ترك برس
انطلقت من أحد موانئ إسطنبول في 20 يونيو/حزيران الماضي سفينة "ياووز" التركية المتخصصة بالحفر في البحار باتجاه سواحل قبرص الشرقية، وتستعد هذه الأيام للبدء بعمليات الحفر، دعما لسفينة فاتح الموجودة فعلا غرب قبرص إلى جانب سفينة "بربروس" المتخصصة بالتنقيب عن النفط والغاز.
في تقرير لها حول التوترات، أشارت شبكة الجزيرة القطرية إلى أن تحركات السفن التركية مؤخرا شرق المتوسط تأتي في إطار إبرام معاهدات من دول المنطقة دون إشراك تركيا فيها، مثل تلك التي وقعتها مصر وقبرص اليونانية في 2013 للتنقيب عن الغاز.
وأوضحت أن الجدل تجدد حول التنقيب عن الغاز الطبيعي شرق البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي أبدت فيه جهات دولية قلقها من بدء تركيا التنقيب في جرفها القاري.
ووفقًا للجزيرة، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية كامل مخزون الغاز في المتوسط بنحو 122 تريليون قدم مكعبة، بما فيها الحقول الواقعة في المياه الإقليمية.
في حين قدرت الاستثمارات النفطية في قبرص اليونانية بـ198 مليار متر مكعب من الغاز عام 2012، التي من المتوقع أن توفر لها 39 مليار دولار تشمل حصة التنقيب.
وأعلنت شركة "نوبل إينرجي" اكتشاف حقل "أفروديت" خارج سواحل قبرص عام 2011 الذي تقدر احتياطيات الغاز الطبيعي فيه بما يتراوح بين 5 و8 مليارات قدم مكعبة.
وتعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تم إقرارها عام 1982، أن كل دولة تمتلك ما يصطلح عليه بـ"منطقة اقتصادية خالصة" لمسافة 200 ميل بحري فقط، وفي حالة شرق المتوسط تكون الدول ذات الحدود البحرية المشتركة هي التي بينها مسافات أقصر.
وبالتالي فإن مصر وتركيا بحدود مشتركة تبلغ 322 كيلو مترا، بمسافة بينهما تبلغ 274 ميلا بحريا دون حساب جزيرة "كاستلوريزو" التي تسيطر عليها اليونان، وهذا يعني أن أنقرة والقاهرة أحق من قبرص اليونانية واليونان التي تبلغ الحدود بينهما 297 ميلا بحريا.
وأعلنت شركة "إكسون موبيل" العملاقة خلال مارس/آذار الماضي اكتشاف حقل ضخم للغاز الطبيعي، اعتبرته قبرص أحد أكبر الاكتشافات على مستوى العالم في العقدين الأخيرين، وهو بحجم احتياطي ما بين 5 و8 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
وتنسق قبرص اليونانية مع إسرائيل دون إشراك جمهورية شمال قبرص التركية، وهو ما رفضته أنقرة بشدة منذ البداية، لأنها رصدت محاولات للعمل على مشروع مشترك بين اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل يهدر حق تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية في ثروات شرق المتوسط منذ 2012.
بدوره، قال وزير الخارجية التركية مولود شاووش أوغلو، إن الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة قبل أربعة أعوام لا تحمل أي صفة قانونية، لأنها تنتهك الجرف القاري التركي، وترد مصر سريعا أن أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوقها السيادية في المنطقة ستقابل بالمواجهة المناسبة وبكل الأساليب والوسائل.
وحسب تقارير إعلامية، فإن مشروع ممر الغاز الجنوبي بحوض المتوسط الذي تقدر تكلفته بـ 40 مليار دولار، وهو مشروع طموح يشمل 11 شركة وسبع حكومات، وهو أكبر مشروع بنية تحتية سيغطي مسافة 3500 كم، سينقل الغاز من بحر قزوين مرورا بأذربيجان وجورجيا وتركيا واليونان والبحر الأدرياتيكي إلى جنوب إيطاليا، ومن هناك للتوزيع للأسواق الأوروبية.
