
ترك برس
استعرض مقال تحليلي للكاتب والباحثة صالحة علام، تحليلا لأبعاد زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى تركيا قبل أيام، في ظل تطورات متسارعة أدى إليها تغير الموقف الأمريكي تجاه الحرب الروسية - الأوروبية مع تولي دونالد ترامب، السلطة.
وقالت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إنه خوفًا من النتائج التي كان من المنتظر أن ترشح عن الاجتماع الأمريكي الروسي لبحث سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، الذي انعقد في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض، والتوصل إلى تسوية تفضي إلى حل الأزمة دون مشاركة أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي في هذه الاجتماعات، جاءت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأنقرة قبلها بأربع وعشرين ساعة بدعوة من نظيره التركي.
ورأت أن موافقة زيلينسكي على زيارة أنقرة، وتفضيله إياها عن باقي العواصم الأوروبية الداعمة له، لتوجيه العديد من الرسائل التي يريد إبلاغها لكافة الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة المستمرة منذ ما يقارب 3 سنوات، لفتة ذكية من جانبه، وإعلان عن تقديره للدور الذي تقوم به تركيا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي المقابل - تضيف الكاتبة - فإن دعوة الرئيس التركي له في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به هذه الأزمة، والضغوط التي تمارس عليه من جانب واشنطن، ومنحه الفرصة كاملة لإعلان موقف بلاده من الجهود الدولية الجارية على قدم وساق لإنهاء الحرب على بلاده، تعدّ أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا نفسها لاعتبارات عدة، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
* فمن ناحية تشير هذه الزيارة إلى أهمية دورها على الساحة السياسية، وفي مجال الحد من الأزمات والحروب الدولية والإقليمية؛ مما يعني أن إشراكها في أيّ خطوات تهدف إلى إيجاد حل لهذه الأزمة يرضي الجميع، يعدّ أمرا بالغ الضرورة، وهو ما يعيد النشاط إلى وساطتها التي اضطلعت بها منذ اندلاع هذه الحرب، خاصة أنها كانت الطرف الوحيد الذي حظي ولا يزال يحظى بقبول طرفي النزاع باعتبارها وسيطا محايدا.
* تأكيد مكانتها الدولية، وأهمية دورها الإقليمي، وما يمكن أن تقدمه دبلوماسيتها في هذا الإطار، خاصة أن وساطتها في هذه الأزمة أسفرت فعلا عن تحقيق العديد من الإيجابيات، لعل أبرزها احترام طرفي النزاع لقرارها إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل في البحر الأسود أمام عبور السفن الحربية التابعة لكل منهما وفق ما تنص عليه معاهدة مونترو.
وكذلك نجاحها في تقريب وجهات النظر فيما يخص قضية الأسرى من الطرفين، وهو ما أفضى إلى عملية تبادل للأسرى بينهما، وفي التوصل إلى اتفاق تم بموجبه تصدير الحبوب الأوكرانية من البحر الأسود عبر الأراضي التركية، فيما عرف بـ”اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود”.
وهو الاتفاق الذي وقعت عليه موسكو وكييف برعاية تركيا والأمم المتحدة؛ مما ساهم في إنقاذ العديد من دول العالم التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية في غذائها خاصة الدول الإفريقية ودول الشرق الأوسط التي كانت معرضة لخطر المجاعة.
* قدرتها على إيجاد توازن في علاقاتها بكل من روسيا وأوكرانيا، إذ أكدت رفضها احتلال روسيا لأجزاء من أوكرانيا، مثلما حدث في شبه جزيرة القرم عام 2014، معلنة وقوفها مع الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية كاملة غير منقوصة، وفي الوقت ذاته عارضت بقوة خطط الناتو، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية الرامية إلى فرض عزلة دولية على روسيا؛ مما أتاح لها الفرصة كاملة لتعزيز دورها القيادي، بما يمنح دبلوماسيتها الأولوية في أيّ ترتيبات مقبلة.
