توران قشلاقجي - القدس العربي
بقي نحو أسبوع على موعد الانتخابات التاريخية في تركيا. وكما هو الحال في جميع السباقات الانتخابية، تطايرت مؤخرا الأكاذيب والادعاءات والافتراءات قبيل هذه الانتخابات أيضا. وتؤدي منصات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في انتشار الافتراءات بسرعة أكبر. واعتاد الناخب التركي منذ سنوات طويلة على مواجهة حملات عنيفة من قبل السياسيين كلما اقتربت الانتخابات في البلاد. وبعد انتهاء الانتخابات، يعود كل شيء إلى طبيعته بالنسبة إلى السياسيين والناخبين، وكأن شيئا لم يحدث.
النقطة التي يجب التركيز عليها في هذه الانتخابات هي، من جهة، هناك تحالف يريد رحيل الرئيس أردوغان، ويسمى «تحالف الأمة». وفي الجهة المقابلة هناك تحالف آخر يدعم أردوغان، الذي يعد قائدا جعل تركيا تحقق قفزات في مجالات مختلفة، لاسيما الدفاع والصناعة والصحة والتكنولوجيا والنقل، واسم هذا التحالف هو «تحالف الشعب». مشكلة «تحالف الأمة» الرئيسية هي فشله حتى اليوم في تقديم حزب قوي يمكنه مواجهة حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ 22 عاما، وعدم قدرته على طرح زعيم كاريزمي في مواجهة أردوغان، فحتى الدراسات التي تجريها شركات الاستطلاع المقربة من المعارضة، تظهر أن حزب العدالة والتنمية لا يزال في المركز الأول من حيث الشعبية، وأن أصوات الرئيس أردوغان، قريبة حتى اليوم من 50 في المئة. ولم يشهد التاريخ السياسي التركي أبدا مثل هذا الحدث من قبل. السبب الوحيد الذي يجعل حزبا في الحكم منذ 22 عاما يحافظ على قوته لغاية اليوم، هو ضعف المعارضة التركية وفشلها في بث الأمل في نفوس الشعب، وهذا محل إجماع عند جميع المحللين السياسيين. تخيلوا أن أردوغان لا يزال يعمل 18 ساعة يوميا، وهذا يقابل مجموع ساعات عمل قادة التحالف المعارض الستة. كما أن عدد المشاركين في تجمعات أردوغان الجماهيرية أكثر من عدد المشاركين في التجمعات المشتركة لقادة المعارضة!
حسنا، كيف يقرأ الرئيس أردوغان هذه الانتخابات؟ وماذا تقول تعابير وجه أردوغان في الساحات الانتخابية؟ يعلم الجميع أن رجب طيب أردوغان، يواصل عمله أمام الرأي العام منذ 1994. وأصبحنا نراه بكثافة أكثر بعد انتشار وسائل الإعلام. ولم يعد الأمر يقتصر على تركيا فقط، بل أصبح العالم بأسره اليوم قادرا على قراءة التعبير المرسوم على وجهه بكل سهولة، والتمييز بين غضبه وسعادته وتعبه وقلقه وتخوّفه. أصبحنا قادرين على فهم جميع هذه الملامح بسهولة. فلا يوجد قناع يخفي الوجه الحقيقي لأردوغان، وكل ما في باطنه ينعكس على ظاهره. ويستطيع الأتراك قراءة تعابير وجه الرئيس منذ حادثة «وان مينيت» (دقيقة واحدة) في منتدى دافوس، وحتى أحداث حديقة «غيزي»، ومحاولة انقلاب 15 يوليو/تموز، وكارثة زلزال 6 فبراير/شباط. مشاعر الصدق والعزم والموقف الحازم والتصميم والمقاومة والنظرة الواثقة والغضب والشجاعة والراحة والهدوء والثبات والشجاعة على وجه أردوغان تعكس فورا حالته النفسية. لكن كان هناك تعبير مختلف مرسوم على وجه أردوغان في الأسابيع الأخيرة. تعبير يصعب قراءته وتفسيره. في البداية كنت أتساءل عمّا إذا كنت أنا الشخص الوحيد الذي يجد صعوبة في فهم هذا التعبير، لكن لاحظت فضولا مشابها لدى الأشخاص في محيطي. هذا ليس تعبيرا نعرفه ونفهمه واعتدنا عليه، هل هو تعبير ناجم عن راحة وتفاؤل بشأن الفوز في انتخابات 14 مايو/أيار؟ كلا، إنه يتجاوز ذلك. لأننا تعرفنا جيدا في الانتخابات السابقة على ملامح وجهه التي تشير إلى ثقته بنفسه وراحته. هناك ما هو أبعد من ذلك في هذا التعبير الجديد. البعض من معارفي فسروه على أنه «لا مبالاة». فهل هو كذلك؟ لا أعتقد. أنا شخصيا أفضل قراءة هذا التعبير على أنه «استسلام للقدر».
يخوض أردوغان النضال السياسي منذ ريعان شبابه، أي منذ نحو 50 عاما، من دون كلل أو ملل ومن دون استراحة. ونحن كنا شاهدين مباشرة على جزء كبير من هذا النضال. رأينا في أردوغان بشكل ملموس معنى تكريس المرء حياته للنضال من أجل قضية ما، وما تعنيه التضحية بالنفس لصالح الوطن والشعب. لقد شهدنا جميعا كيف يكافح رجل من أجل شعبه ووطنه وأمته، هناك قوسان مهمّان في تاريخ الجمهورية التركية الممتد منذ 100 عام، وهما قوسان فتحا وأُغلقا من قبل السياسيين الراحلين مندريس وأوزال. أمّا القوس الذي فتحه أردوغان عام 2002، فإنه لم يغلق بعد. وكانت السنوات الـ21 الماضية من أكثر فترات الجمهورية تألقا وإشراقا، ومن المستبعد أن يتكرر هذا الأمر في المستقبل القريب. نجح أردوغان في كتابة اسمه منذ وقت طويل في التاريخ، وأصبح أسطورة حقيقية، لقد أنجز ما هو أبعد من المتوقع منه في السياسة الداخلية والخارجية والديمقراطية ومكافحة الإرهاب ومعاملة المواطنين على أنهم «بشر» أمام الدولة وتحقيق حرية المعتقد وأمور أخرى كثيرة. رفع معايير تركيا إلى مستوى عالٍ جدا، من خلال الطرق والمساكن والجسور والمستشفيات والمدارس والمطارات وخطوط القطارات عالية السرعة التي بناها منذ توليه السلطة. وارتقى بالبلاد إلى مستويات رفيعة كان يصعب تخيلها من خلال إنجازاته في مجال الصناعات الدفاعية، واستطاع بصموده أن يخرج تركيا من جميع الأزمات التي واجهتها في الداخل والخارج، حقق أردوغان إنجازات كثيرة وكبيرة واستثنائية.
في ضوء ذلك؛ دعونا نلقي نظرة إلى تفسيرات ملامح أردوغان الأخيرة على لسان الكاتب التركي المعروف آيدن أونال، الذي عمل مع الرئيس سنوات طويلة وكتب العديد من خطاباته. يقول أونال: «قراءتي هي كالتالي؛ أردوغان، يؤكد بهذا التعبير المرسوم على وجهه في الأسابيع الأخيرة: (لقد قمت بما يقع على عاتقي، وأديت مسؤوليتي. ضحيت بحياتي من أجل بلدي وأمتي. وإذا انتخبت مرة أخرى سأنجز أكثر من ذلك. لا أتوقف ولا أتوانى ولا أرتاح، بل أضحّي بخبرتي وطاقتي حتى آخر قطرة لبلدي وأمتي). إنه يعيش الراحة النابعة عن ذلك، تنعكس على وجهه راحة ناجمة عن الاستسلام للقدر وقرار الشعب، وثقة بالنفس وحالة من الطمأنينة». قال مرارا وتكرارا «خرجنا في هذا الطريق ونحن نرتدي أكفاننا». وتم اختبار مدى إخلاصه في هذا الوعد مرات كثيرة. لا يمكنكم أن تخيفوا أو تقلقوا مؤمنا، من الموت. لا تستطيعون رؤية التوتر والاكتئاب والقلق على وجهه. ما يقوله أردوغان هو «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». هذا يجسد القوة والحكمة والتسليم والرضا عن أداء المرء لواجبه بشكل سليم والتعهد بإنجاز المزيد في حال تفويضه والاستسلام للقرار المتخذ في حال لم يحصل على التفويض. أردوغان هو الشخص الأكثر راحة في القلب والعقل والروح في تركيا اليوم. ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فإنه الشخص الوحيد الذي لن يكون خاسرا، وأعتقد أن هذا هو الشعور الذي ينعكس على وجهه الآن، وأنا على ثقة من أن الشعب أيضا يقرأ هذا التعبير أيضا بحكمته الواسعة».
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس