فعندما اشترطت المعارضة السورية الأصلية على دي مستورا عدم ذهابها إلى جنيف إذا دعيت المعارضة المزيفة، ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، فإنها لن تحضر، وعدم حضور المعارضة السورية الأصلية كان سيمثل ضربة قاصمة للمؤتمر والقائمين عليه والمحضرين له، وبالأخص للإدارة الأمريكية والروسية، وبدرجة أكبر للرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لابروف، الذين أوهموا الإعلام والصحافة الروسية والعالمية بأن هذه الفرصة في جنيف3 هي الفرصة الأخير لإيجاد حل سياسي في سوريا، فكانوا لا يحتملون أن تقاطع المعارضة السورية الأصلية المؤتمر، لأن الروس يعرفون أن المعارضة السورية الأصلية هي التي انبثقت عن مؤتمر الرياض، وليست المعارضة المزيفة التي يحاول الأسد صناعتها وخداع العالم بها، ولكنهم يحاولون من خلال المناورة بالعارضة المزيفة أن يضغطوا على المعارضة الأصلية، أي من باب المناورة السياسية، وإلا لما اضطروا الخضوع لمطالب المعارضة الأصلية بحضور ممثلين عن جيش الاسلام وآخرين عن أحرار الشام وهم يعتبرونهم منظمات ارهابية، وفي نفس الوقت اضطروا إلى ابعاد من طلبت المعارضة السورية الأصلية ابعادهم من أمثال صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، لأنه من أتباع النظام الأسدي وجنده، وليس من المعارضة السورية، أي أن القائمين على المؤتمر اضطروا إلى الخضوع لشروط المعارضة السورية الأصلية في رفض حضور بالمعارضة المزيفة.
هذا الأمر كشفه أردوغان في كلمته فقال:" المعارضة قالت إذا دُعيت التنظيمات الإرهابية إلى جنيف، فإننا لن نحضر، وفي آخر لحظة قالوا للتنظيمات الإرهابية، نحن سنقوم بإيصال الأمر إلى نقطة معينة، وسنتحدث معكم في وقت لاحق"، أي أن القائمين على المؤتمر خدعوا المعارضة السورية الأصلية واسترضوا المعارضة الارهابية المزورة بأن يجتمعوا بهم بعد اجتماعهم بالمعارضة السورية الأصلية، وهكذا تتصرف الدول المشرفة على مؤتمر جنيف بالخداع وربما بالغدر للشعب السوري ومن يمثله حقيقة من المعارضة الأصلية، وهذا الخداع والغدر لا يقل جريمة عن جرائم القتلة من ميليشات بشار وحلفائه الطائفيين، لأنهم شركاء في ارتكاب أكبر مأساة عرفها القرن الحادي والعشرين حتى الآن.
وكان الرئيس التركي صريحاً في تحميل مسؤولية وجود داعش إلى النظام السوري، فهو الذي:
1 ـ سلط تنظيم "داعش" على العالم.
2 ـ تسبب في تهجير ملايين السوريين إلى دول الجوار وأوربا وكل دول العالم.
3 ـ ممارسة كافة أشكال الظلم ضد شعبه منذ خمس سنوات.
بينما كان ينبغي أن يتم العمل الدولي الحاسم لوقف عمليات القتل الناتجة عن هجمات النظام والقوات الداعمة له ضد الشعب السوري، وإنهاء المأساة أولاً، أما المفاوضات والمؤتمرات العبثية فلا يتوقع أن تأتي المباحثات بنتيجة تذكر، بدليل أن ميليشيات النظام الاسدي والحرس الثوري الايراني والجيش الروسي يواصل قتل الشعب السوري في الوقت الذي كانت المعارضة السورية الأصلية في جنيف، فنفس مؤتمر جنيف لم يلتزم بقرار مجلس الأمن 2254، الذي طالب بوقف إطلاق النار قبل بدأ المفاوضات، فروسيا وإيران تريد اتخاذ المؤتمرات الدولية غطاءا سياسياً لأعمالها الارهابية وقتل الشعب السوري، وفرض تقسيم سوريا إذا لم يخضع الشعب السوري لإرادة الاحتلال الروسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس