ترك برس
رأى الباحث الاقتصادي أحمد مصبح، أنه ليس من المنطق تجاهل البعد السياسي في الحرب الاقتصادية التي تواجهها تركيا، واستخدام عصا العقوبات ضدها، وأن من الإنصاف والموضوعية ربط الأزمات السياسية مع المشاكل الاقتصادية.
جاء ذلك في معرض حديثه عن التحديات السياسية والاقتصادية أمام الاقتصاد التركي في ظل التطورات الأخيرة، وخاصة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد صيف العام 2016، وأعقبها هجومات وضغوط من الدول الغربية.
وقال مصبح، في حديث لصحيفة "عربي21"، إنه "في العام 2017، على سبيل المثال، حقق الاقتصاد التركي معدلات نمو وصلت إلى 7.4%، وكانت معظم القطاعات الاقتصادية في نمو، في الربع الأول من العام 2018؛ منها: قطاع السياحة، والاستثمارات، والتجارة، وغيرها، إلا أن وكالات التصنيف منحت تركيا تصنيفا منخفضا مع نظرة سلبية غير مستقرة".
وأردف: "وفي العام 1995، في ذروة صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، ومعدل تضخم وصل إلى 88%، وحجم دين خارجي قرابة 50% من إجمالي الناتج المحلي، وإجمالي ناتج محلي 427 مليار دولار فقط، ومعدل دخل سنوي 2300 دولار، حازت تركيا تصنيفا ائتمانيا عند "+B" بنظرة مستقرة وإيجايبة".
وبيّن أنه لا يخفى على أحد أن الأطراف المناوئة لحكم الرئيس التركي، كثفت من تحركاتها على مدار السنوات الثلاثة الماضية، وزادت حدتها في منتصف 2018 ، بهدف إيقاف عجلة حزب العدالة والتنمية، خاصة قبل الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية التي جرت يوم 24 حزيران/ يونيو 218، بعد تبني الشعب التركي النظام الرئاسي.
وأضاف: "بعد فشل التحرك العسكري للإطاحة بالرئيس التركي، كثفت الأطراف المناوئة لأردوغان تحركاتها على الصعيد الاقتصادي، خاصة أن الورقة الاقتصادية كانت ومازلت بمنزلة الرافعة الشعبية للعدالة والتنمية عموما والرئيس أردوغان بصفة خاصة".
وأوضح مصبح أن التحركات الاقتصادية ضد تركيا، تمت على ساحات ومستويات مختلفة في التوقيت نفسه، أبرزها: (تدافق هائل لتقارير سلبية دولية تحذر من كارثية الاقتصاد التركي، ودعوات تجنب الاستثمار في تركيا، إلى جانب تفاقم الخلاف بين الرئيس التركي ولوبي الفائدة، وكذلك حرب العملات وحجم البيع الهائل الذي تعرضت له الليرة، ناهيك عن تفاقم الخلافات في العديد من الجبهات الدبلوماسية والسياسية، خاصة مع واشنطن، على خلفية قضية اعتقال القس الأمريكي).
ولفت الباحث الاقتصادي، إلى أن اعتماد الحكومة التركية في سياستها الاقتصادية، في السنوات الأخيرة، على التدفقات قصيرة الأجل (سريعة الدخول والخروج من السوق)، ساهم وأعطى تلك المؤسسات الذريعة (الموضوعية للهجوم على الاقتصاد التركي).
لكن من غير الموضوعي تجاهل تحقيق الاقتصاد التركي لمعدلات نمو قياسية في العام 2017 (7.4%)، وتحقيق معظم القطاعات الاقتصادية معدلات نمو في الربع الأول من العام 2018 (قطاع السياحة، والاستثمارات، والتجارة وغيرها).
وتابع: "على الرغم من دور تلك التدفقات في تحريك عجلة السوق، وتحقيق النمو الاقتصادي، لكن الاعتماد عليها وجعلها المحرك الرئيسي للسوق يعدّ مخاطرة عالية؛ وذلك لحساسيتها للاضطرابات والأزمات؛ سواء داخليا أو خارجيا، وهذا ما أثبتته الأزمة الأخيرة مع الولايات المتحدة".
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن تفاقم الخلاف في وجهات نظر تجاه السياسة النقدية في تركيا، ساهم في التأثير السلبي والملحوظ على المؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها سعر صرف الليرة.
وبين أن "الرئيس التركي أصر وما زال على ضرورة إبقاء معدلات الفائدة منخفضة، في حين كان للبنك المركزي ولوبي البنوك التركية رأي مخالف لهذا التوجه، الأمر الذي كان له تداعيات خطيرة بعد الحملة التى تعرضت لها الليرة التركية في منتصف آب/ أغسطس 2018 (فقدت الليرة 40 بالمئة من قيمتها)، ودفع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية وصلت إلى قرابة 25 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، إلى جانب زعزعة ثقة المواطنين والمستثمرين في الاقتصاد التركي، الأمر الذي دفع الرئيس التركي إلى القبول برفع معدلات الفائدة لتصل 24 بالمئة، لكبح جماح التضخم، وهذا ما حدث بالفعل، حيث وصلت معدلات التضخم لقرابة 15 بالمئة في أيار/ مايو 2019.
وألمح مصبح، أنه "بالرغم من التأثير الإيجابي لرفع أسعار الفائدة، وانعكاسه المباشر على تحسن سعر صرف الليرة التركية وانخفاض معدلات التضخم، إلا أن رفع أسعار الفائدة كان له الأثر السلبي على معدلات النمو، خاصة بعد ما نتج عنها من ارتفاع في تكاليف الإقراض، وزيادة التخوفات لدى المستثمرين بشأن الاقتصاد التركي، كما خلق حالة من الانكماش في القطاعات الإنتاجية، وتحول الأموال والاستثمارات إلى القطاعات البنكية، إضافة إلى دورها في زيادة تكاليف إصدار السندات والأذونات على كاهل الحكومة، الأمر الذي انعكس جليا على معدلات النمو للعام 2018، وهو ما دفع الرئيس التركي إلى إقالة محافظ البنك المركزي قبل أيام".
وأكّد أنه ليس من المنطق تجاهل البعد السياسي في الحرب الاقتصادية التي تواجهها تركيا، واستخدام عصا العقوبات ضدها، مضيفا: "من الإنصاف والموضوعية ربط الأزمات السياسية مع المشاكل الاقتصادية، وعدم التسويق لفشل إدارة أردوغان الاقتصادية".
وأشار إلى أن التسويات السياسة على أصعدة مختلفة عكست هوامش كبيرة من الاستقرار على المؤشرات الاقتصادية، الأمر الذي يثبت أن البعد السياسي هو المحرك الرئيسي في معادلة الاقتصاد التركي، فكلما كانت العلاقات السياسية مستقرة، كان هناك استقرار ملحوظ في المؤشرات الاقتصادية".
وأوضح: "صحيح أن هيكيلة الاقتصاد التركي وحجم موارده، جعل من عجز الحساب الجاري حالة مزمنة، لكنها ليست عائقا، إذا ما كان هناك استقرار سياسي، وتوافق حول السياسات الاقتصادية داخليا".
وأضاف: "ليس من الإنصاف تناول مؤشر مثل عجز الحساب الجاري (بصورة منفردة)، وإلقاء اللوم على الحكومة فى أنها فشلت في إدارة الملف الاقتصادي، دون وضع المتغيرات الداخلية والخارجية، وخصائص الاقتصاد في الحسبان".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!