ترك برس
قبل قرابة أسبوع، أحيا الأتراك الذكرى الـ 24 للانقلاب المعروف بـ "انقلاب ما بعد الحداثة" والشائع بين العامة بـ "انقلاب 28 شباط"، حيث أطاح العسكر عام 1997، بحكومة رئيس الوزراء آنذاك، نجم الدين أربكان، وحكومته الائتلافية بقيادة حزب "الرفاه".
المثير في تلك المرحلة، أن التحركات الأولى للجيش بدأت إثر فعالية كانت منعطفاً في اتهام الحكومة وحزب الرفاه بقيادة أربكان، بالرجعية وتهديد علمانية الدولة.
الفعالية نظمتها بلدية "سنجان"، بالعاصمة أنقرة، ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وأطلق عليها اسم "ليلة القدس".
وأجريت الفعالية في 31 كانون الثاني/ يناير عام 1997، وركزت على انتهاكات الاحتلال في مدينة القدس، وشارك فيها رئيس البلدية شخصيا، بكير يلدز، وسفير إيران لدى أنقرة، آنذاك، محمد رضا باقري، وشهدت رفع صور وشعارات لحركة "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني.
الحدث أثار حفيظة العسكر بدعوى انتهاكه مبادئ العلمانية وبممارسة "الرجعية"، لتستيقظ "سنجان" صباح 4 فبراير 1997 على أصوات الدبابات، حيث سارت قافلة مؤلفة من 15 دبابة و20 مركبة مدرعة في شوارع المنطقة، لتكون بمثابة تحذير من اقتراب وقوع انقلاب عسكري ضد الحكومة المنتخبة.
وفي ذلك اليوم، قال رئيس الأركان العامة الجنرال جويك بير، لوسائل الإعلام المحلية "لقد عدّلنا التوازنات في العملية الديمقراطية."
بعد هذا التطور الذي وصف بأنه "تحذير من العسكر"، تمت إقالة رئيس بلدية سنجان بكر يلديز من منصبه، واعتقل مع 9 من أصدقائه بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والعداء"، وقد أدت هذه التطورات إلى حدوث سجالات سياسية خطيرة.
وبعد أن نقلت نائب رئيس الوزراء، وزيرة الخارجية تانسو تشيلر، لأربكان حالة عدم الارتياح داخل المؤسسة العسكرية، دبت خلافات عميقة بين شركاء التحالف الحكومي حول طريقة التعامل مع هذه الأزمة.
وأعقبت ذلك سلسلة لقاءات بين قادة الجيش والرئيس سليمان ديميريل، انتهت أخيرا باجتماع لـ"مجلس الأمن القومي"، في 28 شباط/ فبراير.
تمخض اجتماع مجلس الأمن القومي عن بيان مكون من 4 نقاط، بات يشار إليها في التاريخ السياسي التركي باسم "انقلاب ما بعد الحداثة".
وخلال الاجتماع، جرى تنظيم قائمة مطالب من الحكومة تضمنت زيادة التعليم الأساسي إلى 8 سنوات، وعدم توظيف المطرودين من الخدمة العسكرية بسبب تورطهم في "أنشطة رجعية" داخل كوادر البلديات.
رفض أربكان توقيع القائمة التي أعدها مجلس الأمن القومي، وطالب الأمين العام للمجلس بتخفيف العقوبات المتعلقة بحالات الإخلال بمطالبها، لا سيما فيما يتعلق بالعبارة الآتية التي تضمنها البيان: "لقد لوحظ أن الجماعات المدمرة والانفصالية المعارضة لأسس الجمهورية والنظام تسعى إلى إضعاف دولة القانون والنظام الديمقراطية والوفاق الاجتماعي من خلال التمييز بين الأفراد على أساس مناهض للعلمانية".
باءت مساعي أربكان لتخفيف لغة البيان، بالفشل، ليقدم في أعقاب هذه التطورات، على الاستقالة من رئاسة الوزراء، ونقل واجبات مهامه إلى نائبته تشيلر.
وتجبر القرارات المشار إليها أربكان على حظر الحجاب في الجامعات بشكل صارم، وتقييد المدارس الإسلامية وإغلاق تلك التي افتتحت في عهده، وإغلاق مدارس تحفيظ القرآن والطرق الصوفية، والسيطرة على وسائل الإعلام التي تعترض على قرارات المجلس الأعلى العسكري، بما في ذلك فصل الضباط ذوي "الخلفيات الدينية".
لاحقاً، قام الرئيس "ديميريل" بعد ذلك بتكليف زعيم حزب الوطن الأم (ANAP) مسعود يلماز بتشكيل الحكومة الجديدة، وتم إغلاق حزب الرفاه من قبل المحكمة الدستورية في عام 1998.
ومنع القضاء التركي أربكان من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات، وتلقى عدد من قادة حزبه أحكاما مشابهة، ومنهم "يلدز"، رئيس بلدية سنجان، وكذلك الرئيس الحالي للبلاد، رجب طيب أردوغان، الذي كان عمدة إسطنبول حينها، والذي حكم عليه بالسجن أيضا لقراءته قصيدة إسلامية قومية.
وأدى الانقلاب إلى إضعاف حزب أربكان، بشكل كبير، وأعقبه انشقاق كبير بقيادة أردوغان، الذي أسس مع مجموعة من الأعضاء الآخرين "حزب العدالة والتنمية"، كما يعد آخر تدخل ناجح للجيش في إزاحة الحكومة، بعد انقلابات 1960، 1971، و1980، فيما فشلت محاولة 2016، بقيادة تنظيم "غولن".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!