ترك برس

رأت الكاتب والباحثة في الشأن التركي صالحة علام، أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها نظام الأسد في سوريا تهدف إلى أن طمأنة تركيا ووإزالة مخاوفها، مستعرضة في مقال لها التحديات والفرص التي تواجه البلدين في إطار تطبيع العلاقات بينهما.

وقالت علام في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إن عدم تعاطي النظام السوري بصورة جدية مع الدعوات المتكررة التي يطلقها الرئيس أردوغان لعقد لقاء ثنائي يضمه وبشار الأسد، لمناقشة العقبات التي تحول دون تطبيع العلاقات بين بلديهما، التي كان آخرها قبيل توجهه إلى نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يبدو أنه لم يكن رفضا حقيقيا لليد الممدودة له، بقدر ما هو مناورة استهدفت كسب المزيد من الوقت للاستعداد، ودحض الحجج التركية.

ورصدت الكاتبة "عدة خطوات أقدم عليها الأسد، تشير جميعها إلى وجود رغبة حقيقية لدى دمشق لاستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع أنقرة، ولكن بشيء من التروي والهدوء، عبر التحرك صوب البدء في طمأنتها وإزالة أهم مخاوفها، خاصة تلك المرتبطة بأكثر الملفات تعقيدا من وجهة النظر التركية، وهما ملفا اللاجئين، وقدرة الجيش العربي السوري على مواجهة انتشار الجماعات الانفصالية المسلحة في مناطق متفرقة من الأراضي السورية، -خاصة في الشمال الشرقي للبلاد- والتصدي لمحاولات إنشاء كيانات عرقية ذاتية الحكم، مستقلة عن الحكومة المركزية، وهو ما تراه أنقرة مهددا لأمنها القومي".

وأوضحت أنه بدون مناسبة قومية أو دينية -كما جرت العادة- وفي خطوة مفاجئة لم تكن متوقعة أصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفوا عاما جديدا عن مرتكبي جرائم الفرار من الخدمة العسكرية، سواء داخليا أو خارجيا، المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكرية، إلى جانب الجنح والمخالفات المرتكبة قبل الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري.

وتابع المقال:

قوى المعارضة السورية شككت في هذه الخطوة من جانب نظام الأسد، خاصة أن العفو لا يشمل صراحة المعتقلين في سجون النظام، ولا المعارضة العسكرية أو السياسية، كما لا يتضمن الذين انشقوا عن الجيش بأسلحتهم.

وقد وصفت المعارضة هذه الخطوة بأنها لا تستهدف في حقيقتها الشعب السوري، وإنما يسعى النظام بواسطتها لضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما الاستجابة لمطالب تركيا الخاصة بتهيئة الأجواء وفتح الطريق أمام عودة آمنة للاجئين، وطمأنتها على وجود نية لدى سوريا بفتح صفحة جديدة مع كل من فرّ من البلاد، وترحيبها باستعادة مواطنيها المقيمين على الأراضي التركية، الذين أصبحوا عبئا ثقيلا على كاهل حكومتها.

وثانيهما تحسين صورته عالميا لتخفيف العقوبات المفروضة عليه من المجتمع الدولي الذي يمارس ضغوطا مكثفة من أجل إجراء تغييرات جوهرية ملموسة تسمح لمختلف القوى السياسية بالاندماج في المنظومة السياسية للدولة السورية، وإقرار دستور جديد للبلاد يمنحهم هذا الحق ويحصنه لهم.

ورغم جميع هذه الاعتراضات التي تبديها المعارضة السورية، ومبرراتها التي ساقتها في إطار توصيفها للقرار، فإن هذا العفو من شأنه إتاحة الفرصة أمام الراغبين من اللاجئين سواء المقيمين في تركيا أو غيرها من الدول، الذين يعانون من جراء تصاعد العنصرية ومعاداة الأجانب؛ في العودة إلى مدنهم وقراهم، ويمنح الحكومة التركية القدرة على التحرك بحرية أكبر في عملية إجلاء اللاجئين التي تقوم بها حاليا على استحياء، وإعادتهم إلى مناطق الشمال السوري تلبية لرغبة شعبية متزايدة، ولتفويت الفرصة على أحزاب المعارضة في استثمار هذا الملف مرة أخرى في أية استحقاقات انتخابية مقبلة.

