ترك برس
أعلنت تركيا مؤخراً موافقتها على تمهيد الطريق أمام السويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مقابل تعهدات بتسريع عضويتها في الاتحاد الأوروبي، في خطوة إن تحققت ستعود بمزايا كبيرة للأتراك، أبرزها تجارية واقتصادية.
وتحظى تركيا بوضع مرشح رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، وهي تطمح إلى العضوية منذ فترة طويلة قبل ذلك، لكن المحادثات متوقفة منذ أعوام.
وقدمت تركيا ملف ترشحها للمجموعة الاقتصادية الأوروبية (سلف الاتحاد الأوروبي) عام 1987، ونالت وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد في 1999، وأطلقت رسميا مفاوضات العضوية مع التكتل في 2005.
وتوقفت المفاوضات في 2016 على خلفية مخاوف أوروبية بشأن ما تعدّه انتهاكات لحقوق الإنسان في تركيا.
وفي حال تم قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، فإن المواطنين الأتراك سيحظون بالعديد من المزايا أبرزها تلك المتعلقة بالتجارة والاقتصاد وحرية التجول في الدول الأوروبية
وعقب دقائق من إعلان الناتو موافقة تركيا على دعم محاولة السويد الانضمام إلى الحلف العسكري، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بيانا رحب فيه بموقف نظيره التركي رجب أردوغان.
وقال بايدن "أرحب بالبيان الصادر عن تركيا والسويد والأمين العام لحلف الناتو هذا المساء، بما في ذلك التزام الرئيس أردوغان بإحالة بروتوكول انضمام السويد إلى الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان) في تركيا للتصديق عليه بسرعة. وأنا على استعداد للعمل مع الرئيس أردوغان وتركيا على تعزيز الدفاع والردع في المنطقة الأوروبية الأطلسية".
ولم تُظهر واشنطن أي شعور بالمفاجأة للتغير في القرار التركي، في الوقت الذي عبرت فيه عن سعادتها، ومن اللافت ما صرح به بايدن في مقابلة أجرتها معه شبكة سي إن إن (CNN) يوم الأحد الماضي من تفاؤله بانضمام السويد لحلف الناتو في القريب العاجل، في وقت عبر فيه أغلب لخبراء والمراقبين عن تشاؤمهم من نجاح قمة حلف الناتو بسبب عرقلة تركيا ملف الانضمام السويدي.
وقال بايدن "لقد التقيت مؤخرا برئيس الوزراء السويدي هنا، ولدى السويد القيم نفسها التي لدينا في حلف شمال الأطلسي. وهي أمة صغيرة، ولكن لديها القدرة على الدفاع عن نفسها. إنهم يعرفون كيف يقاتلون، وأعتقد أنهم يجب أن يكونوا أعضاء في الناتو"، مضيفا أن سبب التأخير هو تركيا.
وتابع أن "تركيا تبحث عن تحديث طائرات (F-16) ويبحث ميتسوتاكيس في اليونان (رئيس الوزراء اليوناني) أيضا عن بعض المساعدة. ولذا فإن ما أحاول لملمته بصراحة تامة هو التنسيق بحيث نعزز الناتو من حيث القدرة العسكرية لكل من اليونان وتركيا، ونسمح للسويد بالانضمام. أنا متفائل، في الواقع أنا متفائل".
وتواصل الرئيسان بايدن وأردوغان هاتفيا مساء الأحد، وفي وصف مقتضب للمكالمة، قال البيت الأبيض إن بايدن أخبر أردوغان "برغبته في الترحيب بالسويد في الناتو في أقرب وقت ممكن".
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن خبير الشؤون الدولية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ستيفن كوك، اعتقاده أن "بايدن كان واثقا تماما قبل مكالمته الهاتفية مع أردوغان، لكنه كان أقل ثقة بعد المكالمة".
انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي
وعقب إعلان تركيا رغبتها في ربط موضوع عضوية السويد بالناتو بطلب عضويتها بالاتحاد الأوروبي، أكد مكتب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي تخص الطرفين، مشددا على أن نقطة تركيزنا حاليا هي السويد المستعدة للانضمام إلى الناتو.
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر "دعمت الولايات المتحدة على مدى سنوات تطلعات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ونواصل دعمها"، مضيفا "لكننا لا نرى أن ذلك يجب أن يكون عائقا أمام انضمام السويد إلى الناتو".
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مسؤول تركي قوله إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وافقوا على تسريع مفاوضات عضوية أنقرة في التكتل الأوروبي، وإن المفاوضات تشمل انضمام تركيا للاتحاد الجمركي والسماح لمواطنيها بالسفر دون تأشيرة.
وكان أردوغان قد ربط بين عضوية السويد في الناتو برغبة بلاده في الانضمام للاتحاد الأوروبي، وقال "أولا، دعونا نمهد طريق تركيا في الاتحاد الأوروبي، ثم دعونا نمهد الطريق للسويد، تماما كما مهدنا الطريق لفنلندا".
كما أكد أردوغان أن "تركيا تنتظر على بوابة الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 50 عاما حتى الآن"، وأن "جميع الدول الأعضاء في الناتو تقريبا هي دول أعضاء أوروبية". وأزعج طلب الرئيس أردوغان الجانب الأوروبي، إلا أنه تلقى تفهما ملحوظا في واشنطن.
وأتى ربط أردوغان بين هذين الملفين عشية قمة للحلف تستضيفها العاصمة الليتوانية فيلنيوس، ويرغب قادة الناتو في الظهور خلالها موحَّدين في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا.
بدورها، سارعت ألمانيا إلى رفض الشرط التركي، مؤكدة أنه لا علاقة بين هاتين المسألتين.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس خلال مؤتمر صحفي في برلين "يجب عدم اعتبارهما موضوعين مرتبطين"، مؤكدا أنه "لا شيء يمنع انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، الذي يعرقله الرئيس التركي منذ أشهر".
لكنّ شولتس رأى في تصريحات أردوغان "رسالة إيجابية، مفادها أن منح الضوء الأخضر لعضوية السويد ممكن في المستقبل القريب".
وسبق أن تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1987، ولكن لم يكن هناك أي تقدم يذكر منذ عام 2016، عندما صوت البرلمان الأوروبي على تعليق محادثات الانضمام على خلفية انتقاده حملة الحكومة التركية الواسعة على المتورطين في الانقلاب العسكري الفاشل.
في هذا السياق، أشار ستيفن كوك إلى أنه "دائما ما تكون هناك الكثير من الدراما قبل قمة الناتو، لكن قلة توقعوا أن يثير الرئيس أردوغان قضية انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي".
وأضاف كوك "أظن بقوة أنه بالغ في موقفه، وبمجرد أن أصبح واضحا أنه من خلال ربط عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بمحاولة السويد الانضمام بحلف الناتو، فإنه يُعرض علاقات تركيا مع الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للخطر"، بحسب وصفه.
أهمية تركيا تتزايد
وبدأت الأزمة العام الماضي، عندما تقدمت السويد بطلب للانضمام إلى الناتو، وهو ما يتطلب موافقة جميع دول الناتو عليه، وهي قاعدة أعطت الرئيس أردوغان نفوذا هائلا للمطالبة بتنازلات أوروبية.
وفي الأشهر الأخيرة، بذلت السويد جهودا لتلبية مطالب تركيا، وتعديل دستورها، وتمرير تشريعات جديدة لمكافحة الإرهاب، والموافقة على تسليم العديد من الأتراك المتهمين بارتكاب جرائم في تركيا، لكن المحاكم السويدية منعت عمليات تسليم أخرى.
وتبقى المجر هي العضو الوحيد الآخر في حلف الناتو الذي لم يوافق بعد على طلب السويد، لكن مسؤولين مجريين قالوا إنه إذا تغير موقف تركيا فإنهم لن يعرقلوا العملية. وكانت فنلندا تقدمت بطلب في الوقت الذي تقدمت فيه السويد، لكنها تغلبت على اعتراضات تركيا الأولية وانضمت إلى التحالف في أبريل/ نيسان الماضي.
ومنذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي، زادت أهمية تركيا "الجيو إستراتيجية" لحلف الناتو وللأمن الأوروبي. وتلعب تركيا دورا كبيرا في التوسط والتواصل بين موسكو وكييف رغم أنها عضو بحلف الناتو. ولم يعرقل ذلك تأسيس تركيا علاقات قوية مع روسيا سمح لها بالوساطة للتوصل لاتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية.
وتمتلك تركيا ثاني أكبر جيش مشارك في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الجيش الأميركي، وتعتبر من حلفاء الولايات المتحدة المهيمنة في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب شرق أوروبا ووسط آسيا.
بعد تدهور كبير في علاقات الدولتين على خلفية استبعاد الولايات المتحدة لتركيا من اتحاد مصنعي المقاتلات المتطورة من طراز "إف-35" بسبب شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي إس-400، ووصف إدارة بايدن أحداث عام 1915 -إبان الإمبراطورية العثمانية- بأنها إبادة جماعية للأرمن، ساهمت عدة لقاءات جمعت بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والتركي رجب طيب أردوغان، إضافة للكثير من المحادثات، في عودة علاقات الدولتين لمسارها الطبيعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!