
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والمحلل السياسي التركي إحسان أقطاش، الدور المحوري الذي لعبته تركيا في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وتأثير سياسات إدارة ترامب على العلاقات الدولية، لا سيما في ما يتعلق بروسيا وإيران والصين.
واستعرض التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق اجتماع قصر دولما بهجة بين روسيا وأوكرانيا والذي شكّل لحظة فارقة في الدبلوماسية العالمية.
كما سلط الضوء على التوازن الذي انتهجته أنقرة في التعامل مع الصراع، وتأثير هذه السياسة على المشهد الداخلي التركي، والتدخلات الغربية، خاصة دور بريطانيا في إجهاض جهود السلام، واستغلال الولايات المتحدة للحرب الأوكرانية لأغراض اقتصادية.
وأشار التقرير إلى استراتيجية الرئيس الأوكراني زيلينسكي في التعامل مع الغرب، وإلى أهمية تركيا كطرف فاعل في إعادة تشكيل الجيوسياسية الأوروبية، مع التأكيد على نفوذ الرئيس أردوغان في المشهد الدولي.
وفيما يلي نص المقال:
في الأشهر الأولى من الحرب بين أوكرانيا وروسيا، شهد قصر دولما بهجة اجتماعًا سيُخلّد في تاريخ الدبلوماسية العالمية. ففي أعتى أيام الحرب، اجتمع وزيرا خارجية البلدين وممثلو بعثاتهما الدبلوماسية في هذا القصر.
وجرى التفاوض حول سبل إنهاء الحرب، وفي تلك الفترة كانت الدول الأوروبية قد أطلقت حملة هجوم واسعة ضد روسيا، مصحوبة بحصار اقتصادي، وبلغت الحرب النفسية مستويات غير مسبوقة، حتى وصل الأمر إلى حد حظر أعمال دوستويفسكي.
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، كانت تركيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي التزمت الحياد في النزاع بين أوكرانيا وروسيا. وعادةً ما يحافظ الأطراف في المفاوضات الدبلوماسية على هدوئهم، لكن هذه المفاوضات كانت مختلفة.
فرغم أن الطرفين، روسيا وأوكرانيا، يخوضان معارك ضارية ضد بعضهما البعض، إلا أن ممثليهما، عقب كلمة ألقاها الرئيس أردوغان، نهضوا وصفقوا له بحماس. ومن المعروف أن محادثات السلام دائمًا ما تكون متوترة، إذ لا بد أن يكون هناك منتصر وخاسر. ومهما بلغت عدالة الطرح المقدم، لا بد أن يشعر أحد الأطراف بشيء من المرارة.
وأثارت صور قصر دولما بهجة صدى واسعًا في وسائل الإعلام الدولية والمحلية. فمن جهة، تم اتخاذ قرار بإنهاء الحرب، ومن جهة أخرى، حظي الرئيس أردوغان بتصفيق حار تقديرًا لموقفه العادل.
وفي بعض الأحيان، تؤثر التطورات في السياسة الخارجية على السياسة الداخلية أيضًا. ففي تركيا التي كانت تتجه نحو الانتخابات شهدت أصوات تحالف الجمهور ارتفاعًا بمقدار 2-3 نقاط.
لعبت بريطانيا، التي لم تكن ترغب في إنهاء الحرب، دورًا كبيرًا في إجهاض جهود السلام وجعلها مستعصية على الحل. وبعد مرور فترة طويلة، بات السلام اليوم بعيدًا كل البعد عن اتفاق دولما بهجة.
إن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي التي دفعت أوكرانيا إلى الحرب مع روسيا. وبعد تولي ترامب السلطة، يسعى الآن إلى استغلال مستقبل الشعب الأوكراني الذي زج به في أتون الحرب. ويرفض اتخاذ أي خطوة لإنهاء الصراع دون إبرام صفقة لاستغلال الثروات المعدنية الأوكرانية حتى تبلغ 500 مليار دولار.