وتشير التقارير إلى أن تركيا ستستفيد من الرسوم والجمارك لأن خط الأنابيب سيمر عبر أراضيها، ومما لا شك فيه أن هذا سيقلل اعتمادها على الغاز الروسي الذي يغذي 60% من الاستهلاك التركي، وحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، فإن كمية الغاز التي سينقلها ممر الغاز الجنوبي ستكون بحدود 16 مليار متر مكعب سنويا.
عن الأبعاد الدولية لهذه التوترات في المتوسط، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نجم الدين أربكان، غوكهان بوزباش إن أحدث اكتشاف أعلن في فبراير/شباط الماضي، كان يتعلق بخزّان عملاق للغاز الطبيعي في حقل "غلاوكوس1" قبالة شواطئ قبرص بواقع ما بين 5 و8 تريليونات قدم مكعبة.
وتوصلت إلى الاكتشاف شركة "إكسون موبيل" الأميركية العملاقة، بينما أوقفت أنقرة سفينة ترتبط بشركة "إيني" الإيطالية قبل أكثر من عام، فضلا عن حضور آخر لشركة "توتال" الفرنسية.
وأضاف بوزباش "ما يمتلكه حوض المتوسط من حقول تضم مخزونا هائلا من الغاز يجعل منه كنزا إستراتيجيا لبلدان المنطقة، وإن كان البعد الاقتصادي سببا رئيسا للصراع، فالبعد السياسي يشكل جانبا مهما آخر للنزاع في ضوء ما تشهده علاقات تركيا واليونان ومصر من توتر مستمر".
وتتمسك تركيا، رغم تحسن علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا في خطط نقل الطاقة، بفكرة أن التعاون الغازي مع إسرائيل سيعني مشاركتها في تقاسم أكثر من تريليون متر مكعب من هذه الموارد، والحصول على حصة لا بأس بها من 235 مليار يورو، وتقليص حاجتها للغاز الروسي والإيراني، وفق بوزباش.
وأشار إلى أن أقصى نقاط الضعف لدى أنقرة تتعلق بتوافر الطاقة، إذ تستورد نحو 60% من الغاز المستهلك لديها من روسيا، معتبرا الاكتشافات الهائلة في المتوسط التي بدأت في الظهور تباعا منذ عام 2009 مطمعا كبيرا لها.
وأدت التوترات المتزايدة والتحركات العسكرية البحرية في منطقة شرق المتوسط إلى إحياء النقاش في تركيا حول إقامة قاعدة بحرية دائمة في الجزء التركي من قبرص.
ووفقا للصحافة التركية، قدّمت البحرية التركية تقريرا وتوصية لوزارة الخارجية حول الحاجة الملحة إلى إنشاء قاعدة في مكان مناسب هناك.
وأشار التقرير إلى أن مثل هذه القاعدة ستحافظ أيضا على حقوق ومصالح شمال قبرص وتركيا في شرق المتوسط، ومنع انتهاكات مناطق الطاقة البحرية، ومنح شمال قبرص وتركيا أوراقا أقوى في أي مفاوضات قد تستأنف بشأن الأزمة القبرصية.
وأوصى التقرير بأن القاعدة البحرية المقترحة يجب أن تكون على غرار القاعدة ذات السيادة البريطانية في قبرص اليونانية.
ونقلت صحيفة "يني عقد" التركية عن مصادر أمنية في أنقرة مناقشة الفكرة في المستويات العليا للحكومة، كما لاحظت الصحيفة اهتمام صناع القرار التركي بشكل أكثر من المعتاد بالحقوق السيادية لتركيا في شرق المتوسط.
ويعتقد الرائد السابق في البحرية التركية، ديفريم يايلالي، أن توصية البحرية بإنشاء قاعدة دائمة في شمال قبرص هي واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية في الآونة الأخيرة.
ويقول في حوار تلفزيوني مع قناة "أن تي في" التركية إن مثل هذه القاعدة في شمال قبرص ستوفر تسهيلات كبيرة للبحرية، ومن المهم أيضا حمايتها من التهديدات المحتملة من البر والجو، لذلك من المتوقع أن يرسو فيها عدد من الغواصات، إضافة إلى طرّادات دورية قصيرة المدى وزوارق حربية وعدد من الفرقاطات التي لا بد من وجودها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!