أحزاب المعارضة التركية التي سبق أن أعلنت رغبتها في التوجه إلى دمشق، ولقاء الأسد لوضع حد لقضية اللاجئين السوريين، ثمّنت هذه الخطوة من جانب النظام السوري، وسارعت إلى إعادة فتح ملف اللاجئين السوريين مجددا ليتصدر اهتمامات الرأي العام، والأحزاب المؤثرة في الساحة التركية، حيث تم تدشين حملة جديدة تحت عنوان “سوريا آمنة، أعيدوا اللاجئين”، تستند فيها المعارضة إلى حالة الهدوء النسبي الذي يسود المناطق الشمالية بعد توقف العمليات العسكرية بين قوات المعارضة والنظام، والعفو العام الصادر حديثا عن الرئاسة كمؤشر على عودة الأمور لطبيعتها، بما يفتح الطريق أمام عودتهم إلى موطنهم.

النظام السوري يبدو أنه يأخذ بعين الاعتبار المخاوف التركية المرتبطة بمدى قدرة الجيش العربي السوري على مواجهة الأخطار التي تهدد الوحدة الترابية للأراضي السورية بمفرده بجدية بالغة، ويتفهم في هذا الإطار رفضها التام سحب قواتها الموجودة في الشمال السوري، خشية إخلاء الساحة أمام التنظيمات الكردية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى لإقامة منطقة ذات حكم ذاتي بعيدا عن سلطة الدولة المركزية في دمشق.

لإغلاق باب القلق التركي، وفي إطار خططه للتطوير والتعاطي مع مطالب المجتمع الدولي، بدأ النظام السوري منذ مدة وجيزة إجراء عملية تطوير شاملة لمؤسسته العسكرية، وإعادة هيكلتها، بهدف تحويلها من جيش يعتمد كليا على التجنيد الإجباري إلى جيش احترافي يرتكز في جل قواه على المتطوعين.

فقد أعلنت وزارة الدفاع السورية على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الشهر الجاري؛ ما سمته “عقود تطوع” تتضمن رصد رواتب مرتفعة، وحوافز مالية وامتيازات لم تكن موجودة من قبل للمنتسبين للجيش، في إطار مساعي الدولة لتحسين المستوى المعيشي لعناصر الجيش، والقوى الأمنية المختلفة، بهدف جذب أكبر عدد ممكن من المتطوعين للخدمة في صفوف الجيش والمؤسسات الأمنية تمهيدا لاتخاذ خطوات مستقبلية تستهدف إلغاء الخدمة الإجبارية، والاعتماد بصورة شبه كلية على المتطوعين.

النظام السوري بإقدامه على هذه الخطوة يهدف في الأغلب إلى تحقيق عدة مكاسب مهمة، فمع إدراكه حقيقة أن غالبية لاجئيه في الدول العربية والغربية هم من الفارين من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية، الذين يتجنبون العودة إلى سوريا خشية اعتقالهم ومحاكمتهم عسكريا، فإن خطوة إلغاء الخدمة الإجبارية وجعلها تطوعية من شأنه إتاحة الفرصة أمام الكثيرين منهم للعودة إلى بلادهم دون خوف.

وهو ما يعد مكسبا على الصعيد الاقتصادي ففرار الآلاف من الشباب وهم في سن التجنيد الإجباري أفقد البلاد شريحة معتبرة من قوة العمل بها، تحتاج إلى استعادتها مرة أخرى للنهوض بملفها الاقتصادي في ظل حالة التردي التي يعانيها حاليا من جراء سنوات الحرب الطويلة، والعقوبات المفروضة عليه.

إلى جانب طمأنة جارته تركيا على قدرة جيشه على تأمين حدوده، وحماية أراضيه، ومواجهة أية محاولة تستهدف تقسيمها تحت أي مسمى بعد إعادة هيكلته إداريا وتسليحيا، وتأهيله تدريبيا، ودعمه لوجستيا، للقيام بواجباته كاملة دون مساندة من أحد.

دعوات أردوغان التي تنطلق من قاعدة سياسية ترتكز على أن العلاقات الدولية لا تعرف صداقات دائمة أو عداءات دائمة، تهدف إلى تحقيق العديد من المكاسب والمصالح لكلا الطرفين، وضمان تحقيق نوع من الهدوء والاستقرار في هذا الجانب من المنطقة، التي تعاني اضطرابات متصاعدة في أكثر من جهة، وهو ما أدركه النظام السوري أخيرا، ويسعى حاليا لإجراء التغييرات المطلوبة على كافة المستويات السياسية، والأمنية، والعسكرية بما يلبي طموحات الشعب السوري، ويتواءم مع مطالب التغيير الذي ينتظره منه جيرانه أولا والمجتمع الدولي ثانيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!