* تنبيه الإدارة الأمريكية إلى عدم تجاهل الدور التركي الفعّال؛ إذ إن الوساطة التركية كادت تنجح في عقد اجتماع يضم الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول، إلا أن اندلاع طوفان الأقصى وانشغال الجميع بتطورات الوضع في غزة حال دون إتمام اللقاء.
* لفت نظر الإدارة الأمريكية التي تسعى بكل جدية للتوصل إلى حل ينهي هذه الحرب المستمرة منذ الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022، إلى عدم تجاهل مكانة تركيا ودورها في الوساطة، وهو الدور الذي يجب أن يستمر في هذه الأزمة بحكم كونها جارة للبلدين، اللذين تتقاسم معهما سواحل البحر الأسود إلى جانب كل من رومانيا وبلغاريا وجورجيا.
وهو ما يعني أن أية زيادة في حدة التوترات بينهما ستلقي بظلالها السلبية عليها، وهو ما يؤكد أن وجودها في مراحل البحث عن حلول واقعية تلبي الحد الأدنى من تطلعات كل من الطرفين لإنهاء هذه الأزمة يعد أمرا ضروريا وليس شيئا ثانويا أو بروتوكوليا.
وتابعت الكاتبة:
الرئيس الأوكراني أشار إلى أن الاجتماع الروسي الأمريكي في الرياض كان بمثابة مفاجأة لهم، إذ لم تتم دعوتهم إليه، معلنا أن بلاده لن تعترف بأي اتفاقات أو ما ينتج عن أي مفاوضات لا تعلم عنها شيئا، على الرغم من تأكيده أنه يريد إنهاء الحرب، لكنه يريد لها نهاية عادلة وألا يتم تقرير شيء من وراء ظهورهم، أو فرض شروط عليهم لا يمكن القبول بها، مطالبا الولايات المتحدة بضرورة أن تكون هناك مشاركة لبلاده وأوروبا إلى جانب تركيا في أيّ محادثات تتعلق بالأزمة الأوكرانية، مع تقديم ضمانات أمنية كافية تضمن تحقيق سلام عادل ودائم في هذه المنطقة من العالم.
أردوغان الذي ذّكر بدور الوساطة التي قامت بها بلاده منذ اندلاع هذه الأزمة، قال إن المبادرة الدبلوماسية التي يرعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهدف إيجاد حل سريع تضع هذه الحرب أوزارها بموجبه، تتقاطع في جملتها مع الجهود التي بذلتها بلاده خلال السنوات الثلاث الماضية.
ورغم ما تملكه تركيا من قدرات سياسية، وعلاقات دبلوماسية بكل من روسيا وأوكرانيا يمكن توظيفها في جهود السعي لإنهاء هذه الأزمة فإن الإدارة الأمريكية أرتأت على ما يبدو تجاهل الدور التركي تماما، بل ورفض أي مساعدة يمكن أن تقدمها أنقرة في هذا الإطار؛ مما يعكس بداية بوادر أزمة أمريكية تركية في المنظور القريب لأسباب متعددة تتعلق بملفات متباينة في المنطقة والشرق الأوسط.
وهو ما يمكن استنتاجه من التصريحات التي جاءت على لسان ترامب في تعليقه على ما أدلى به زيلينسكي في مؤتمره الصحفي مع أردوغان في أنقرة، متجاهلا تماما دور أنقرة، وما أعلنه الرئيس التركي، والمكان الذي صدرت فيه هذه الأقوال.
وركز فقط على الحديث عن شعوره بخيبة أمل مما ورد على لسان زيلينسكي من تصريحات، متهما إياه بالفشل والتسبب في إطالة أمد الحرب، وتعريض أوكرانيا لخسائر مالية فادحة تقارب في مجملها خسائر غزة، إلى جانب تحميله مسؤولية إزهاق أرواح المئات من الأوكرانيين والمقاتلين من كوريا الشمالية.
هجوم ترامب على زيلينسكي دفع الرئيس الروسي إلى إعلان رفضه التفاوض مع نظيره الأوكراني، معتبرا إياه رئيسا غير شرعي، لكون أوكرانيا لم تجرِ أيّ استحقاقات انتخابية منذ اندلاع حربها مع روسيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!