ويُوصف زيلينسكي بأنه "ممثل مسرحي جر بلاده إلى الحرب ودمر مستقبلها". ولكنني أرى أن زيلينسكي ليس مجرد ممثل بل بات شخصية سياسية لها وزنها.
أولاً وقبل كل شيء، لم يهرب ويترك بلاده عندما كانت روسيا على أبواب كييف. على الرغم من أن ترامب وصف بايدن بأنه "أحمق"، إلا أن زيلينسكي نجح في انتهاج دبلوماسية ضمنت له الحصول على الموارد المالية والإمدادات العسكرية اللازمة من الدول الغربية لمواصلة الحرب.
لقاء ترامب وزيلينسكي
لقد نجح زيلينسكي في تحويل اجتماعات ترامب التي تتسم بالجنون وعدم الانضباط، والتي لا يمكن توقع نتائجها، إلى خطوة سياسية كبيرة.
وتتبنى إدارة ترامب ثلاثة مواقف أساسية في سياستها الخارجية:
ـ استمالة روسيا.
ـ ممارسة الضغوط على إيران.
ـ منافسة الصين أو سحقها.
وترى إدارة ترامب أن الولايات المتحدة، التي أسست إمبراطورية عالمية، تتآكل من الداخل، ولذا فإنها تسعى إلى التركيز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي بدلًا من الانخراط في الأزمات العالمية الشائكة.
أما زيلينسكي فقد انسحب من الطاولة ولجأ إلى الدول الأوروبية التي لديها مخاوف مماثلة بشأن ترامب. وقد وقف ممثلو الدول جميعًا إلى جانب زيلينسكي.
وترغب بريطانيا في استمرار الحرب ضد روسيا. ومنذ البداية كانت هي الطرف الأكثر حرصًا على هذه الحرب مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.
إن تصرفات ترامب غير المنضبطة تدفع جميع الدول لإعادة تقييم موقفها الجيوسياسي.
أوكرانيا وروسيا جارتان مباشرتان للدول الغربية، ولكن ترامب ألقى بالقنبلة الذرية في أحضان الدول الغربية ثم انسحب. ويُظهر بكاء رئيس اجتماع ميونيخ للأمن بصوت عالٍ، بعد تعرضه للإهانة من قبل الولايات المتحدة، والاجتماع الذي عقد في بريطانيا، حالة القلق والتوتر التي تعيشها الدول الأوروبية.
وبينما يلعب زيلينسكي على هذا التصدع بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، قد تلجأ العديد من الدول الأوروبية، التي تجد نفسها عاجزة أمام الولايات المتحدة، إلى الصين بحثًا عن ملاذ بسبب قلقها على مستقبلها.
ويعتقد البعض في تركيا أن ممارسة السياسة أسهل من إصدار مجلة كاريكاتيرية، فعندما اندلعت الحرب، تقدم ممثلو تحالف الأمة بمقترحات لرئيسنا، مثل "الامتثال لمفهوم الناتو بأقرب وقت، وإعادة منظومة S-400، والتخلي عن السياسات المحايدة الخيالية".
وعندما ننظر اليوم إلى هذه المقترحات التي صيغت بلغة المعارضة، نرى بوضوح كم كانت غير منطقية وتسعى إلى إخضاعنا وفرض السيطرة علينا.
وبينما تبحث الدول الأوروبية عن مخرج من أزمة أرغينيكون، يبدو أن تركيا ستكون أقرب حليف لها. وقد شارك وزير الخارجية هاكان فيدان في المؤتمر الذي عُقد في بريطانيا.
وقد نشر صحفي ألماني صورة للرئيس أردوغان وهو يحمل مظلة لحمايته هو وزيلينسكي من المطر، ملخصاً الجيوسياسة الأوروبية في العشرين عامًا الماضية بعبارة واحدة:
"أردوغان يفوز دائمًا".
فلننتظر ونرَ ما يخبئه لنا القدر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!