جلال سلمي - خاص ترك برس
اعتبرت الصحف المراقبة لزيارة رئيس الأركان الإيراني، محمد بقاري، أنها تمثل سابقة هي الأولى من نوعها منذ 38. ويمكن اعتبارها أيضاً على أنها أحد أهم ملامح التقارب التوافقي بين الطرفين.
تُشير تقارير متطابقة إلى أن الزيارة تأتي في إطار مناقشة تنسيق الطرفين لعملية بناء أنقرة جدار أمني على الحدود المشتركة مع طهران، وتباحث الإجراءات التي يحاول قطعها إقليم شمال العراق صوب الاستقلال، غير أن مناقشة التطورات الجارية في سوريا، لا سيما في إدلب، تشكل أحد الملفات ذات الأولوية بالنسبة للطرفين. فما هو موقع إدلب في سياق الزيارة؟
منذ إغلاق روسيا والولايات المتحدة الطريق على القوات التركية التي كانت في طريقها نحو مدينة منبج التي تشكل آخر نقطة يمكن أن تنطلق وحدات الحماية الكردية "ب ي د" منها نحو ربط كيانها الشرقي بكيانها الغربي، ومنه إلى الساحل بطريق مباشر أو غير مباشر، وتركيا تجد نفسها مضطرةً لاتباع سياسة تحالف الضروريات، أي السياسة البراغماتية، مع إيران التي تمثل القطب الثاني المنافس لتركيا، والأكثر سيطرة في الداخل السوري بعد روسيا.
إن خطر تمدد القوات الكردية نحو مدينة إدلب بغطاء عسكري ودبلوماسي أمريكي يستند على ذريعة ضرورة القضاء على إرهاب "القاعدة" المهيمن على عرى الحياة في إدلب، دفع، على ما يبدو، تركيا للنظر، بشكل أكبر، لإجراء تنسيقات سياسية وميدانية مباشرة وغير مباشرة مع إيران، للحفاظ على المصلحة المشتركة معها، والمتمثلة في الحيلولة دون تأسيس كيان كردي مستقل في المناطق الشمالية.
في ضوء ذلك، يبدو تسريع عقد الصفقات المعتمدة على معادلة "1 + 1" مع إيران، أو كما يقال في العامية "خذ وأعطي"، الخيار الأمثل لتركيا، في سبيل تعجيل إنقاذ إدلب من الهجوم الأمريكي. فمثلاً يمكن أن تضحي تركيا بالتبني السياسي للمعارضة، وقد ظهر ذلك في تخفيف دعمها للائتلاف، وتوسيع دعمها للحكومة السورية المؤقتة العاملة في مناطق "درع الفرات"، وتجاهلها دعوة السعودية لتوسيع منصة الرياض لتشمل منصتي موسكو والقاهرة، ويمكن أن تتنازل عن مضمار المنافسة الخاص بالمنطقة الشرقية، ويمكن أن تقبل بإتباع مناطق "درع الفرات" بالسيطرة المؤسساتية المركزية الإدارية، غير العسكرية، للنظام السوري، مقابل أن تدفع إيران عجلة شمول منطقة إدلب بمناطق خفض التصعيد في إطار المحادثات الجارية في أستانة، وبالتالي يتم تسليم تركيا، بتغطية ومساندة إيرانية وروسية، مقاليد إنهاء سيطرة "جبهة النصرة" على المدينة، ودعم الفصائل الأخرى التي يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي.
في الختام، باتت تركيا أمام خطر محدق يهدد أمنها القومي الاستراتيجي، والذي يتمثل في مد "ب ي د" "الحزام الحدودي" على طول حدودها، وهذا ما جعلها مضطرةً للنظر في التوافق مع إيران. وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال أن تجاهل روسيا للطموح التركية المتمثلة في الوصول إلى منبج، وإنهاء سيطرة الوحدات الكردية على المدن العربية المحيطة بعفرين، قد دفع تركيا للتعاون مع إيران في إطار تشكيل أدارة ضغط على روسيا التي تتجاهل مصالحهما في ضوء التوافق مع الولايات المتحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس