يوري كوندراتيف - برافدا - ترجمة وتحرير ترك برس
وُجهت أصابع الاتهام، في أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا، لتنظيم فتح الله غولن، الداعية الإسلامي التركي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأثناء، انتشرت العديد من التحليلات التي أقرت بقوة تنظيم غولن الذي تمكن من استهداف أركان الدولة التركية وإثارة بلبلة في صفوف الشعب التركي، حتى بعد فشله بالإطاحة بحكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
فما حقيقة هذه القوة التي تهدد بلدان العالم أجمع وليس تركيا لوحدها؟ وماهي نوايا فتح الله غولن؟ وهل يمثل تنظيم غولن تهديدا لروسيا؟
في هذا الصدد، تكفل الخبير الروسي ورئيس مركز المعلومات التحليلية "الدين والمجتمع"، أليكسي غريشين، بالإجابة على كل هذه التساؤلات.
وبين الخبير الروسي أنه بالاعتماد على المعلومات التي تذيعها وسائل الاعلام التركية والعالمية، فإن منظمة فتح الله غولن الإرهابية تُعتبر قوية بما فيه الكفاية، حتى تتمكن من تنفيذ محاولة انقلاب في تركيا.
وفي هذا السياق، كان من الواضح أن جماعة غولن تتمتع بقاعدة قوية ومؤثرة داخل تركيا مكنتها من تنفيذ خططها واستغلال أطراف في هياكل الجيش والشرطة والمخابرات وقوات الأمن والقضاء وعناصر من المخابرات في تركيا وغيرهم من الأطراف الفاعلة في الدولة التركية لتنفيذ مخططاتها. بالإضافة إلى ذلك، تم توجيه أصابع الاتهام لجماعة غولن الإرهابية في حادثة مقتل السفير الروسي، أندريه كارلوف. والجدير بالذكر أن هذه المنظمة الإرهابية كانت نشطة في عدة دول من الاتحاد السوفييتي سابقا وخاصة في أذربيجان.
وفي الواقع، تحتضن جماعة غولن جماعات متفرقة في أماكن عديدة من العالم وتخضع جميعها لإمرة فتح الله غولن بدعم من أطراف متعددة، وذلك وفقا لما أدلى به الخبير الروسي.
ووفقا لعدة تقديرات، فإن عدد أنصار غولن يتجاوز ثمانية ملايين شخص وقد تبين أن أعدادا كبيرة منهم تضطلع بمهام حساسة في الهياكل السياسية التركية وفي بقية دول العالم الاسلامي.
ومن المهم التطرق لحياة فتح الله غولن حتى نتمكن من إدراك حيثيات مخططاته. فقد وُلد غولن في سنة 1941، وتلقى تربية وتعليما دينيا. وفي بداية مسيرته أي في مطلع الستينات والسبعينات، شارك في عدة أنشطة دينية، وتوجه فيما بعد للعمل الدعوي. وفي سنة 1971، تحول غولن إلى إمام وعلى إثر ذلك قام بإنشاء "حركة الخدمة" أو "حركة غولن" التي صُنّفت كحركة تربوية دينية في البداية.
وفي هذا السياق، أشار أليكسي غريشين، إلى أن غولن كان يعمل كواعظ، ولم تقتصر دعوته على الإسلام التقليدي بل كان يدعو إلى تطبيق المبادئ الإنسانية على غرار التعايش مع مختلف الثقافات والشعوب، والأديان التي تجمعها مساحات جغرافية واحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن غولن كان من أتباع النورسي وتتلمذ على يديه، إلا أنه كان هناك فرق جوهري بينهما يتمثل في أن غولن كان يؤمن بأن الإسلام يحرص على تعزيز مصالح غير المسلمين في حين كان النورسي يعتقد بأن هذا المبدأ يتنافى مع الأفكار الأساسية للإسلام.
وفي هذا الإطار، يقول الفكر النورسي إن من الضروري الدعوة إلى الحقائق العقائدية في الإسلام والعمل على تهذيب النفوس. كما كان النورسي يحاول إحداث تيارا إسلامي بهدف اللتصدي للمد العلماني الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية. في المقابل، كان غولن يعتقد بأن للجميع نفس الحقوق في العيش متساوين رغم كل الاختلافات.
أهـل الـكـتـاب؛ الـمـسـيـح والـيـهـود؟
صرح الخبير الروسي، بأن فكر غولن قائم على مبدأين أساسين أولهما أن الإسلام يعترف بأهل الكتاب أي المسيحيين واليهود، ولكن لا يعترف بالمشركين أي المؤمنين بإله آخر.
أما المبدأ الثاني هو الحوار بين الأديان. ويعتبر هذا المبدأ أساس عقيدة غولن الظاهرية التي توحي بأن أفكاره قائمة على أغراض سلمية وهادفة وتنبذ العنف تماما.
حـديـثـة جـدا ولـيـبـرالـيـة
في بداياتها، كانت حركة غولن تدّعي الحداثة والليبرالية، إلا أنها اتخذت مسارا آخر فيما بعد، وذلك بحسب ما أدلى به الخبير الروسي.
وتجدر الإشارة إلى أن توجهات حركة غولن كانت في البداية دعوية لا تميز بين الطبقات الاجتماعية. ومن هذا المنطلق، قال غولن إن الصراع الأساسي هو صراع من أجل العقول. وفي وقت لاحق، غيّرت الحركة من توجهاتها وأصبحت تهتم بضم المثقفين والنخبة دون غيرهم من الفلاحين والعمال.
مـخـيـفـة، ألـيـس كـذلـك؟
وفقا لغريشين، شهدت جماعة غولن دعما ماديا من قبل مؤسسات راعية لها تضم مجموعة من المثقفين ومن بينهم "ذوي الياقات البيضاء". وكانت هذه المؤسسات الداعم الرئيسي التي انطلق من خلالها غولن في مشروعه لفتح مدارس خاصة في تركيا ثم توسعت حركته لتشمل حوالي 140 دولة أخرى في إطار نشر فكره الذي بات يحمل إيديولوجيا متطرفة ومخالفة لفكر المجتمع التركي المتجه نحو العلمانية.
مـدرسـة لـلـتـعـلـيـم الـعـام، أم الـديـنـي؟
غالبا ما تتبنى هذه المدارس الشباب الذين يعانون من ظروف صعبة، حيث تمد لهم يد العون وتتكفل بتعليمهم.
وتستقبل هذه المدارس أعدادا هامة من الطلبة في مختلف دول العالم وتحرص على ملأ عقولهم بأفكار وتوجهات غولن.
وفي هذا السياق، وضّح غريشين أن الدعاية الفكرية التي تستخدمها مدارس غولن تمثل أهم أساليب فتح الله غولن في الدعوة بالإضافة إلى أنها تمثل الغطاء المثالي لعملياته وجرائمه الإرهابية.
ومن جهة أخرى، يتخرج سنويا من مؤسسات غولن، المئات من الطلاب في جميع أنحاء دول العالم. وعادة ما يدين هؤلاء الطلاب بالولاء "لحركة غولن"، نظرا لأنها تمثل بالنسبة لهم "المنارة التي من خلالها اهتدوْا لسبل النجاح والتفوق وانتشلتهم من الفقر والضياع".
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الروسي، إن هذه المؤسسات لوحدها كفيلة بخلق المزيد من الأتباع لفتح الله غولن، خاصة وأن مدارسه تعمل على إخراج طلبة متكونين وقادرين على العمل في مختلف المجالات الهامة.
وأردف غريشين أن "هذه المؤسسات عملت على التمركز داخل الأراضي الروسية منذ التسعينات حتى سنة 2008. وقد خدمت معظمها توجهات "حركة غولن" إلى أن تم حظرها من قبل المحكمة العليا الروسية في سنة 2008 وتمت إبادتها تدريجيا.
تـسـعـى هـذه الـمـدارس لـتـغـيـيـر مـصـيـر الـشـعـوب
أكد الخبير الروسي أن هذه المدارس تسعى عمليا لتغيير مصير الشعوب. وفي فترة التسعينات وحتى سنة 2008، مثلت هذه مدارس غولن خطرا كبيرا على روسيا، مما استدعى حظرها. وفي ذلك الوقت، قدمت المخابرات الروسية وثائق تثبت تورط هذه المدارس وعملها على تخريب فكر العديد من الشباب.
وفي الوقت الراهن، تحاول حركة غولن التقاط أنفاسها حتى تتمكن من البروز من جديد في العالم الإسلامي، على الرغم من أن المجتمع الإسلامي يرفض ذلك تماما، إذ أدان محاولة الانقلاب في القمة الإسلامية الأوراسية في إسطنبول. ومن هذا المنطلق، أكد أليكسي غريشين على ضرورة التخلص من إرث غولن في بلدان الاتحاد السوفياتي سابقا.
وهنا يُطرح التساؤل التالي: لماذا يبقى فتح الله غولن طليقا رغم تورط تنظيمه؟
الـطـريـق إلـى تـراجـع حـركـة غـولـن
يعزى نجاة حركة غولن وتواجدها إلى حد الآن بالرغم من تورطها في العديد من الجرائم، إلى الدعم المادي الذي تحظى به. وبالتالي، من الضروري الوعي بالخطر الذي تمثله هذه الحركة ليس على تركيا فقط بل على بلدان العالم كلها وخاصة العالم الإسلامي.
وأورد أليكسي غريشين أن الوعي الجماعي بخطورة غولن في تركيا قد شهد تطورا فعليا، في حين لا يزال رجال الدين متقاعسين نوعا ما في أخذ موقف واضح وصريح.
وفي هذا الصدد، علّق غريشين قائلا "في نهاية المطاف لن ينتصر العالم على مثل هذه الجماعات المتطرفة إلا من خلال الوعي الجماعي بمخاطرها والتفكير الجدي في حلول فعلية. وخلافا لذلك لن تتمكن أي دولة من تحقيق أي انتصار حقيقي في وجه هذه المؤسسات الإرهابية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!