علي خيري - خاص ترك برس
"أورال لم يمت" تلك هي الفكرة التي سيطرت علي وأنا أشاهد أرطغرل وهو يهوي بسيفه على رقبة أورال، فلو كان أورال قد مات بالفعل، فلِمَ تعيش أمتنا تلك الأهوال في عالمنا المعاصر.
وأورال ابن السيد جاندار هو - لمن لم يتابع المسلسل بعد - كبير أبناء سيد قبيلة "تشافدار" القبيلة الكبيرة ذات الموارد الضخمة، والتي ترابط على حدود الدولة البيزنطية، تلك القبيلة كانت ترى في نفسها أكبر قبيلة تركمانية في المنطقة، ولا تجد في القبائل التي تجاورها من يضاهيها في القوة أو حتى الطموح، حتى أتت قبيلة الكايي التي يتزعمها السيد أرطغرل بن سليمان شاة صاحب الشهرة الواسعة في مواجهة أعداء الأمة من صليبيين ومغول، الأمر الذي غير موازين القوة في المنطقة تماما.
هذه الشخصية التي لعبها بكفاءة شديدة الممثل التركي (Kürşat Alnıaçık) "كورشات أنياشك" لا أستطيع استيعاب حقيقة أنها ماتت بسيف أرطغرل، وذلك لأن الواقع الذي تعيشه أمتنا الآن يؤكد أن أورال ما زال يعيش ويدير مؤامراته من داخل حصن الأعداء الذين ارتمى في حضنهم، ولما تملكتني الحيرة من هذة الفكرة، يممت وجهي شطر صديق لي أتوسم فيه الحكمة، وصارحته بما يعتمل في صدري، فلما فرغت من كلامي، أطرق صامتا ثم نظر إلي وقال: يا صديقي الطيب ألا تعلم أن أورال هذا فكرة لا تموت، وأنك كلما قتلت واحدا لن تعدم آخر، ألا تعرف يا صديقي أن التدافع سنة من سنن الله في كونه، وأمثال هذة الشخصيات من أبرز الشخصيات التي يلاقيها أهل الحق في خضم التدافع بين الحق والباطل.
خرجت من عند صديقي الحكيم وقد ظهرت لي في شخصية أورال أبعاد كانت غامضة علي، فمثلا عدم شعوري بالاستغراب من معظم أفعاله أرجعته إلى وجود تشابه كبير بين أفعال أورال وأفعال الكثير ممن يتسنمون عروش بلادنا الآن- أتواصوا به -، وكلما تمعنت أكثر في هذه الشخصية المحورية في مسلسل أرطغرل، كلما تبلورت في ذهني القواسم المشتركة بين أورال وبين طواغيت العصر الحديث، وأحب أن أتحدث عن هذة القواسم واحدا بعد الآخر.
الأول: الاستهانة بحرمة الدماء
إراقة الدماء عند أورال كان أمرا في غاية السهولة والبساطة، فمن أوائل المشاهد التي شاهدنا فيها أورال كان مشهد قتله للعبيد لمجرد التسلية وتنفيس الغضب، وبعد ذلك تجلت جرأته على دماء أبناء أمته عندما أمر بقتل محاربي أرطغرل لمجرد وجود منافسة تجارية على بيع بعض السجاد بينه وبين أرطغرل، هذا بخلاف أنه لم يكن يتورع عن قتل أعدائه عن طريق السم بمنتهى الخسة كما فعل مع صديق والده وكما حاول أن يفعل مع أرطغرل.
وهذا بالطبع من أهم القواسم المشتركة بين أورال وبين طواغيت أمتنا، فالدماء عندهم رخيصة بل إن بعضهم لا يرى في الدماء التي تسيل من أبناء شعبه إلا دعائم لحكمه وتثبيتا لطغيانه، فأمسى كمصاص الدماء الذي لا يحيى إلا على دماء الأبرياء، فشوارع العديد من عواصمنا لا زالت تفوح بروائح دماء الأحرار الزكية، الذين قتلوا لمجرد أنهم أجرموا وطالبوا بحرية أمتهم.
الثاني: الحقد
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ وَلا يَـنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
كلما كنت أرى أورال أتذكر هذا البيت الذي قاله قديما الرائع عنترة بن شداد، وهو يخبرنا سرًا من أسرار انخفاض أو ارتفاع مراتب الناس، فشخصية أورال كانت شخصية تنضح بالحقد، فهو يحقد على أرطغرل لأنه بطل شهم مثار إعجاب كل الناس، ويحقد على أخوه علي يار -والذي تحدثت عنه في مقال سابق- لأنه متعلم ومحترم ومحبوب من كل من حوله.
وهذا الحقد يشترك فيه أورال أيضا مع طواغيتنا، لأنه لا ينبع إلا من نفوس مهزوزة لا تثق في إمكانياتها الشخصيةـ ترى في كل ناجح تهديدًا شخصيًا لها ولمكانتها، فبدلا ن أن تسارع للتعاون معها، لا تجعل همها إلا القضاء على تلك الشخصية الناجحة في أقرب وقت ممكن.
فالطاغية عندنا قد يعين الوزير، فإذا نجح ولهجت الألسنة بشكرة وعرف الناس إنجازته، فتكون مكافأته الوحيدة هي الفصل الغير مشرف، وذلك لأن الطاغية يرى في هذا الوزير الناجح تهديد يجب عليه التخلص منه.
الثالث: الاستعانة بأعداء أمته
عندما تمكن الحقد والحسد من أورال، لم يجد أي غضاضة في أن يستعين بأعداء دينه وجنسه، للتنكيل بأرطغرل ابن دينه وابن جنسه، وكانت البداية هي مجرد التعاون مع فرسان الهيكل في عرقلة مساعي أرطغرل لتثبيت قدمه في الأراضي الجديدة التي يريد أن يستوطنها، ولكن حقد أورال أخذ يغوص به في مستنقع الخيانة والعمالة حتى التجأ إلى أعداء دينه ووطنه، ليصبح خنجرا في أيدى الأعداء لا عليهم، وجاسوسا لمن يريد إفناء أهله والقضاء على دينه، وأصبح أكبر أحلامه أن يستولي على الحكم في قبيلته برفقه القوات المعادية لأهله ودينه.
وهذا يعد التشابة الأكبر والأبرز بين أورال وبين بعض الأنظمة العربية، فلولا أن أحداث الثورة السورية سابقة على مسلسل أرطغرل لكنت قلت إن بشار الأسد يقلد أورال في كل أفعاله، فكما كان أورال يتمنى الانتصار على بني جلدته ولو بقوات احتلال، فهاهو بشار أدخل كل قوات العالم ليحكم سوريا وليقتل بهم بني جلدته.
وما دخول بعض أهل العراق على الدبابات الأمريكية ليقتلوا ويحكموا بني جلدتهم عنا ببعيد، ولو أحببت أن أسرد لكم الخيانات التي حدثت في عالمنا المعاصر بوطننا العربي لسودت مئات الصفحات على أقل التقديرات.
أليس لي بعد كل هذا أن أعتقد أن أورال لم يمت؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس